الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الاثنين، نوفمبر 24، 2025

«إلى أين يقودنا الإيمان… حين يصبح الهدف نفسه مجرّد سؤال؟» عبده حقي

 


لستُ أدري في أي لحظة بالتحديد تحوَّل فيها الإيمان، ذاك الخيط الخفي الذي يربط المرء بما يظنُّه أكبر منه، إلى غاية قائمة بذاتها. وربما… نعم ربما… لم يكن الإيمان يومًا «طريقًا» مثلما نحبّ أن نصفه، بل كان دائمًا بحثًا متعثّرًا نعود فيه خطوة إلى الوراء كلما حسبنا أننا تقدّمنا خطوة إلى الأمام.

أكتب هذه الجملة الآن، وأمحو في ذهني عشرات الجمل التي أردت كتابتها قبلها. فالحديث عن «الإيمان» ليس سهلاً، ليس بسيطًا، ولا هو من تلك المواضيع التي يستطيع المرء تسطيرها في فقرة متماسكة. الإيمان أصلًا لا يحبّ التماسك؛ هو يتغذّى من هذا الاضطراب الدافئ، من تلك الحيرة التي تجعل المرء يرفع رأسه في منتصف الليل ويسأل نفسه: هل ما زلت أؤمن؟ أم أنني فقط أخشى التوقف عن الإيمان؟

الناس — وأنا واحد منهم — يخلطون كثيرًا بين الإيمان بوصفه حاجة داخلية، وبين الإيمان بوصفه هدفًا. حين يصبح الإيمان «هدفًا»، يتحوّل إلى شيء يُقاس: قُربًا، بُعدًا، ضعفًا، قوةً… بينما هو في حقيقته شيء لا يقبل الميزان. هو أشبه بنبضةٍ لا يسمعها أحد سواك، وبنورٍ لا يعرف أحد مصدره حتى أنت.

وقد لاحظتُ — وأكتب هذا بقدر من الحياء — أنّ معظم الناس يطاردون الإيمان وكأنه جائزتهم الأخيرة. يبحثون عنه تحت الكلمات، في السلوك، في الوعود، في الطقوس. بينما الإيمان الحقيقي… إن كان ثمة شيء يمكن وصفه بالحقيقي… يتسلل في اللحظة التي تنسى فيها أنك تبحث عنه.

أحيانًا أشعر أن الإيمان ليس «ما نصدّقه»، بل ما لا نحتمل فقدانه. كل ما نخشى سقوطه من بين أصابعنا، كل ما نرجو أن يبقى معنا رغم أننا لا نملك حجّة واحدة لإثبات وجوده. وربما لهذا السبب يعيش الناس صراعًا دائمًا: لأن الإيمان يتغيّر، يلين، ينكمش، يكبر فجأة. ومن السذاجة أن نظن أنه ثابت.

أكتب الآن ببطء، خشية أن أُفسد هذه الفكرة:
الإيمان ليس هو الهدف. الهدف هو ألّا نتوقف عن التساؤل.
فالذي يسأل يظلّ حيًّا من الداخل. والذي يظن أنه وصل… يبدأ في الانطفاء من حيث لا يدري.

وفي نهاية المطاف — بعد كل هذا الركض — نكتشف أن الإيمان لم يكن محطة، ولم يكن جائزة، بل كان رفيق الطريق الذي يساعدنا على تحمل الظلام، لا أكثر. أما الطريق نفسه… فهو نحن.

0 التعليقات: