الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أكتوبر 17، 2025

" رباعيات لا يعبرها الفهم" (26) شعر عبده حقي


١

على مشارف السبعين، لا أعدّ سنواتي،

بل أعدّ وجوه الذين غابوا في منتصف الكلام.

كلُّ مساءٍ، أضع قلبي على الطاولة ككتابٍ قديم،

وأنتظرُ قارئًا لا يملّ من الذكريات.

٢

لم أعد أبحث عن وطنٍ في الخريطة،

فالوطنُ صار نغمةً في نبرة الصوت.

أدركتُ أن المنافي ليست أماكن،

بل ظلالٌ تسكننا حين نصمت.

٣

كان الطريق طويلًا،

لكنني وصلتُ إلى نفسي أخيرًا.

كلّ ما فقدتُه في منتصف العمر،

عاد إليّ كحكمةٍ من غبار المساء.

٤

لم أعد أؤمن بالخلود،

لكنّ الزهر في يدي يشبهه قليلًا.

الزمنُ لا يشيخ، نحن الذين نتعب،

ونعطي لأعمارنا أسماءً من الرمل.

٥

في السبعين، أتعلم فنَّ الخسارةِ ببطء،

كما يتعلم الطفلُ الكلام.

كلُّ وداعٍ صار أقلَّ وجعًا،

لأن القلبَ يعرف طريق العودة إلى الهدوء.

٦

يا نفسي، لا تندمي على الشباب،

كان وهمًا جميلاً في دفتر الغيم.

الآن أكتب بالحبر الصافي،

عن معنى أن تبقى، لا أن تبدأ من جديد.

٧

أصدقائي القدامى، أين أنتم؟

الهواتف صامتة، والذاكرة متعبة.

لكنني أسمعكم في الريح،

تقولون: "نمشي إلى النور ولو بعد حين".

٨

في السبعين، يصير الحبّ صلاة،

والعناقُ اعترافًا لا رغبة.

أحبُّ كما لو أني أودّع العالم،

وأبتسم كمن عرف سرَّ النجاة في البساطة.

٩

أحمل جسدي كما يحمل الشاعر لغته،

بخفةٍ مرة، وبوجعٍ مراتٍ كثيرة.

كلُّ تجعيدةٍ قصيدة،

وكلُّ صمتٍ بيتٌ ناقص من ديوان العمر.

١٠

لم يبقَ لي سوى القصيدة،

تسندني كعكازٍ من الضوء.

على مشارف السبعين،

أبتسم: لقد عشتُ أكثر مما وعدني الغياب.

0 التعليقات: