الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، أكتوبر 22، 2025

كأس العالم للشباب فرحة مغربية في مقابل حزن جزائري: عبده حقي


في الوقت الذي دوّت فيه أصوات الفرح في المدن المغربية والعربية بعد تتويج المنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة بكأس العالم للشباب في تشيلي، خيم صمت لافت ومطبق في الجزائر الرسمية والإعلامية، أثار تساؤلات عديدة حول عمق الخلاف بين الشعبين الجارين وحدود الانقسام في الوعي المغاربي المشترك.

المنتخب المغربي للشبان حقق إنجازاً غير مسبوق، بفوزه المستحق على المنتخب الأرجنتيني، صاحب التاريخ الكروي العريق، ليصبح أول بلد عربي وثاني بلد إفريقي بعد غانا عام 2009 يتوج بطلاً للعالم في فئة الشباب.

المباراة النهائية التي جمعت الفريقين في سانتياغو كانت مثيرة في تفاصيلها، وانتهت بتتويج مستحق عزز مكانة المغرب في مصاف الدول الصاعدة كروياً، وأكد أن “مشروع الكرة المغربية” الذي أطلق منذ سنوات بدأ يؤتي ثماره بوضوح، من البنية التحتية الحديثة إلى أكاديميات التكوين والتأطير الرياضي.

غير أن ما أثار الجدل أكثر من النتيجة نفسها، هو غياب أي تهنئة رسمية أو تغطية إعلامية من الجزائر، رغم أن أغلب وسائل الإعلام العالمية والعربية احتفت بالحدث واعتبرته “إنجازاً عربياً وإفريقياً مشرفاً”.

ففي الوقت الذي تنافست القنوات الدولية على بث لقطات التتويج وأجواء الاحتفال في الرباط والدار البيضاء، تجاهلت وسائل الإعلام الجزائرية العامة والخاصة الحدث تماماً، ما اعتبره محللون سلوكاً “غير رياضي” و”تعبيراً عن حساسية سياسية متجذرة تتجاوز حدود التنافس الرياضي”.

ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس حالة من “الفوبيا المغربية ” التي باتت متغلغلة في الخطاب الإعلامي والسياسي الجزائري خلال السنوات الأخيرة، حيث تُقابَل كل خطوة مغربية ناجحة، سواء في الرياضة أو في التنمية أو في الدبلوماسية، بردود فعل باردة أو عدائية.

ويشير محللون إلى أن هذا التجاهل لا يضر المغرب في شيء بقدر ما يسيء إلى الجزائر نفسها، لأنها تفرّط في قيم الجوار والتاريخ المشترك الذي جمع الشعبين لعقود، خصوصاً أن العلاقات الإنسانية بين المغاربة والجزائريين ظلت أقوى من الخلافات السياسية، بدليل وجود آلاف الأسر المختلطة والعلاقات المتينة بين الشعبين.

الانتصار المغربي، كما يقول عدد من المعلقين، لم يكن مجرد فوز رياضي بل دليلا على نضج منظومة رياضية حديثة تؤمن بالتخطيط والانضباط والمهنية.

فالكرة المغربية، التي وصلت قبل عامين إلى نصف نهائي كأس العالم في قطر، وها هي الآن تتوج بلقب عالمي في فئة الشباب، تترجم رؤية متكاملة تتجاوز المستطيل الأخضر إلى بناء جيل مؤهل ومؤمن بالعمل الجماعي والانتماء الوطني.
وهو ما جعل كثيرين يرون أن الإنجاز المغربي يجب أن يكون “مصدر إلهام” لا “مصدر حسد” لبقية الدول العربية، وفي مقدمتها الجزائر، التي تملك بدورها طاقات شابة قادرة على التألق متى توفرت لها بيئة احترافية مماثلة.

في مقابل هذا الصمت الرسمي، صدرت أصوات جزائرية محترمة عبّرت عن فرحتها وتهنئتها للمغرب، من أبرزها المعلق الرياضي المعروف حفيظ دراجي، الذي كتب على صفحته الرسمية مهنئاً المنتخب المغربي على إنجازه الكبير، ومؤكداً أن “الرياضة تجمع الشعوب ولا تفرقها”.

دراجي، الذي يُعد من أكثر الشخصيات الرياضية متابعة في العالم العربي، نال إشادة واسعة من متابعيه المغاربة والجزائريين على حد سواء، معتبرين أن ما قام به “يمثل الأخلاق الرياضية الحقيقية”.

إن هذا الحدث، في جوهره، قد تجاوز مجرد مباراة في كرة القدم، ليكشف عن حاجة المنطقة المغاربية إلى “مصالحة وجدانية” تسبق المصالحة السياسية.

فالرياضة كانت وستبقى من أقوى جسور التواصل بين الشعوب، وإذا فقدت قدرتها على توحيد الجيران، فذلك يعني أن الجرح أعمق مما يبدو.
ويؤكد كثيرون أن الاعتراف بنجاح الآخر لا يقلل من قيمة الذات، بل يعزز الثقة والكرامة الوطنية. فالمغرب لا ينتصر على الجزائر، بل ينتصر من أجل إفريقيا والعالم العربي بأسره.

الفرح المغربي مشروع، والغيرة الجزائرية مفهومة، لكن الصمت الرسمي لا يليق بدولة كالجزائر. فكما قال أحد المعلقين: “المنتخب المغربي لم يهزم الجزائر، بل هزم فكرة الحدود المغلقة.”

لقد آن الأوان لأن يدرك المغاربيون، من المحيط إلى الصحراء المغربية ، أن المجد لا يُبنى على الحقد، وأن مستقبلهم المشترك أكبر من كل الخلافات. فربما يكون كأس العالم للشباب بداية مرحلة جديدة، عنوانها: الاحترام قبل الخصام، والرياضة قبل السياسة.



0 التعليقات: