من المغرب إلى أقصى العالم، هناك طفرة غير مسبوقة في توظيف الذكاء الاصطناعي داخل غرف الأخبار والمؤسسات الإعلامية، في خطوة تعكس تحوّلًا عميقًا في طبيعة المهنة ومستقبلها. خلال اليومين الماضيين، برزت تطورات متسارعة في مجالات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا الرقمية في المغرب والعالم العربي وإفريقيا والعالم، تؤشر إلى ميلاد جغرافيا جديدة للخبر الرقمي.
في المغرب، أعلنت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (SNRT) عن إطلاق أول قسم إخباري يُدار جزئيًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم إنتاج المقالات وتحريرها وتصنيفها آليًّا تحت إشراف صحفيين محترفين لضمان جودة المحتوى ومصداقيته. كما تجري مشاورات بين المغرب وشركة "أوبن أي آي" الأمريكية حول تطوير منظومة ذكاء اصطناعي تراعي الخصوصية الثقافية واللغوية المغربية. وفي السياق ذاته، نشرت دراسات أكاديمية حديثة تحذّر من مخاطر الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في الصحافة الإلكترونية المغربية، خصوصًا في ما يتعلّق بالمصداقية والوظائف المهنية. هذه الدينامية الجديدة تكشف عن رغبة المغرب في اللحاق بركب الإعلام الرقمي العالمي، عبر الجمع بين سرعة الإنتاج والضبط الأخلاقي للمعلومة.
أما في العالم العربي، فقد تصدّرت السعودية المشهد بإنجاز لافت، حيث أظهرت تقارير حديثة أنّ أكثر من نصف الشركات السعودية تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالها اليومية، مما جعل المملكة تُوصف بأنها "قوّة رقمية صاعدة" إقليميًا. وضمن التحولات الإعلامية، أعلنت صحيفة Arab News عن مشروع ضخم لترجمة محتواها إلى أكثر من خمسين لغة عبر نظام ذكاء اصطناعي عربي–إماراتي، ما يعزز الحضور الإعلامي العربي في الفضاء العالمي. هذا الاتجاه نحو التعدد اللغوي الرقمي يُظهر كيف يسعى الإعلام العربي إلى تجاوز محدودية اللغة ليصل إلى جمهور كوني، رغم التحديات التقنية في تطوير نماذج لغوية قوية للغة العربية مقارنة بالإنجليزية.
وفي إفريقيا، تسجّل القارة نقلة نوعية في التحوّل الرقمي. فقد كشف تقرير "Unstoppable Africa 2025" عن خطط لإنشاء مصانع ذكاء اصطناعي إفريقية مدعومة بتقنيات شركة "نفيديا"، ما يعزز حضور القارة في الاقتصاد التكنولوجي العالمي. كما أعلنت شركة "أوراكل" عن توسّع كبير في خدمات الحوسبة السحابية في إفريقيا، وهو ما اعتُبر خطوة استراتيجية لتقوية البنية التحتية الرقمية. وفي السياق ذاته، صادق المنتدى الإعلامي الإفريقي الرابع بمراكش على "إعلان مراكش حول الذكاء الاصطناعي وحرية الصحافة"، الذي دعا إلى ضمان الشفافية والمساءلة في استخدام الخوارزميات داخل المؤسسات الإعلامية الإفريقية.
أما على المستوى العالمي، فقد تصاعد الجدل في أوروبا حول هيمنة الشركات الرقمية العملاقة على المحتوى الصحفي، بعد أن طالب ناشرو الأخبار في إيطاليا السلطات بالتحقيق في خاصية "AI Overviews" من "غوغل"، والتي تُنتج ملخصات آلية للمقالات الإخبارية، معتبرين أنها تهدد مصادر دخل الصحافة التقليدية وتقلل من زيارات المواقع الإخبارية. وفي المقابل، أعلنت دبي عن إطلاق منصة "دبي لايف"، وهي منظومة رقمية ذكية لإدارة المدينة في الزمن الحقيقي باستخدام الذكاء الاصطناعي، بينما أعلنت شركة "Viamedia" الأمريكية عن تغيير اسمها إلى "Viamedia.ai"، في خطوة تعبّر عن الانتقال الكامل من الإعلان التلفزيوني التقليدي إلى الإعلان الذكي المدعوم بالبيانات والخوارزميات.
هكذا يتضح أن الإعلام والذكاء الاصطناعي يسيران اليوم بخطى متسارعة نحو اندماج شامل، يعيد صياغة علاقة الصحافي بالتقنية والمعلومة والجمهور. وبينما تسعى الدول إلى تسخير هذه الأدوات لتحسين الكفاءة وتوسيع الانتشار، يظل التحدي الأكبر هو الحفاظ على القيم المهنية والإنسانية للصحافة، حتى لا يتحوّل الإعلام إلى مجرد انعكاس لخوارزمية بلا روح.
توقيع: ABDOU HAKKI








0 التعليقات:
إرسال تعليق