الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أغسطس 16، 2015

علبة بتهوفن أوLa neuvieme

علبة بتهوفن أوLa neuvieme
بكرزة الأنمل تضغطين على الزرالذهبي .. ترتفع قبة العلبة .. يخرج طيف بتهوفن حالما كطاووس في حديقة .. يشتعل من حولك عطرالياسمين .. تنفلت من عقد جواهرها النوتات وتتقاطرعلى مرمرالسولفيج ... دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون ... دون .. دين .. دان .. دون ... دون .. دين .. دان .. دون ... دون .. دين .. دان ...
ثم يفتح عاشقك المنجمي أزراربيجامته الزرقاء .. يأخذ سيجارالهافانا .. تقاسمينه المجات بانتشاء كطفلة تتلمظ شوكلاطة ( ماكاو). وبينكما تستلقي السمفونية التاسعة la neuviemeعلى صدرالعلبة السحرية.
سيدتي مازلت لم تصدقي أن التاسعة هبت مع رياح الجنوب في جيب الرجل المنجمي عشية سبت من سنة 1970
كانت مفاجأة لك ، بأن يأتيك بتهوفن أنيقا ، بزي المايسترو الأبيض الأنيق .. والشعرالطويل ، المسدول على الكتفين  كما العباقرة العظماء ...  تأمرينه بفرقعة الإصبعين طق .. طق
ــ هيا افتح قبة العلبة ثم أوقد تاسعتك كما تشاء مقمرة أم مشمسة.. صحوة أم ممطرة .. خافضة أم رافعة.. بنبراتها ونقراتها  دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ...
حين بعثت إليه برسالتك معاتبة لم تتوقعي أن يهديك علبة بتهوفن حيث التاسعة أسيرة .. مغلولة بأوتارالكمان
العملاق ...في قفص ذهبي نفيس ما إن تفتحي بابه حتى يندلع عبير  la neuvieme كالبخور العبق في المزارات
المقدسة .. كعطرالكولون الفواح في شارع  بودلير بكازابلانكا ... أيضا ما كنت تتوقعين سيدتي أن اليد الكادحة
التي صهرت ألواح الحديد بالمطرقة والسندان والنارفي الكراج السفلي .. التي كانت تصفع الهواء فيئن ... ماكنت تتوقعين أن تبعث إليك بعلبة بتهوفن في جيب الرجل المنجمي .. تغفين وتفيقين على نسائمها .. على بروقها .. على هدوئها .. على رعودها .. على حممها ...
لربما تساءلت وأنت تتفرجين بعد عشرين سنة على ( التوب موديل ) كيف يخرج بتهوفن من جيب المنجمي العائد
من دهاليز المعدن العميق .. أنت إلى اليوم مازلت لم تصدقي كيف يرضى بتهوفن بأن يأتيك في علبة سحرية ليعزف la neuvieme   الفاتنة راكعا على حافة سريرك عند المساء ... و ما زلت أيضا لم تصدقي أخيرا أن في جيب البلوزة الزرقاء المعفرة بتراب سراديب ودهاليزالمعدن النفيس ترقد التاسعة في انتظارإشارة  ملائكية من العظيم بيتهوفن.
يوم لملم حقائبه وودعك في قطارالواحدة بعد منتصف الليل . تذكرين أنه ضمك بقوة وكنت تفتعلين كل شيء
لحظة الوداع حتى القبلات كان يقتلعها من شفاهك الباردة كأنما ينتزعها من التمثال النحاسي البارد . لم تذرفي ولودمعة واحدة كما العشيقات الوفيات .
... كان سفره  وبقاؤه سيان لديك ..
ولليلة لما عاد طرق الباب كالمختلس . قبلك وضمك بقوة الشوق وألقى بك على السداري في البهو وأخرج علبة بتهوفن .. قال لك سيدتي إضغطي على الزرالذهبي ...  و ضغطت على الزرالذهبي فجأة صدحت السمفونية التاسعة بتلك النخوة التاريخية الراسخة واشتعلت في البيت حمى الرقصة الأرستقراطية وحدث مالم يكن في الحسبان ، تحولت الغابة الشرسة في أعماقك إلى أنفاس من زهر الخزامى والقرنفل وفاح شذاها في كل الأركان والحفافي وكان هو يتملاك بكبرياء وزيادة مثل فارس خسر كل الحروب إلا حربك المشتعلة على ساحة صدرك العريض ...
قبل أن يعود كان الصمت .. كان الصقيع .. ورسائل المنجم الجنوبية المعبأة بعيارات الشوق التي يرسلها مع سواق
قطارات منتصف الليل وكنت كل مساء تترقبينه على الشرفة .. تتسمعين في الهزيع الأخير من الليل إلى هدير التاكسي الأبيض .. تترقبين رنات الجرس الكهربائي على الباب الحديدي .. وصعود الحقائب الحبلى بتذكارات أكادير وأساور تزنيت الرائعة وتحنين إلى التماشي معه على حافة الحديقة العتيقة .. والتهامس الممهوربكركرات اللقيا .. وفناجين القهوة المنكهة على الشرفة .. ورغم كل ذلك لم تصدقي هذا الإنقلاب البديع حين رمى بالحقائب مخذولة في الركن وأخرج علبة بتهوفن من جيبه .. قدمها وقال لك إضغطي على الزرالذهبي  .. وضغطت على الزرالذهبي . وكما المطرالمداهم تسقاطت الأنغام الخالدة من سمائها وأخذك في انخطاف راقص وهادئ على غرار( التوب موديل ) ... يده اليمنى على خصرك واليسرى متشابكة بيمناك وحذاؤه الأسود الصقيل يتاخم تلافيف قفطانك الطاووسي المجرورعلى الزليج الفاسي وعيناكما وسط الطريق تتلاطمان كالخلجان الصافية وبتهوفن بينكما مندسا كطفل مدلل أو مخفورا مثل نبي يزهو بتاسعته la neuvieme ...
دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون ..

يغلق عليكما الباب .. أجل ، عليكما لاغير .. وينصرف.. ينصرف نشوانا بالميثاق السمفوني العتيق بينكما وهويردد :
ـــ  تصبحان على خير...


إشارة : الوثيقة المرفقة للنص هي نسخة من مسودة السمفونية التاسعة la neuvieme بخط يد بتهوفن   

0 التعليقات: