الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الثلاثاء، أكتوبر 28، 2025

الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الطريق الواقعي لإنهاء نزاع الصحراء الغربية: عبده حقي


منذ ما يزيد على نصف قرن، ما زال ملف الصحراء الغربية واحدًا من أطول النزاعات الإقليمية في شمال إفريقيا وأكثرها تعقيدًا. وبينما ظلّت المنطقة أسيرة التوترات والتجاذبات السياسية، تقدَّم المغرب بخطة متكاملة للحكم الذاتي تحت سيادته، ليحوّل النقاش من معركة السيادة إلى مشروع للتعايش والتنمية. هذه المبادرة، التي قدّمها المغرب قبل نحو عقدين، لم تعد مجرّد اقتراح، بل تحوّلت اليوم إلى رؤية متكاملة تدعمها غالبية الدول الكبرى، باعتبارها الحل الواقعي والنهائي لإنهاء النزاع وبناء مستقبل آمن ومستقر في المنطقة.

المبادرة المغربية للحكم الذاتي تقوم على مبدأ بسيط وواضح: تمكين سكان الأقاليم الجنوبية من إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم، عبر مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية منتخبة، مع احتفاظ الدولة المغربية باختصاصات السيادة الأساسية مثل الدفاع والعلاقات الخارجية والعملة. إنها صيغة توازن بين حق السكان في تقرير مصيرهم المحلي وبين وحدة الدولة وضمان استقرارها.

ولعل أهم ما يميز هذه المبادرة هو واقعيتها. فهي لا تبيع الأوهام، ولا تراهن على شعارات عاطفية، بل تقدم تصورًا عمليًا قابلًا للتنفيذ. إنها تضع حدًّا لمنطق الصراع وتفتح أفقًا جديدًا للتنمية، في منطقة طال انتظارها للخروج من مطبات النزاعات القديمة.

لقد تزايدت خلال السنوات الأخيرة المواقف الدولية الداعمة للمخطط المغربي، بعدما أدركت العديد من الدول الكبرى أن استمرار الوضع الراهن يهدد الأمن الإقليمي في شمال وغرب إفريقيا. فقد بدأت العواصم الأوروبية تنظر إلى المبادرة المغربية باعتبارها الحل الوحيد الجاد والواقعي، وعبّرت بلدان إفريقية وأمريكية وآسيوية عن تأييدها الصريح للمقترح المغربي، فيما أكدت قوى دولية كبرى أن اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية أصبح أمرًا لا رجعة فيه.

إن هذا التحول الدبلوماسي يعكس إدراكًا عميقًا بأن الاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا عبر حل سياسي واقعي بعيد عن الأيديولوجيا والانقسامات. فالمغرب لم يطرح مبادرته بحثًا عن انتصار دبلوماسي مؤقت، بل عن رؤية طويلة الأمد تضمن كرامة السكان ووحدة الأرض وتفتح الباب أمام التنمية والتكامل الإفريقي.

لقد أثبتت التجربة أن النزاع السياسي وحده لا يمكن أن يؤمّن مستقبل الشعوب. التنمية هي الردّ الحقيقي على دعاوى الانفصال واليأس. ولهذا، أطلق المغرب خلال السنوات الأخيرة مشاريع ضخمة في الأقاليم الجنوبية، شملت البنى التحتية، والموانئ، والطرق السريعة، والطاقة المتجددة، والمراكز الجامعية، والمستشفيات، والمناطق الصناعية.

لقد تحوّلت مدن مثل العيون والداخلة إلى مراكز اقتصادية صاعدة تستقطب الاستثمارات الإفريقية والدولية، في إطار نموذج تنموي يربط الجنوب بالشمال، ويجعل من الصحراء المغربية جسرًا للتعاون جنوب-جنوب، خصوصًا مع الدول الإفريقية الشقيقة. وهذا التوجه الاقتصادي يعكس جوهر المبادرة المغربية: أن التنمية المستدامة هي الركيزة الأساسية لترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.

ما يميز مقترح الحكم الذاتي المغربي أنه لا يقوم على الإملاء أو الإقصاء، بل على الشراكة والاعتراف المتبادل. فهو يمنح الصحراويين حقهم في تدبير شؤونهم المحلية بحرية، ويؤسس في الوقت ذاته لوحدة الدولة واحترام مؤسساتها الدستورية. إنه خيار ينسجم مع تطور الفكر السياسي المعاصر، حيث تتقدّم مفاهيم اللامركزية والجهوية الموسّعة كآليات لتدبير التعدد وضمان الاستقرار.

في المقابل، أثبتت الأطروحات الانفصالية فشلها الذريع بعد نصف قرن من الخطاب العدائي، إذ لم تنتج سوى المزيد من المعاناة الإنسانية في مخيمات تندوف، حيث يُحتجز آلاف الصحراويين في ظروف مأساوية، محرومين من حقهم في التعبير الحر والعيش الكريم. إن نهاية هذه المأساة تمرّ عبر قبول حلّ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الطريق الوحيد القادر على إعادة الكرامة إلى هؤلاء الضحايا.

المغرب لا يقدّم مبادرته في فراغ سياسي، بل ضمن رؤية أوسع لمستقبل القارة الإفريقية. فهو يطرح نموذجًا جديدًا للتكامل الإقليمي يقوم على التعاون جنوب–جنوب، كما تجلّى في إعلان العيون الذي ربط محور الرباط–داكار بوصفه نموذجًا للتعاون الإفريقي المستدام. إن تحويل الصحراء المغربية إلى فضاء مفتوح للتبادل الاقتصادي والثقافي بين إفريقيا وأوروبا، يعبّر عن رؤية استراتيجية عميقة تجعل من التنمية بديلاً للنزاعات ومن التكامل بديلاً للانقسام.

لقد آن الأوان لإغلاق ملف الصحراء المغربية بصفة نهائية وعادلة. فالمبادرة المغربية للحكم الذاتي ليست تنازلاً، بل تجسيدا لحكمة سياسية تُوازن بين الواقعية والسيادة. إنها مشروع وطني جامع يهدف إلى تحويل النزاع إلى فرصة، والعزلة إلى انفتاح، والتوتر إلى استقرار.

إن المغرب اليوم لا يدافع عن مجرد حدود، بل عن رؤية للتعايش والتنمية في منطقة تعبت من الحرب الباردة والنزاعات المصطنعة المزمنة . ومن خلال هذا المخطط، يثبت أنه يملك الإرادة، والرؤية، والقدرة على قيادة تحول إقليمي حقيقي نحو السلام والاستقرار.

 

وهكذا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لم يعد خيارًا تفاوضيًا، بل أصبح مشروعًا وطنيًا ودوليًا متكاملاً، يعبر عن روح العصر، ويجسد طموح المغاربة في بناء وطن موحد قوي، من طنجة إلى الكويرة.

توقيع:

عبده حقي

 

0 التعليقات: