في خطوة أثارت التساؤلات مجدداً حول طبيعة العلاقات بين الجزائر وروسيا، قاطعت الجزائر أسبوع الطاقة الروسي، وهو أهم حدث اقتصادي في مجال النفط والغاز تنظمه موسكو سنوياً. ويُعدّ هذا الغياب بمثابة رسالة دبلوماسية واضحة تفيد بأن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، وأن الرئاسة الجزائرية بقيادة عبد المجيد تبون لا ترغب في تطوير علاقة حقيقية أو "صداقة استراتيجية" مع روسيا، رغم التعاون العسكري القائم بين المؤسستين العسكريتين في البلدين.
منذ 15 إلى 17 أكتوبر 2025، تحتضن موسكو فعاليات "أسبوع الطاقة الروسي"، الذي يُعدّ من أبرز الفعاليات الدولية في قطاع الطاقة، إذ يجتمع فيه كبار الفاعلين في مجالي النفط والغاز من مختلف أنحاء العالم.
في نسخة عام 2024، استقبل الحدث أكثر من 5300 مندوب و28 وزيراً و260 شركة، وامتدت المعارض على مساحة تفوق ألفي متر مربع. ورغم الدعوات الرسمية التي وجهت إلى الجزائر، لم تحضر هذا العام كما لم تحضر العام الماضي على مستوى رفيع.
الجانب الروسي وجه دعوات شخصية إلى كلّ من:
-
رشيد حشيشي، المدير العام لشركة "سوناطراك"
-
محمد عرقاب، وزير الطاقة والمناجم
-
أمين مازي، مستشار الرئيس لشؤون الطاقة
لكنّ أيّاً من هؤلاء لم يُسمح له بالمشاركة في المؤتمر، رغم أن الدعوات وصلت رسمياً عبر السفارة الجزائرية في موسكو منذ يوليو 2025. ووفق المصادر، فإنّ الرئاسة الجزائرية منعت سفرهم، إذ لم يحصلوا على ترخيص رسمي من الرئيس تبون.
المنتدى شهد مشاركة وفود من 84 دولة وأكثر من 5000 مشارك من كبار المسؤولين والشركات العالمية. حتى السودان، رغم الحرب الأهلية، أرسل وزراءه، إلى جانب السعودية وتركيا وفيتنام والمجر وغيرها.
الجزائر، بالمقابل، اكتفت بتمثيل رمزي محدود على مستوى موظفين صغار من وزارة الطاقة، وهو ما عُدّ إهانة دبلوماسية غير مباشرة لموسكو.
الجزائري الوحيد الحاضر بصفة رسمية كان محمد حامِل، الأمين العام لمنتدى الدول المصدّرة للغاز (GECF)، لكنه لا يمثل الدولة الجزائرية بل منظمة دولية مقرها الدوحة. وقد شارك في ندوة جمعت وزراء الطاقة من السعودية وتركيا وبيلاروسيا.
الحدث الروسي يُعتبر منصة أساسية لتوقيع اتفاقيات واستقطاب استثمارات ضخمة، خاصة في ظل الحضور القوي للشركات الروسية والصينية الكبرى مثل "غازبروم" و**"روزنفت"** و**"لوك أويل"** و**"بتروتشاينا"**.
غير أن الجزائر، بدلاً من اغتنام هذه الفرصة لترويج مشاريعها واستقطاب مستثمرين جادين، اكتفت بإبرام صفقات مع شركات صغيرة مجهولة من السعودية أو عُمان لا تمتلك الخبرة أو القوة المالية الكافية لتطوير حقول نفط وغاز ضخمة.
يرى المراقبون أن سبب الغضب الجزائري يعود إلى موقف موسكو من الأزمة في مالي. فروسيا تواصل دعمها للسلطات العسكرية في باماكو التي تحارب الجماعات الانفصالية شمال البلاد، في حين تدعم الجزائر هذه الجماعات وتعتبرها أطرافاً "شرعية" في عملية السلام.
هذا التناقض جعل تبون يعبّر عن استيائه عبر مقاطعة روسيا ورفض إرسال أي مسؤول لحضور أسبوع الطاقة، رغم أن موسكو تُعدّ أحد أهم حلفاء الجزائر التاريخيين.
يرى محللون أن هذا التصرف يعكس غياب الرؤية الدبلوماسية لدى النظام الجزائري، الذي بات يتعامل مع القضايا الدولية بردود فعل انفعالية. فبعدما كانت الجزائر شريكاً ثابتاً لروسيا، باتت اليوم تتقلب بين مواقف موالية أحياناً للغرب وأحياناً لموسكو أو بكين، دون استراتيجية واضحة.
ويضيف هؤلاء أن تبون يسعى لأن يظهر بمظهر "القائد الإقليمي"، لكنه يفتقد للنفوذ الاقتصادي والدبلوماسي اللازم لذلك، في وقت تتدهور فيه علاقاته مع معظم جيرانه: المغرب، مالي، النيجر، ليبيا، والإمارات، بينما تبقى تونس هي الجار الوحيد الذي يتعامل معه بحذر، رغم أزمتها الاقتصادية الخانقة.
بهذا السلوك، يجد النظام الجزائري نفسه محاطاً بسلسلة من الخصومات: مع المغرب بسبب الصحراء، مع دول الساحل بسبب الموقف من الانقلابات، ومع روسيا بسبب مالي. وبدلاً من بناء تحالفات مع القوى الكبرى، يكتفي تبون بعلاقات رمزية مع دول ضعيفة أو هشة سياسياً واقتصادياً.
ويختم أحد المحللين قائلاً:
"الجزائر كانت دولة براغماتية تمتلك توازناً في علاقاتها مع القوى الكبرى. اليوم، لم تعد كذلك. تبون خسر ثقة الجميع، وبدلاً من حماية المصالح الوطنية، أصبح يسير البلاد نحو عزلة متزايدة على الساحة الدولية."
0 التعليقات:
إرسال تعليق