أولاً: المنفى، الدولة، والذاكرة السياسية
1. My Friends – رواية المنفى الليبي كتمرين على الصداقة المستحيلة
رواية هشام مطر My Friends تعود إلى ثيمة المنفى التي وسمت أعماله السابقة، لكنها تفعل ذلك عبر زمن طويل يمتد من ثمانينيات لندن إلى الربيع العربي، ومن خلال ثلاثة أصدقاء ليبيين يعيشون خوف الدولة حتى وهم خارج حدودها.
القيمة الجمالية هنا ليست فقط في اللغة الشاعرة الهادئة، بل في تفكيك وهم “العودة” نفسها: هل العودة الممكنة هي عودة الأجساد إلى الوطن أم عودة المعنى إلى الحياة؟ الرواية تقدّم نموذجاً لـ“السياسة البطيئة”: تاريخ القمع، خيبات المعارضة، هشاشة الروابط العائلية، وكلها تُرى من زاوية الصداقة لا من زاوية الشعارات.
في هذه الرواية، السياسة تظهر كشيء يتسرّب إلى التفاصيل اليومية، إلى الصمت على الهاتف مع الأهل، إلى الخوف من رسالة بريدية. وهذا ما يجعلها، ضمن هذه القائمة، واحدة من أكثر النصوص عمقاً ونضجاً في التعامل مع التاريخ المعاصر.
2. Atmosphere – رومانسيّة الفضاء وتبييض التاريخ
رواية Atmosphere لتايلور جينكنز ريد تقع في تزاوج بين التاريخي والرومانسي، من خلال رصد امرأة تُدعى جوان غودوين في برنامج مكوك الفضاء في الثمانينيات، حيث تبدأ ناسا قبول النساء ضمن روّادها.
النقّاد يشيرون إلى أن الرواية مشوقة وعاطفية، لكنها تميل إلى “تلطيف” التاريخ: كأن النسوية هنا تُختزل في قصة حب بين امرأتين في بيئة ذكورية، دون الذهاب بعيداً في نقد البُنى العرقية والسياسية داخل ناسا وأمريكا ريغان.
من زاوية جمالية، ريد بارعة في بناء شخصيات محبوبة، وفي جعل الفضاء خلفية رومانسية لا مختبراً معرفياً؛ وهذا بالضبط موطن قوتها وضعفها في آن: نص ممتع، ولكن أقلّ جرأة فكرياً من موضوعه.
3. Sunrise on the Reaping – عودة ديستوبيا “ألعاب الجوع”
سوزان كولينز تعود إلى عالم The Hunger Games عبر Sunrise on the Reaping، التي تسبق السلسلة الأصلية بـ 24 عاماً، وتركز على دورة الألعاب الخمسين التي خاضها هايمتش أبرناثي.
القيمة هنا أن كولينز لا تكتفي بالتسلية الديستوبياوية، بل تذهب إلى جذور “الدعاية” و“الإخضاع الطوعي”، متأثرة صراحةً بديفيد هيوم وأسئلته حول كيف يحكم القليل الأغلبية بهذه السهولة.
اللعبة ليست الساحة الدموية فقط، بل اللغة نفسها: كيف يُصنع خطاب الدولة، وكيف يقبل الناس “الواقع” كما لو كان قدراً.
مع نجاح الرواية الهائل واستعداد هوليوود لتحويلها إلى فيلم جديد، تكرّس كولينز مرة أخرى نموذجاً لأدب شبابي جماهيري، لكنه محمّل بأسئلة سياسية غير بسيطة.
ثانياً: أجساد النساء بين الساحرة والضحية والناجية
1. How to Kill a Witch – التاريخ كدليل عملي للسلطة الذكورية
كتاب How to Kill a Witch: The Patriarchy’s Guide to Silencing Women لزوي فينديتوتسي وكلير ميتشل يأخذ شكل “دليل ساخر” للذكورية في كيفية إسكات النساء، لكنه في الجوهر عمل تاريخي–سياسي عن محاكمات الساحرات وآليات شيطنة النساء عبر القرون.
الميزة هنا هي الجمع بين السخرية السوداء والتحليل التاريخي: يتضح أن “الساحرة” ليست شخصية خيالية، بل اسم آخر لأي امرأة أكثر استقلالاً مما يسمح به النظام الاجتماعي. الكتاب يحفر جسرًا واضحاً بين مطاردات الساحرات في أوروبا وأمريكا وبين حملات التشهير والاغتيال الرمزي ضد النساء اليوم.
2. Witchcraft for Wayward Girls – رعب المراهقات وأخلاقيات الجسد
غرايدي هندريكس في Witchcraft for Wayward Girls يعود إلى سبعينيات الجنوب الأمريكي: بيت للعازبات الحوامل، مراهقات منبوذات اجتماعياً، وكتاب سحر يفتح لهن باباً للقوة في عالم لا يراهن إلا كفضيحة.
النص يقع على حافة الرعب والتاريخ الاجتماعي؛ الخوف الحقيقي ليس من الطقوس واللعنات، بل من مؤسسة تُخضع أجساد الفتيات بحجة حمايتهن. بهذا المعنى، الرواية أقرب إلى نقد نسوي مموّه بسرد “هالويني”، وتُكمّل، بطريقة تخييلية، ما يفعله كتاب How to Kill a Witch على مستوى الوثيقة.
3. The House of My Mother – من “الفلوغ” العائلي إلى شهادة العنف
مذكّرات شاري فرانكي The House of My Mother تكشف الجانب المظلم لعائلة 8 Passengers الشهيرة على يوتيوب، وتحكي رحلة الابنة من داخل بيت مسيطر دينياً ونفسياً إلى محاولة تحصيل الحرية.
قوة هذا النص أنه يعرّي ليس فقط أماً متسلطة، بل منظومة كاملة من الإعلام الديني–الأسري الذي يستخدم الأطفال محتوى وديكوراً أخلاقياً. هنا “الأم” عنوان للبيت–السجن، والرواية تعيد تعريف الطاعة والعقوق: أيهما أخلاقي أكثر، الصمت حفاظاً على الصورة أم الكلام حفاظاً على الذات؟
4. Everything Is Tuberculosis – المرض كمرآة لاختلال العالم
جون غرين في كتابه Everything Is Tuberculosis لا يكتب “تاريخ المرض” فقط، بل يقدّم أطروحة مفادها أن السل اليوم ليس مشكلة بكتيريا فقط، بل مشكلة اختيارات سياسية واقتصادية جعلت هذا المرض القابل للعلاج مستمراً بوصفه “أخطر عدوى قاتلة في العالم”.
يُدخل غرين قصة مريض واحد، هنري، كخيط شخصي وسط تاريخ علمي–اجتماعي أوسع، ليؤكد أن اللامساواة، الاستعمار، الفقر وسياسات الدواء هي “العوامل الممرضة” الحقيقية.
هذا الكتاب، مع مذكّرات فرانكي، يجعل من الجسد ساحة صراع سياسي بامتياز: جسد مريض، جسد معنف، جسد حُوِّل إلى محتوى على الشاشة أو رقم في إحصاء صحي.
ثالثاً: انفجار “الرومانتسي” وتحوّلات الحب في السرد المعاصر
1. Onyx Storm وAlchemised: الرومانسية المظلمة كملحمة شعبية جديدة
Onyx Storm لريبيكا ياروس، الجزء الثالث من سلسلة The Empyrean، تحوّل إلى ظاهرة سوقية وجماهيرية غير مسبوقة: 2.7 مليون نسخة في الأسبوع الأول، كأسرع رواية للكبار مبيعاً منذ عشرين عاماً.
العالم هنا يجمع بين تنانين، حروب سحرية، وعلاقة حب عالية التوتر بين فيوليت وسادن، في لغة قريبة من اليافعة (YA) لكنها موجّهة بالأساس لقراء بالغين يبحثون عن مغامرة عاطفية–ملحمية. النقّاد منقسمون: بعضهم يراها بناء عالم مثير وشخصيات جذابة، وآخرون ينتقدون مبالغتها في المصطلحات السحرية ومحافظتها على بنية “جامعة سحرية” مريحة أكثر من كونها مقلقة فكرياً.
Alchemised لسينلين–يو تأخذ الرومانتسي إلى حدود أكثر قتامة وكثافة: عمل يفوق ألف صفحة، يجمع بين الفانتازيا المظلمة والرومانسية القاتمة والذاكرة المجروحة بعد حرب أهلية في عالم متخيّل.
خلفية الكتاب أنه نبت من تربة “فان فيكشن” مظلم لعالم هاري بوتر (Manacled)، ثم جرى تفكيك مرجعياته القانونية وتحويله إلى عالم مستقل، قبل أن يحصل على صفقة فيلم ضخمة.
كلا العملين يجعل من الحب محوراً للنجاة وسط عالم من الدمار، لكنهما يكشفان أيضاً عن ذائقة قارئ معولم يميل إلى النصوص الطويلة، الغامرة، التي تشبه “مسلسلاً” يمكن العيش فيه، أكثر مما تشبه رواية مكتفية بذاتها.
2. Great Big Beautiful Life – الرومانسية كحوار مع السرد نفسه
إميلي هنري في Great Big Beautiful Life تمزج بين الرومانسية والبيوغرافيا والتاريخ عبر صحفيين يتنافسان على كتابة سيرة وريثة سابقة في بلدة ساحلية أميركية صغيرة.
الكتاب يحتفي بكل أشكال الحب: العاطفي، العائلي، المهني، وحتى حب الكتابة نفسها. هنري هنا تمثل تياراً “ناعماً” مقارنةً بياروس وسينلين–يو: لا تنانين ولا أكاديميات سحرية، بل شخصيات معاصرة تواجه أسئلة الهوية والذاكرة والاختيار الأخلاقي. لكن خلف هذا النعومة نقد واضح لصناعة الشهرة والفضائح، وللكيفية التي يُعاد بها سرد حياة امرأة في كتب الغير.
3. Fake Skating – رومانسية يافعة نظيفة
رواية لين باينتر Fake Skating تستثمر تيمة “العلاقة المزيفة” بين حبيبين طفولة يعودان للقاء في بلدة مهووسة بالهوكي في مينيسوتا، في نص رومانسي يافع خفيف وخالٍ تقريباً من “التوابل” الجنسية.
هنا نرى وجهاً آخر لذائقة القراء الشباب: بحث عن قصة حب دافئة، عن أسرة، عن توازن بين الطموح الرياضي والعاطفة، بعيداً عن الكآبة الثقيلة للفانتازيا المظلمة أو عن العنف الصريح في ديستوبيا “ألعاب الجوع”.
4. Not Quite Dead Yet – ثريلر شخصي بضمير أنثوي
في Not Quite Dead Yet تكتب هولي جاكسون أول رواية إثارة للكبار بعد نجاحها في أدب اليافعين: امرأة تتعرض لهجوم وحشي وتكتشف أنها قد تموت خلال أسبوع إن لم تخضع لجراحة خطيرة، فتقرر أن تستغل أيامها الأخيرة في حل لغز محاولة قتلها بنفسها.
الكتاب يمزج بين إيقاع الثريلر وأسئلة المعنى: ماذا يعني أن “تنقذ حياتك”؟ هل في البقاء البيولوجي أم في استعادة السرد والتحكم في حكايتك؟ مرة أخرى، نرى امرأة تحوّل موقع الضحية إلى موقع الباحثة عن الحقيقة.
رابعاً: الفرجة، التلفزيون الواقعي، واقتصاد الانتباه
The Compound – “لوف آيلاند” يلتقي بـ Lord of the Flies
رواية The Compound لأيسلينغ راوِل تُقدَّم كـ“لوف آيلاند يلتقي Lord of the Flies”: برنامج تلفزيون واقعي، كاميرات متربصة، عشرة رجال يصلون إلى كومباوند معزول، وأسئلة عن ماذا يجب أن يفعل المتسابقون ليفوزوا، وماذا يحدث للخاسرين
النص، بحسب نقد كيركس وغيره، هو سخرية أدبية من الإفراط الاستهلاكي وعبادة الفوز و”اللعب على الشاشة”. السجن هنا ليس فقط الكومباوند، بل عين المتفرج. الرواية تفضح القسوة “المُنكرة” في متابعة معاناة الناس كترفيه، وتكشف عن قرب صلة هذا العالم بعنف استعماري–طبقي أوسع (اختيار من يستحق النجاة ومن لا يستحق).
البيت، القناة، والمرض: نفس المنطق
The House of My Mother وEverything Is Tuberculosis يتحركان في الفضاء نفسه وإن اختلفت الأشكال.
-
في مذكّرات فرانكي، العائلة تتحول إلى برنامج واقعي دائم، حيث تُستهلك حياة الأطفال كمنتج مربح
-
في كتاب غرين، المرض يُقدَّم ضمن سلسلة معرفية انبثقت من مشروع “كراش كورس” التعليمي، أحد أعمدة يوتيوب الثقافي اليوم
في الحالتين، الشاشة ليست حيادية: إنها جزء من المشكلة ومن محاولة الفهم في الوقت نفسه.
خامساً: الفانتازيا بوصفها مختبرًا للأخلاق والتاريخ
Bury Our Bones in the Midnight Soil لفي.إي. شويب، وإن لم تحظ بعد بضجة إعلامية تضاهي Onyx Storm أو Alchemised، تبدو بحسب القراءات المتاحة نصاً فانتازياً غنيّاً بالاستعارات، يريد أن يحوّل العظام والأرض والليل إلى عناصر كتابة عن الذاكرة والقيد الأنثوي.
أما Witchcraft for Wayward Girls وSunrise on the Reaping فكلٌّ منهما يستخدم الفانتازيا أو الرعب التاريخي ليختبر أخلاق السلطة:
-
فتيات حوامل مهمّشات يكتشفن قوة السحر في وجه نظام أخلاقي قمعي
-
مراهق من حيّ فقير يُرمى في ساحة ألعاب قاسية لتسلية طبقة حاكمة؛ ينجو جسدياً لكن روحه تتكسر، ويصبح رمزاً لمقاومة لاحقة.
الفانتازيا هنا ليست هروباً من الواقع، بل تكثيف له في صور أكثر وحشية ووضوحاً.
خلاصة: ماذا تقول هذه القائمة عن ذائقة القارئ اليوم؟
-
عودة السياسة عبر الأشكال الشعبية
من My Friends إلى Sunrise on the Reaping وThe Compound، نلاحظ أن السياسة لم تعد حكراً على الرواية “الجادّة” أو الدراسة الأكاديمية؛ بل صارت تتسلل إلى الرومانسية، الفانتازيا، ديستوبيا الشباب، وحتى الثريلر. -
هيمنة سؤال الجسد الأنثوي
الساحرة، الفتاة الحامل، الابنة المعنَّفة، المريضة بالسل… كلها وجوه لسؤال واحد: كيف تُدار أجساد النساء في منظومات دينية، أبوية، ليبرالية أو إعلامية؟
How to Kill a Witch يقدّم الإطار التاريخي النظري، بينما توزع الروايات الأخرى حالات تطبيقية متخيلة وواقعية على هذا الإطار. -
الرومانتسي كنوع مهيمن جديد
نجاح Onyx Storm وAlchemised ليس عرضياً؛ إنه إشارة إلى رغبة قرّاء اليوم في نصوص تجمع بين شهوة الحكي الطويل (المسلسل)، والتجربة العاطفية الكاسحة، وعوالم الهروب من واقع سياسي–اقتصادي خانق. -
تزاوج المعرفة والمتعة في اللا–رواية
Everything Is Tuberculosis وThe House of My Mother يعيدان تعريف الكتاب المعرفي والمذكرات: لا انفصال بين المعلومات والعاطفة. القارئ يريد أن يتعلّم وأن يتألم في الوقت نفسه، وأن يرى في النص العلمي أو الوثائقي حكاية شخصية ملموسة. -
هيمنة منطق المنصات
واقع تلفزيون الواقع، قنوات يوتيوب العائلية، “البوك توك”، الجوائز المبنية على تصويت القراء… كل ذلك يصنع فضاءً أدبياً جديداً يختلط فيه معيار القيمة بمعيار الانتشار. هذه الكتب نفسها هي نتاج هذا المناخ، لكنها في كثير من الأحيان تنقده من الداخل.
باختصار، هذه الإصدارات ترسم لوحة أدب عالمي يتأرجح بين رغبته في تهدئة القارئ وقهره اليومي، ورغبته في صدمه بالحقيقة العارية. بينهما مساحة واسعة للّعب النوعي: رواية سياسية متنكرة في ثوب فانتازيا، مذكرات تتحول إلى فعل مقاومة، ورومانسية مظلمة تعيد كتابة ملحمة الحب في زمن المنصات.








0 التعليقات:
إرسال تعليق