الإعلانات والإديولوجيا أية علاقـة ؟ إعداد : عبده حقي
لايمكننا أن نختزل الإعلانات التجارية في مجرد ظاهرة إعلامية شائعة أفرزها الإقتصاد الليبرالي بل إنها من بين الوسائل الأساسية والتي من دونها ما كان للإقتصاد بشكل عام أن يحقق حركيته ونشاطه وتطوره ، وعلينا ألا نعتقد أن ظاهرة العنف هي سمة من سمات الخطاب الإعلاني بل إن الإعلانات هي في حد ذاتها عنف رمزي بامتياز.
وليس الخطاب الإعلاني خطابا جادا ومعقولا كما نتصور،إنه خطاب مجاني قد نتلقاه بالمجان ومن دون مقابل على ما يبدووبالتالي قد تصيرالإعلانات أحيانا غيرجديرة باهتماماتنا ، ومن دون إعلانات سيصبح المجال الإعلامي بشكل عام في وضعية مالية حرجة ، إذ أن الإعلانات حيثما وجدت تمثل ربحا إقتصاديا ولولاها لكان للجرائد والتذاكرعموما سعرا أعلى مما هوعليه اليوم ومن الصعب علينا إدراك كل الآثارالإيجابية للإعلانات على النشاط الإقتصادي حيث أن جل أخصائيي ومهندسي الإعلانات لايملكون بدورهم الجواب الشافي عن هذه الآثار ونتائجها
فليس من المؤكد أن كل حملة إعلانية بعروضها التفضيلية تؤدي حتما إلى الرفع من قيمة المبيعات فالكثيرمن المنتوجات تحقق رواجا وأرباحا طائلة من دون إعتمادها على عامل الإعلانات إن موقفنا الإعتراضي على بعض الإعلانات يتعلق بخاصية الخطاب الإعلاني فيها ، إنه خطاب ذولعبة خاصة وماكرة، فهل نحن بحاجة للتأكيد أن كل خطاب إعلاني هوخطاب سخرية مجانية ، إن أهمية الإعلانات تكمن بعد تأثيرها الآني ، فهي غالبا ما تصطدم بالحالة النفسية والسيكولوجية للمتلقي أكان مشاهدا أم مستمعا أم قارءا ، المتلقي الذي ليس هناك مايرغمه على إقتناء منتوج ما لأن
وصلة إعلانية قد تكون حفزته على ذلك السلوك ، إن الإعلان لايفرض علينا أوامره والوصلة الإعلانية ليست بحبة منوم هدفها الأساسي تخذيرنا والتأثيرعلينا كما أنه ليس برغبة تصعب مقاومتها وتدفع إذن علينا أن نميز بين خطاب إعلاني وخطاب دعائي . بالمستهلك بالإرغام إلى التبضع إن الخطاب الإعلاني لايملك أية قوة إلحاحية تفرض أفكارها على الوعي الجماعي حيث إن الإعلانات التجارية توجه خطابها أساسا إلى مجتمع إستهلاكي يجد فيها رغبته وفي المقابل إن أخصائيي الإعلانات ليسوا بالضرورة أشخاصا مؤمنين كما نعتقد بالإديولوجيا الإقتصادية السائدة التي يروجون لها
من خلال صناعة الإعلانات ،إذن مالداعي لحضورالإعلانات في ظل هذا الواقع ؟ أين توجد مصلحتها ؟ أليست الإعلانات مجرد ظاهرة سوسيوإقتصادية من بين ظواهرأخرى لاتختلف عنها في المرامي والأهداف أعتقد أنه لايمكننا أن نفكرجديا في إشكالية الإعلانات إذا ما نحن غضضنا الطرف عن المعيقات السابقة فمن دون العودة إلى هذه الأسئلة الملحة فإن موقفنا الإعتراضي على خاصيات الخطاب الإعلاني الراهن
سيكون موقفا واهيا وهذا ما لن يعود على موضوعنا بأية فائدة تذكر ، إن موضوع الإعلانات يتجدد كلما أثيرحوله النقاش الذي يمده بالإستمرارية والشرعية والرسوخ ، إننا نمنح هذه الشرعية للإعلانات باعتبارها ظاهرة إجتماعية من بين المئات من الظواهرالأخرى وليس باعتبارها قوة تمت تركيزها في البنية السوسيوثقافية كما جاء في مقدمة هذا العرض إن أول إعتراض لنا على ظاهرة الإعلانات يقوم على التصورالشخصي للحرية الفردية فلسنا في حاجة إلى. تأكيد أن هناك فئات واسعة من المتلقين والمشاهدين من لايكترثون بالوصلات الإعلانية ، كما أنه من جانب آخر لايمكننا التطرق لهذا الموضوع بمعزل عن المجتمع الذي أفرزه ، أخيرا إن الإعلانات تراهن قبل كل. شيء على ترسيخ رمزية المنتوج في ذهن
المتلقي المشاهد فالوصلات الإعلانية الترفيهية أدوات تعمل بالأساس على نقش الخطاب الإعلاني في ذاكرة المتلقي إن طوعا أوكرها ثم أليست هناك طرقا أخرى لمنتوج إستهلاكي كي يحقق رواجه إلا عن
طريق الإعلانات ؟ أما من وجهة نظرتجارية كيف سيساعدنا إعلان تلفزي أوإذاعي أوغيرهما على إقتناء منتوج ما بنفس المواصفات ومعاييرالجودة التي تم بها الإعلان عنه ؟ إذن هل حقا تؤثر فينا هذه الإعلانات
؟ أعتقد أنه ليس لدينا مايؤكد ذلك قد تساعدنا الإعلانات التجارية أحيانا على تجاوزعائق الحيرة التي تنتابنا ونحن في مواجهة منتوج ما بمعنى ونحن أما كامل حريتنا الشخصية في إقتنائه أورفضه ... قد يعتبرالإعلان أحيانا منقذا من هذه الحيرة حينما يهيج رغبتنا المتعلقة بنمط إستهلاكنا
تجد ظاهرة الإعلانات مبرروجودها في إحتدام التنافسية التجارية وفي وفرة المنتوجات وفي وضع مثل هذا فالأمر يتعلق بواقع الإنتاج وليس بالبيع ، والرهان كل الرهان يتعلق بقوة الإقناع بمعنى أن حظوظ رواج منتوج ما مرهونة بالصورة التي يقدمه الإعلان بها ؤليس بمقدورنا إطلاقا أن نجعل من إستهلاك منتوج ما عادة يومية من ضمن العادات المألوفة لدى . المستهلك ولنتذكرمرة أخرى حيرة المستهلك وهو في رحاب السوبرماركت ، فهل سيستنفذ كل وقته هنا وهناك لتفتيش كل المنتوجات ، والمنتوجات المتشابهة على الخصوص ؟ وهل لديه الوقت الكافي لافتحاص مكوناتها ؟ إن ظاهرة الإعلانات ترتبط بحتمية البيع وجودها رهين بالتحكم في إختيارات المستهلك ويمكن أن نقول أنه من دون إلاعلانات لن يكون هناك رواج إقتصادي يذكر، حيث أن سرعة تسويق منتوج ما تتطلب قبل كل شيء معرفة واسعة بتركببته
ومميزاته عن المنتوجات المشابهة لقد أوضح الفيلسوف ماركس أن المنتوج أي منتوج ليس إلا وسيلة وأنه مجرد قيمة تبادل للرأسمال من. أجل العمل على تحقيق قيمته المضافة ولايمكن تحقيق هذه القيمة إلابتوفيرالشروط الأساسية للبيع ومن بين هذه الشروط عامل الإعلانات إن نجاح تسويق منتوج من المنتوجات لايتعلق بقيمته المعنوية والمادية فحسب وإنما أيضا لقدرته التمويلية على تصدرقائمة الإعلانات ، بمعنى آخرأن ظاهرة الإعلانات ترتبط أساسا بارتفاع الرأسمال المستثمرفي الإقتصاد بشكل عام وحركية الإنتاج بشكل خاص فهل في ظل هذا الواقع نحن أحرارأمام المد الإعلاني المتدفق كل يوم عبروسائط الإتصال يرتبط عامل الإعلانات بطريقة إنتاج من نوع خاص ، إنها طريق الإنتاج الرأسمالي في مرحلة التكثيف ، إنناإذا ما اعتقدنا أنه بإمكاننا الإستغناء عن الوصلات الإعلانية التجارية فإنه من جانب آخرعلينا أن نتذكردائما أنه ليس هناك من وصلة إعلانية من دون قاعدة رأسمالية هامة والإعلانات التجارية هي
بشكل عام عنصرمن عناصر تنشئة مجتمع يتعايش فيه الأفراد بالطبع قبل التطبع ، إن تكلفة إعلانات ما يتم إستخلاصها عن طريق بيع المنتوجات وبالتالي فهي ليست مجانية بحيث أن. المستهلك هو من يؤدي فاتوراتها وأن الإعلانات المجانية هي إعلانات بريئة ولاتهدف إلى عائدات مالية ، بل بالعكس إذ ما أوفره كقارئ من سعرجريدة أو مجلة بثمن بخس ، قد أؤديه بطريقة غيرمباشرة عن طريق إعلان منتوج إستهلاكي آخرمعروض على صفحة من صفحات نفس الجريدة وبفرض سعرعلى منتوج ما باعتماد صفحة الجريدة سندا للإعلان عنه يكون المنتج قد مارس بقصد أوعن غير قصد على المستهلك سلطة غيرمشروعة ، ودعونا نتساءل عن العلاقة بين منتوج (ألبان ) مثلا ومحتويات جريدة ؟؟ طبعا ليست هناك علاقة سوى أنها علاقة إعلانية تجارية ، فهل سيطمئن صانع أووكيل بيع سيارات عن مقالات صحفية تتحدث عن التلوث وحوادث السير؟ ألن تلجأ هيأة التحريرفي الجريدة المعنية إلى نوع من الإفتراء الإعلاني كي ترضي المعلنين الذين يمولونها ؟؟ إن المستفيد الأول على المستوى الإقتصادي هوصانع ووكيل السيارات , إن العامل الإقتصادي الإيجابي للمعلن يقوي من سلطته على مستوى أوسع هوالمستوى الإجتماعيوبماذا إذن نفسرقبول المستهلك أن يؤدي تكلفة إعلانات ؟ ربما يضمرهذا السؤال سلسلة غيرتامة ، فنحن لسنا سوى مستهلكين والسلسلة تبدوغيرتامة لتشخيص هذه الدينامية الإقتصادية حيث أن المعلن هو بدوره مستهلك ، كما أن المستهلك باعتباره عاملا مستأجرا هوأيضا منتجا وقد يصيرأحيانا معلنا ضمنيا لمهاراته ومؤهلاته المهنية عندما تعرض الإعلانات منتوجا تفضيليا بصورة إعلانية مثالية وجذابة فهي تعمل قبل كل شيء من خلال هذه الصورة على تذليل الصعوبات التي قد تتبدى في مرحلة من مراحل السلسلة التي أشرنا إليها سابقا ، إن هذه الصعوبات لايمكن تجاوزها إلا عن طريق تدخل أطراف المؤسسة المنتج ويبقى الرفع من أرباح المؤسسة فوق كل الإعتبارات ...
تبدو إذن الإعلانات بمثابة إكراه يفرض نفسه على أي منتوج كيما يقتحم حمى السوق التجاري إن الصورة الإعلانية هي آخرمراحل السلسلة في الإنتاج بالدرجة التي قد تبدولنا أحيانا أنها زائدة وإضافية وموازاة مع تصاعد قوتها الإعلانية يتم مع الأسف إفراغ ثقافة المجتمع من جوهرها وكنهها الذي يتشكل أساسا من واقع الشغل واحتدام الطبقية والصراع من أجل السلطة .
لكنها بالنسبة للمتلقي المشاهد تكتسب دورا حاسما . إنها تعمل على طمس الواقع وإنكارالخصائص ومن هنا ندرك كيف أن ذات الصورة قائمة بين المنتوج وتحقيق المتعة بواسطته إن الصورة الإعلانية بحمولتها ورمزيتها تختزل رغبات المجتمع بل إنها تعمل على تحقيق نفسها إلى درجة قد تتجاوزالواقع أحيانا ويبقى في جانب آخر أن نبحث فيما إذا كانت الإعلانات التجارية تطمح إلى أهداف أخرى غيرأهدافها الإقتصادية بمعنى آخرأن أهمية الإعلانات تكمن فيما وراء فعالياتها الإقتصادية السريعة
ويكفي فقط أن الشركات المونوبولية إلى عامل الإعلانات تمدنا الإعلانات بصورة مختزلة عن مجتمع ما ، كما أن أي مجتمع قد يعطينا صورة عنه من خلال وصلات الإعلانات التجارية التي قد تتزيى بطابع المشروعية بما أنها تحمل الكثيرمن القيم الإجتماعية إن فعالية السلسلة التي تحدثنا عنها سابقا قد تم تضخيم دورها بواسطة إعلانات كاذبة فالصورة الإعلانية التي تنوب عن منتوج ما غائب في الواقع هي بالنسبة للمتلقي المستهلك علامة أو إشعارا خاصا على ملء فراغ في الإستهلاك وعلينا أن لاننسى أن الإعلانات يجب أن تكون قبل كل شيء فعلا إبداعيا متجددا ومواكبا لحاجيات رغباتنا الجديدة وأن منطق الإعلانات التجارية يرتكزأساسا على خلق حالة قلق وحيرة ، إنه منطق يجد دعمه على المستوى الإقتصادي في سلسلة حديثة لتقسيم العمل إن أية مقاولة تعمل وتهدف بالأساس إلى تجنب أزمة التخزين وتعمل على تحقيق السيولة التجارية الدائمة
وأخيرا أعتقد ومن خلال إجابتنا على كل هذه الأسئلة القلقة والإشكاليات أن نكون قد إستخلصنا فكرة عن إيديولجيا الإعلانات ومهما تعددت مظاهرخدمة مصلحة الإنسان بالإعلانات أو بغيرها فإنه لاأحد يخدم الإنسان إلاالإنسان نفسه..
0 التعليقات:
إرسال تعليق