يشهد العالم في هذه الفترة حراكاً موسيقياً لافتاً يتوزع بين المغرب والعالم العربي والقارة الإفريقية، وصولاً إلى الساحات الموسيقية الكبرى في إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة. ما يجمع هذه المناطق، على اختلاف سياقاتها الثقافية، هو أنّ الموسيقى تحولت إلى لغة عالمية تتجاوز الحدود وتعيد تشكيل هويات الشعوب وصناعاتها الإبداعية.
أولاً: المغرب – موسيقى تتجاوز الحدود
يواصل المغرب رسم موقعه كواحد من أهم الفضاءات الموسيقية في القارة الإفريقية والعالم العربي، بفضل المهرجانات والملتقيات التي تجمع فنانين وإنتاجات من العالم كله.
-
حدث Visa For Music 2025 في الرباط جاء هذه السنة بحضور مهني كثيف، حيث ناقش المشاركون مستقبل حقوق الموسيقى، طرق التوزيع الحديثة، وتطوير العلاقات بين الفنانين والمنتجين عبر القارات. الحدث رسّخ مكانة الرباط كعاصمة موسيقية إفريقية-عربية.
-
في الصويرة، واصل مهرجان MOGA Essaouira المزج بين الموسيقى الإلكترونية وإيقاعات كناوة، مقدّماً تجارب عالمية ذات جذور محلية.
-
أما الدار البيضاء، فشهدت زخماً شبابياً مع مهرجان L’Boulevard الذي يُعتبر منصة كبرى للموسيقى الحضرية: الراب، الروك، الفيوجن، وغيرها من الأنواع التي تعبّر عن نبض الجيل الجديد.
-
على المستوى المؤسسي، فتحت وزارة الثقافة باب دعم الفنون لسنة 2025، ما يدل على رغبة في تطوير البنية المهنية للصناعة الموسيقية المغربية.
هذه التحركات جعلت المغرب ينتقل تدريجياً من «مستهلك للموسيقى» إلى «مُنتج ومُصدّر»، خاصة مع تزايد التعاونات بين فنانين مغاربة وإفريقيين وأوروبيين، وارتفاع حضور الموسيقى المغربية على منصات البث العالمية.
ثانياً: العالم العربي – موجة أصوات جديدة وتنوّع كبير
على امتداد العواصم العربية، يتّم تسجيل صعود موسيقي متنوّع يستقطب اهتمام المنابر الفنية الإقليمية والعالمية.
-
صدرت قوائم عديدة لأفضل الأغاني العربية لسنة 2025، وقد شملت ألواناً موسيقية مختلفة: بوب عربي، روك، ترانس، راب، وأغاني فلكلورية معاصرة.
-
برزت أسماء عربية جديدة ضمن تصنيف «الموسيقيون الذين يصوغون صوت 2025»، وهي أسماء تستثمر في التكنولوجيا والموسيقى الرقمية، وتدمج بين الإيقاعات الغربية والتراث المحلي.
-
التحول الأكثر دلالة هو عودة حضور المرأة بقوة في الصناعة الموسيقية العربية: مغنيات، ملحنات، منتجات، وفرق نسائية تحقق شهرة واسعة، بما في ذلك فرق خليجية تتبنّى الروك والأنماط البديلة.
تدفع هذه التحولات إلى طرح أسئلة حول قدرة الفنان العربي على الوصول إلى الجمهور العالمي، وكيفية تطوير آليات الإنتاج والدعم بما يواكب طموحات الجيل الجديد.
ثالثاً: إفريقيا – القارة التي تصدّر الإيقاع إلى العالم
لم تعد إفريقيا مجرّد مصدر للإلهام الموسيقي، بل أصبحت مركزاً عالمياً يُنتج أنماطه الخاصة بكفاءة وثقة.
-
أبرزت منصات موسيقية متخصصة قوائم أسبوعية لأفضل الأغاني الإفريقية، تجمع أسماء من نيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا وغانا وكوت ديفوار وغيرها.
-
أنماط موسيقية مثل Amapiano وAfrobeats أصبحت اليوم في صدارة الموسيقى العالمية، وتُستمع في أوروبا وأمريكا وآسيا بانتظام.
-
إضافة إلى الفنانين، هناك شبكة من المنتجات والصحفيات ومديرات المهرجانات اللاتي يلعبن دوراً محورياً في الارتقاء بالصوت الإفريقي إلى العالمية.
-
كما تُنظم ملتقيات مهنية مثل معرض SIMA 2025 الذي يستقطب شركات الإنتاج والتوزيع من القارة وخارجها.
هذا الصعود المتسارع يطرح بدوره سؤالاً: هل ستتمكن الموسيقى الإفريقية من الحفاظ على أصالتها في ظل دخولها القوي إلى الأسواق العالمية، أم أن السوق سيجبرها على تغيير هويتها؟
رابعاً: إنجلترا وفرنسا وأمريكا – اقتصاد موسيقي ضخم وتحديات رقمية
تظل هذه الدول هي القلب النابض للصناعة الموسيقية العالمية، من حيث التكنولوجيا، الاستثمارات، والتأثير.
-
في بريطانيا، سجلت الصناعة الموسيقية إضافة قياسية إلى الاقتصاد الوطني سنة 2024، بالرغم من مخاوف ترتبط بتداعيات «بريكست» والذكاء الاصطناعي.
-
في فرنسا، تشير التقارير الحديثة إلى تطوّر كبير في مبيعات الموسيقى المسجلة، وتنامي دور شركات التوزيع الرقمية.
-
أما في الولايات المتحدة، فما تزال السوق الأكبر في العالم، خاصة في البث الموسيقي، مع توقعات بزيادة قد تصل إلى 184 مليار دولار في السنوات المقبلة.
-
في المقابل، أعلنت MTV إغلاق عدد من قنواتها الموسيقية في أوروبا، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل التلفزيون الموسيقي التقليدي في ظل سيطرة المنصات الرقمية.
هذه التطورات تُظهر أن الموسيقى في الغرب أصبحت سلعة رقمية متطورة، لكنها تواجه أيضاً تغييرات عميقة بفعل الذكاء الاصطناعي وتحوّل الجمهور نحو الاستهلاك الفوري والسريع.
خلاصة عامة
من المغرب إلى العالم العربي، مروراً بإفريقيا ووصولاً إلى أوروبا وأمريكا، يتضح أن الموسيقى اليوم ليست مجرد فن، بل هي صناعة وهوية واقتصاد وعابر ثقافي.
تحولات اليوم تُشكّل أرضية غنية للباحثين والكتّاب والصحفيين، خاصة لأولئك المهتمين بتقاطعات الإبداع مع التكنولوجيا والتحولات الاجتماعية.
ويمكن القول إن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو:
كيف يمكن لهذه الأصوات المختلفة أن تتفاعل في عالم واحد دون أن تفقد خصوصيتها وهويتها؟







0 التعليقات:
إرسال تعليق