يعيش المشهد الثقافي والفني في المغرب والعالم العربي هذه الأيام حركية استثنائية تؤكد عودة الزخم إلى المهرجانات والمعارض والملتقيات بعد فترة من الركود النسبي. ففي المغرب، تتوزع الأنشطة بين فاس والرباط ومراكش، لتجعل من أكتوبر شهراً فنياً بامتياز، تلتقي فيه الموسيقى والشعر والفكر والتشكيل في فسيفساء تعكس تنوع الثقافة المغربية وعمقها الإفريقي والعربي.
في فاس، تنطلق قريباً فعاليات مهرجان الثقافة الصوفية في دورته الجديدة تحت شعار «عيش بشكل شعري»، حيث ستجمع العاصمة الروحية للمملكة بين الشعر والموسيقى الصوفية والحوار الروحي، في لقاء يعيد للأذهان دور فاس التاريخي كمنارة للعلم والروحانية والفكر الإنساني. أما الرباط، فتستعد لاحتضان النسخة المقبلة من Visa For Music ما بين 19 و22 نوفمبر المقبل، بمشاركة أزيد من 500 فنان ومهني من القارات الخمس، مما يعزز مكانة العاصمة المغربية كعاصمة للثقافات الإفريقية والعربية.
وفي مراكش، أعاد متحف الفن الإفريقي المعاصر (MACAAL) فتح أبوابه بعد عملية ترميم شاملة، بعرض فني ضخم يحمل عنوان «سبعة مسارات، مجموعة واحدة» ويضم نحو 150 عملاً فنياً من مجموعته الدائمة التي تجاوزت 2500 عمل. هذا المعرض يبرز غنى الإبداع الإفريقي وتنوع مدارسه التشكيلية، مؤكداً على الدور الريادي للمغرب في دعم الفن المعاصر بالقارة.
وفي الجانب التشكيلي أيضاً، تواصل الفنانة المغربية منـاة الشرّاط عرض أعمالها في قاعة African Arty تحت عنوان «في انعدام الوزن»، وهي تجربة بصرية تستكشف علاقة الذاكرة بالمادة والضوء، وتزاوج بين التجريد والرمزية.
من جهة أخرى، تعمل وزارة الشباب والثقافة والتواصل على إطلاق مشروع «علامة المغرب» لحماية التراث المادي وغير المادي، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تثمين الحرف التقليدية والفنون الشعبية. كما وافقت الحكومة على مشروع مرسوم جديد لإعادة تنظيم المعهد الوطني للفنون الجميلة، في إطار إصلاح مؤسسات التكوين الفني.
أما في العالم العربي، فيشهد المجال الثقافي حراكاً موازياً. ففي مصر تستعد مدينة الجونة لاستقبال الدورة الجديدة من مهرجان الجونة السينمائي الذي سيستقطب نخبة من الفنانين وصناع السينما من المنطقة والعالم. وفي المملكة العربية السعودية، تتجه الأنظار إلى مهرجان Soundstorm الذي سيعرف مشاركة نجوم عالميين أبرزهم المغنية الأميركية Cardi B، في إطار توسع المشهد الموسيقي الخليجي نحو العالمية.
على صعيد آخر، تشهد لندن حالياً معرضاً للفنانين العرب تنظمه دار كريستيز العالمية، في مبادرة تسعى لتثبيت مكانة الفن العربي ضمن السوق الدولية، بينما تتزايد في العالم العربي الدعوات لوضع أطر قانونية جديدة لمحاربة تزوير الأعمال الفنية وحماية حقوق المبدعين، وهي خطوة انخرط فيها المغرب من خلال مشاريع تشريعية قيد الإعداد.
وإلى جانب هذه الدينامية المؤسسية، يشهد التراث المغربي حضوراً عالمياً متزايداً، خصوصاً في فن السجاد التقليدي مثل بوشرويت وأزيلال وبني أورين، الذي أصبح محور اهتمام كبرى دور التصميم العالمية، مانحاً للحرفيين المغاربة مكانة جديدة في الاقتصاد الإبداعي العالمي.
تؤكد هذه الفعاليات مجتمعة أن الثقافة المغربية والعربية تعيش اليوم مرحلة تجديد حقيقي، حيث يلتقي التراث بالحداثة، والفن المحلي بالذوق الكوني، لتصوغ المنطقة من جديد موقعها على الخريطة الثقافية العالمية بوعي جمالي وإنساني متجدد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق