في عصرِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، يَبْدُو وَعْدُ مُحَاوِرٍ رَقْمِيٍّ مُتَاحٍ عَلَى الدَّوَامِ، صَبُورٍ وَمُتَفَهِّمٍ، كَأُسْطُورَةٍ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ. تُسَوِّقُ الشَّرِكَاتُ هَذِهِ "الآلَاتِ الْمُتَعَاطِفَةَ" عَلَى أَنَّهَا أَصْدِقَاءٌ وَمُدَرِّبُونَ نَفْسِيُّونَ، بَلْ أَحْيَانًا "مُعَالِجُونَ نَفْسِيُّونَ"، تُقَدِّمُ الدَّعْمَ لِكُلِّ مَنْ يَشْعُرُ بِالْوَحْدَةِ أَوِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الإِصْغَاءِ. وَلَكِنْ تَحْتَ هَذَا الْبَرِيقِ الْخَادِعِ لِلتِّقْنِيَةِ يَخْتَبِئُ هُوَّةٌ أَخْلاقِيَّةٌ وَعَاطِفِيَّةٌ سَحِيقَةٌ. فَالدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ مِنْ جَامِعَتَيِ اسْتَانْفُورْدْ وَبْرَاوْنْ وَغَيْرِهِمَا تُحَذِّرُ مِنْ أَنَّ مَا يُقَدِّمُهُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ لَيْسَ فَهْمًا وَلَا تَعَاطُفًا، بَلْ مَحْضُ مُحَاكَاةٍ لِلِفِعْلِ الْبَشَرِيِّ دُونَ جَوْهَرِهِ.
فِي الْمَبْدَإِ، تَبْدُو الْفِكْرَةُ ثَوْرِيَّةً: مُحَاوِرٌ رَقْمِيٌّ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِمَاعِ لِمَعَانَاةِ الإِنْسَانِ وَالِاسْتِجَابَةِ لَهَا فِي اللَّحْظَةِ، دُونَ كَلَفَةٍ أَوْ حَرَجٍ أَوْ إِرْهَاقٍ. وَلَكِنَّ الْبُحُوثَ تُظْهِرُ حَقِيقَةً مُفْزِعَةً: هَذِهِ الْأَنْظِمَةُ، مَهْمَا بَلَغَ تَقَدُّمُهَا، لَا "تَفْهَمُ" الْأَلَمَ، بَلْ تُحَاكِيهِ. إِنَّهَا تُقَلِّدُ التَّعَاطُفَ بِلُغَةٍ نَاعِمَةٍ، لَكِنَّهَا لَا تَشْعُرُ بِهِ. فَقَدْ أَظْهَرَتْ دِرَاسَةٌ مِنْ جَامِعَةِ اسْتَانْفُورْدْ أَنَّ هَذِهِ الْبَرَامِجَ تَفْشَلُ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى الْإِشَارَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِانْتِحَارِ أَوِ الذُّهَانِ، وَأَنَّ طَلَاقَتَهَا اللُّغَوِيَّةَ تُخْفِي عَجْزَهَا عَنِ الْمَعْنَى. تَتَدَفَّقُ كَلِمَاتُهَا كَالرِّقَّةِ، وَلَكِنَّهَا تَفْقِدُ الرُّوحَ.
الْخَطَرُ هُنَا لَيْسَ تِقْنِيًّا فَقَطْ، بَلْ وُجُودِيٌّ وَعَاطِفِيٌّ. فَالْمُسْتَخْدِمُ الَّذِي يَلْجَأُ إِلَى الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ لِلتَّخْفِيفِ مِنْ وَحْدَتِهِ قَدْ يَجِدُ فِيهِ رَاحَةً آنِيَّةً، وَلَكِنَّهُ يُفْقِدُ تَدْرِيجِيًّا قُدْرَتَهُ عَلَى التَّوَاصُلِ الإِنْسَانِيِّ الْحَقِيقِيِّ. دِرَاسَةٌ عَامَةُ 2025 أَظْهَرَتْ أَنَّ مَنْ يَقْضُونَ وَقْتًا طَوِيلًا فِي مُحَاوَرَةِ "أَصْدِقَاءِ رَقْمِيِّينَ" يَعَانُونَ انْخِفَاضًا فِي مُسْتَوَى الرِّضَا وَالصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ. إِنَّهَا تِقْنِيَةٌ تَعِدُ بِالْقُرْبِ، وَلَكِنَّهَا تَزِيدُ الْمَسَافَةَ بَيْنَ الْأَرْوَاحِ.
وَعَلَى الصَّعِيدِ الأَخْلَاقِيِّ، تَبْدُو الصُّورَةُ أَكْثَرَ قَتَامَةً. فَفِقْهًا لِدِرَاسَةٍ أَجْرَتْهَا جَامِعَةُ بْرَاوْنْ، فَإِنَّ الْغَالِبِيَّةَ الْعُظْمَى مِنَ الْمُسَاعِدِينَ الرَّقْمِيِّينَ يَخْرِقُونَ أَسَاسَاتِ الْمِهْنَةِ الْعِلَاجِيَّةِ: سِرِّيَّةُ الْمَعْلُومَاتِ، وَاحْتِرَامُ الْحُدُودِ، وَالْكِفَايَةُ الْمِهْنِيَّةُ. فَهُمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الدَّعْمِ وَالْعِلَاجِ، وَلَا يُصَرِّحُونَ بِحَدُودِ قُدْرَاتِهِمْ، وَيُقَدِّمُونَ مَشَاعِرَ "تَعَاطُفٍ" دُونَ أَيِّ مَسْؤُولِيَّةٍ. وَهَكَذَا تَتَجَسَّدُ شَخْصِيَّةُ الْمُعَالِجِ الرَّقْمِيِّ كَظِلٍّ وَهْمِيٍّ: حَاضِرٌ بِاللِّفْظِ، غَائِبٌ بِالْمَعْنَى.
وَقَدْ بَدَأَتِ الْحُكُومَاتُ وَالْهَيْئَاتُ الصِّحِّيَّةُ تَدُقُّ نَاقُوسَ الْخَطَرِ. فَفِي بَرِيطَانِيَا، حَذَّرَتْ مَصَادِرُ مِنْ "هَيْئَةِ الصِّحَّةِ الْوَطَنِيَّةِ" الْمُواطِنِينَ مِنِ الِاسْتِعَاضَةِ عَنِ الْمُعَالِجِينَ الْبَشَرِ بِبَرَامِجَ دَكِيَّةٍ، بَعْدَ حَوَادِثَ فَشِلَتْ فِيهَا تِلْكَ الأَنْظِمَةُ فِي الِاسْتِجَابَةِ لِحَالَاتِ انْتِحَارٍ. وَأَشَارَتْ صَحِيفَةُ "الْغَارْدِيَانْ" إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ مِلْيُونِ مُحَادَثَةٍ أُسْبُوعِيًّا تَتَضَمَّنُ مَشَاعِرَ انْتِحَارٍ. وَرَغْمَ الْإِجْرَاءَاتِ الِاحْتِرَازِيَّةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي اتَّخَذَتْهَا بَعْضُ الْمَنَصَّاتِ، كَحَظْرِ الْقُصَّرِ أَوْ وَضْعِ تَحْذِيرَاتٍ، فَإِنَّ الْمُشْكِلَةَ أَعْمَقُ: إِنَّهَا أَزْمَةُ ضَمِيرٍ وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ خَلَلٍ فِي الْبَرْمَجَةِ.
وَفِي الْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ وَالْإِفْرِيقِيِّ، تَتَّسِعُ الْهُوَّةُ أَكْثَرَ. فَأَنْظِمَةُ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ مُدَرَّبَةٌ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى بَيَانَاتٍ غَرْبِيَّةٍ، وَلَا تُحْسِنُ فَهْمَ التَّعْبِيرَاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ الْمَحَلِّيَّةِ. فَكَيْفَ سَيُفَسِّرُ الذَّكَاءُ الِاصْطِنَاعِيُّ شِعْرِيَّةَ الشَّكْوَى فِي لُغَةٍ مِثْلَ الدَّارِجَةِ الْمَغْرِبِيَّةِ؟ وَكَيْفَ سَيَمِيزُ بَيْنَ مَجَازٍ وَنِدَاءِ اسْتِغَاثَةٍ؟ إِنَّ الْخَطَرَ هُنَا يُصْبِحُ مُضَاعَفًا، خُصُوصًا فِي مُجْتَمَعَاتٍ تَحْفَظُ صُمُوتًا تَارِيخِيًّا تُجَاهَ الْمَشَاكِلِ النَّفْسِيَّةِ.
لِذَا فَالتَّسَاؤُلُ الَّذِي يَفْرِضُ نَفْسَهُ لَيْسَ تِقْنِيًّا بَلْ أَخْلاقِيًّا وَفَلْسَفِيًّا: مَاذَا يَعْنِي أَنْ نَطْلُبَ التَّعْزِيَةَ مِنْ آلَةٍ لَا تَشْعُرُ بِالْأَلَمِ وَلَا الْحَنَانِ؟ هَلْ يُمْكِنُ بَرْمَجَةُ التَّعَاطُفِ؟ أَمْ أَنَّهُ يَتَطَلَّبُ ذَلِكَ الشُّعُورَ الْإِنْسَانِيَّ الْقَابِلَ لِلْخَطَأِ وَالضَّعْفِ؟ هُنَا تَكْمُنُ الْمَسْؤُولِيَّةُ الْكُبْرَى لِكُلِّ كَاتِبٍ أَوْ طَبِيبٍ أَوْ صَانِعِ قَرَارٍ: أَنْ نُحَافِظَ عَلَى لُغَةِ الْعِنَايَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَأَلَّا نَتْرُكَهَا تَذُوبُ فِي بَرَادَةِ الأَلْغُورِيثْمِ.
وَبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ أَدْوَارًا مُفِيدَةً مَحْدُودَةً: يُمْكِنُهُ رَصْدُ أَنْمَاطِ السُّلُوكِ، أَوِ الْمُسَاعَدَةُ فِي تَوْجِيهِ الْمُسْتَخْدِمِينَ إِلَى مَوَارِدَ دَعْمٍ حَقِيقِيَّةٍ، بَشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَحْتَ إِشْرَافٍ بَشَرِيٍّ مُتَخَصِّصٍ. يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَاعِدَ، وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْفِي. فَإِذَا نَسِينَا هَذَا الْفَرْقَ، سَنَقَعُ فِي وَهْمِ سَرَابٍ يَعِدُنَا بِالْمَاءِ وَيُقَدِّمُ لَنَا الْهَوَاءَ.
فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ، يَفْرِضُ صُعُودُ الْمُعَالِجِينَ الرَّقْمِيِّينَ عَلَيْنَا سُؤَالًا أَعْمَقَ: لَيْسَ كَمْ أَصْبَحَتْ آلَاتُنَا ذَكِيَّةً، بَلْ كَمْ أَصْبَحْنَا نَحْنُ ضُعَفَاءَ أَمَامَهَا. فَالْمِعْيَارُ الْحَقِيقِيُّ لِلتَّقَدُّمِ لَا يُقَاسُ بِقُدْرَةِ الآلَةِ عَلَى مُحَاكَاةِ التَّعَاطُفِ، بَلْ بِقُدْرَتِنَا نَحْنُ عَلَى الِاحْتِفَاظِ بِالْمَسَاحَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا يَسْكُنُهَا سِوَى الْقَلْبِ.







0 التعليقات:
إرسال تعليق