الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أكتوبر 21، 2025

وساطة سرّية أمريكية بين الجزائر والمغرب نحو اتفاق سلام في أفق نهاية 2025: عبده حقي


تتحرك واشنطن في كواليس السياسة المغاربية هذه الأيام، مستعينة بشبكة مستشاري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأصهاره،

لإطلاق وساطة مباشرة بين الجزائر والمغرب بهدف إنهاء التوتر التاريخي بين الجارين والتوصل إلى اتفاق سلام قبل نهاية عام

2025. وقد كشف كل من جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، في مقابلة مطوّلة بثتها قناة CBS News  ضمن برنامجها الشهير 60 Minutes، عن تفاصيل هذه المساعي التي تُعيد إلى الأذهان أسلوب ترامب في «دبلوماسية الصفقات» التي رافقت توقيع اتفاقات أبراهام سنة 2020.

يبدو أن إدارة ترامب الجديدة (التي تستعد للعودة إلى الساحة السياسية) تسعى لإعادة تفعيل حضورها في شمال إفريقيا من خلال وساطة يقودها ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للبيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، وجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق.

كلا الرجلين من رجال الأعمال النافذين في مجال العقارات، ويملكان علاقات قوية مع العائلة الرئاسية الأمريكية، ما يجعل وساطتهما أقرب إلى دبلوماسية غير رسمية لكنها ذات تأثير فعلي داخل أروقة القرار في واشنطن.

وأكد ويتكوف في المقابلة أن فريقه يعمل حاليًا على تهيئة أرضية تفاهم بين الجزائر والمغرب، بهدف توقيع اتفاق سلام خلال «الستين يومًا المقبلة»، أي قبل نهاية سنة 2025.

مصادر أمريكية وعربية متقاطعة كشفت أن الجزائر قبلت فعليًا بوساطة أمريكية منذ صيف 2025، بعد لقاء جمع الرئيس عبد المجيد تبون بالمبعوث الأمريكي الخاص لإفريقيا مسعد بولس، الذي نقل رغبة واشنطن في إنهاء القطيعة بين البلدين.

هذا التحول يُعدّ لافتًا، خصوصًا أن الجزائر رفضت وساطات سابقة من جامعة الدول العربية، والسعودية، وقطر، والاتحاد الإفريقي. ويبدو أن ثقة تبون بواشنطن تعود إلى إدراكه أن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على تقديم ضمانات أمنية حقيقية وإعادة التوازن العسكري مع المغرب.

تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق استقرار دائم في شمال إفريقيا، خصوصًا بعد نجاحها في إبرام اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

وترى واشنطن أن تسوية النزاع بين الجزائر والمغرب ستفتح الباب أمام تعاون اقتصادي وأمني أوسع في المنطقة، وتحدّ من النفوذ الروسي والصيني المتنامي.

ويُرجّح أن تكون خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحلّ قضية الصحراء هي الأساس الذي ستبني عليه واشنطن وساطتها، نظرًا لتأييد معظم القوى الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وروسيا بشروط) لهذا الخيار.

أكبر عقبة تواجه هذه الوساطة هي التحول الأيديولوجي للنظام الجزائري الذي جعل من ملف الصحراء «قضية مقدسة» على غرار القضية الفلسطينية، تُستعمل في الإعلام والسياسة الداخلية لشدّ الانتباه وصناعة الإجماع.

لكن القبول الأمريكي كوسيط يشي بأن الجزائر بدأت تدرك محدودية هذا النهج، وأنها تسعى إلى الخروج من العزلة الإقليمية دون خسارة ماء الوجه أمام الرأي العام الداخلي.

رغم السرية التي تحيط بالمفاوضات، فإن ما تسرّب من معلومات يشير إلى أن واشنطن تعمل على صياغة اتفاق سلام شامل يتضمّن:

بدء مفاوضات حول تطبيق موسّع للحكم الذاتي في الصحراء تحت إشراف أممي.

تأمين عودة تدريجية للاجئين من مخيمات تندوف.

نزع سلاح ميليشيات «البوليساريو» ودمجها في الحياة السياسية المحلية.

لكنّ تفاصيل كثيرة ما زالت غامضة، مثل مصير المقاتلين، وضمانات الأمن الحدودي، وكيفية دمج الأقاليم في النظام المغربي.

إنّ ما يجري اليوم من تحركات دبلوماسية أمريكية يُشير إلى أن واشنطن عازمة على إغلاق واحد من أقدم النزاعات في إفريقيا.

فبعد أربعة عقود من الجمود، قد تشهد المنطقة لحظة تاريخية إذا ما نجحت الوساطة في تحقيق اختراق حقيقي بين الرباط والجزائر.

لكن السؤال الذي يظل معلّقًا:

هل يملك الطرفان الشجاعة السياسية لتقديم التنازلات الضرورية من أجل سلام طال انتظاره؟

بقلم: عبده حقي – تحليل سياسي خاص

0 التعليقات: