الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أكتوبر 18، 2025

الجديد في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

 

يشهد العالم في الآونة الأخيرة طفرة غير مسبوقة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث تتسابق كبرى الشركات العالمية على تطوير المعالجات والبنى التحتية القادرة على تلبية الطلب المتزايد على الحوسبة الذكية. فقد أعلنت شركة OpenAI عن شراكة مع العملاق الأمريكي Broadcom لتصميم أول معالجات خاصة بها موجهة حصرياً لتقنيات الذكاء الاصطناعي، في خطوة تؤكد استقلالها التدريجي عن شركات المعالجات التقليدية مثل Nvidia، التي بدورها أعلنت عن استثمارات تتجاوز مائة مليار دولار لتوسيع قدراتها في بناء مراكز بيانات مخصصة لهذا المجال الحيوي.

وفي السياق ذاته، أعلنت شركة Google عن إطلاق مشروع ضخم بقيمة 15 مليار دولار لبناء مركز عالمي للذكاء الاصطناعي في الهند، في إطار إستراتيجية توسعية تجعل من هذا المركز أكبر استثمار للشركة خارج الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه آسيا والخليج طفرة مماثلة في قطاع التكنولوجيا، إذ افتتح حاكم دبي مؤخراً فعاليات معرض “GITEX 2025”، الذي يُعد أكبر حدث تكنولوجي في العالم، ويجمع أبرز الفاعلين في ميادين الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.

غير أن هذه الطفرة التكنولوجية تقابلها تحذيرات من خبراء في القطاع من احتمالية بروز "فقاعة استثمارية" مشابهة لتلك التي شهدها العالم مع بداية الإنترنت في مطلع الألفية، وذلك بسبب ضخامة التمويلات وتضخم التقييمات المالية لشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. وفي المقابل، تعمل المؤسسات التشريعية الكبرى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، على صياغة أطر قانونية جديدة تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الذكية، مع التركيز على الأخلاقيات، وحقوق الملكية الفكرية، والمسؤولية القانونية الناتجة عن قرارات الأنظمة الآلية.

أما على الصعيد المغربي، فقد واصل المغرب خطواته الثابتة نحو الاندماج في الثورة الرقمية، حيث تم الإعلان عن إنشاء مركز التميز للمعطيات والذكاء الاصطناعي بجهة الدار البيضاء–سطات بشراكة بين القطاع الحكومي وعدد من الفاعلين الدوليين، وهو مشروع طموح يتوقع أن يخلق ما يقارب 500 وظيفة جديدة بحلول سنة 2029، ويساهم في نقل الخبرات وتعزيز الابتكار المحلي. كما وقّعت المملكة اتفاقية تعاون مع الشركة الفرنسية الناشئة Mistral AI لتطوير البحث العلمي وتوسيع استخدامات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الصحة والزراعة والإدارة العمومية.

وفي هذا الإطار، تعمل الحكومة المغربية على بلورة إطار وطني للذكاء الاصطناعي المسؤول يهدف إلى مواءمة التطور التقني مع القيم الثقافية والقانونية الوطنية، مع التركيز على تطوير نماذج لغوية تراعي الخصوصية المغربية. وتُوظَّف تقنيات الذكاء الاصطناعي حالياً في عدد من القطاعات الحيوية، أبرزها إدارة المخاطر الجمركية، والتخطيط الإشعاعي في المستشفيات لعلاج السرطان، وتحسين أنظمة الطاقة المتجددة في أفق الانتقال الطاقي الذي تسعى إليه المملكة في أفق 2030.

كما يشهد قطاع التعليم المغربي دينامية جديدة عبر مشاريع لإحداث مدرسة وطنية للهندسة والذكاء الاصطناعي، في خطوة تروم إعداد جيل من المهندسين والباحثين القادرين على قيادة التحول الرقمي في المستقبل القريب. وقد دعا عدد من الأكاديميين إلى إنشاء جامعة وطنية للذكاء الاصطناعي، بل وحتى وزارة متخصصة، لما يمثله هذا القطاع من أهمية استراتيجية في الاقتصاد العالمي المقبل.

ورغم هذه الخطوات الطموحة، تواجه المملكة تحديات على مستوى الأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية، حيث أظهرت دراسة حديثة أن نحو ثلث الشركات المغربية ترى أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يزيد من هشاشة البنية الأمنية إذا لم يتم ضبطه بإجراءات حازمة.

في المقابل، تبرز مبادرات بحثية مغربية لافتة في المجال العلمي، منها مشروع يستخدم خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ برؤية الهلال بدقة تجاوزت 98 في المائة، وأبحاث أخرى في مجال التنبؤ بحرائق الغابات عبر تحليل البيانات البيئية الضخمة.

وهكذا، يبدو أن المغرب يواصل بثبات دخوله إلى عصر الذكاء الاصطناعي، مستفيداً من موقعه الاستراتيجي وشراكاته الدولية، ليصبح فاعلاً إقليمياً في هذا المجال المتسارع، في وقت يتحول فيه الذكاء الاصطناعي إلى أداة أساسية في تشكيل مستقبل الاقتصاد والثقافة والسيادة الرقمية في العالم.



0 التعليقات: