نص المداخلة التي شاركت بها في ندوة (دورالإعلام في ترسيخ ثقافة القراءة) الذي نظمته شبكة القراءة بالمغرب على هامش فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر في دورته الثانية والعشرين لسنة 2016
بداية هل بعد مرور ثلاثين سنة على ظهور الإنترنت ثم الويب مازال السؤال ضروريا : ماذا نقصد بالإعلام (الرقمي ـ الجديد ـ النيوميديا ـ البديل ـ الإلكتروني وغيرها من
التسميات ؟) ماهي منصاته التواصلية ؟ ما هي طبيعة
وظائفه ؟ ماهي أدواته ؟ من هم صناعه الفاعلين العلنيين منهم والسريين وأخيرا ماهي فئات
متلقيه المستهدفين؟ وتأسيسا على هذه المقاربة التعريفية يمكننا حينئذ رسم ملامح دوره
في ترسيخ ثقافة القراءة إعتمادا على أسانيده الجديدة التي تختلف كما هو معلوم عن منظومة
القراءة في مفهومها ووسائطها التقليدية.بداية هل بعد مرور ثلاثين سنة على ظهور الإنترنت ثم الويب مازال السؤال ضروريا : ماذا نقصد بالإعلام (الرقمي ـ الجديد ـ النيوميديا ـ البديل ـ الإلكتروني وغيرها من
مما لاشك فيه أن فضاء الإعلام الرقمي يقوم على أربع
دعامات أساسية لايمكن لأي منشأة إعلامية رقمية أو أي موقع أومنتدى أومدونة شخصية (بلوغ)
أن تنهض من دونها ، يتعلق الأمر أولا بالإنترنت ، ثانيا بالحامل أوالجهازالإلكتروني
ثالثا بالصحفي الرقمي ورابعا بالمادة الخبرية على إختلاف تمظهراتها ومحتوياتها النصية
أوالصورية أو الصوتية أو السمعية ـ البصرية .
لاتختلف وظائف الإعلام الرقمي عن وظائف الإعلام
التقليدي بشكل عام والتي تتمثل أساسا في الإخبار والتوعية والتثقيف والترفيه والتعبئة
وقبل هذا وذاك هندسة رأي عام وأدلجته في الإتجاه الذي يهدف إلى خدمة السياسات العامة
لأي نظام من الأنظمة في العالم ..
أما الفئات التي يستهدفها الإعلام الرقمي فهي تختلف
بشكل واضح عن الفئات التي يستهدفها الإعلام التقليدي مادام أن الأمر يتعلق قبل كل شيء
بقدرة المتلقي على الإلمام ببعض الأبجديات والتقنيات والقواعد الرقمية والمعلوماتية
والتكنولوجية للتواصل مع هذا الإعلام الجديد بشكل إيجابي وتفاعلي عكس ما دأب عليه وضعه
السابق في تفاعله السلبي مع الإعلام التقليدي .
الصحفي الرقمي هو كل شخص يتمتع ببطاقة مهنية ويشتغل
ضمن منشأة إعلامية رقمية يديرها شخص واحد أو هيأة تحرير معترف بها من طرف الوزارة الوصية
والهيآة الوطنية أوالدولية النقابية أو قد يكون في وجه ثان صحفيا هاويا ــ مايسمى ب
(الصحافة المواطنة) والصحفيان معا يجعلان من السند الإلكتروني منصتهما التواصلية الوحيدة
لنشر الأخبار وإشاعتها على صفحات رقمية وعبر الشاشة معززة بالنصوص والصور والفيديوهات
وغيرها ...
فمنذ إختراع جهاز الكومبيوتر المكتبي الثابت أواخر
السبعينات ثم الإنترنت في مطلع الثمانينات 1983 تقريبا من طرف (فانتان سيرف) VINTON CERF و(بوب كان) BOB
KAHN وإطلاقهما لأول برتوكول خاص بقاعدة تبادل
المعطيات (HTTP) (HyperText Transfer Protocol) وأخيرا إختراع الشبكة العنكبوتية من طرف (تيم بيرنير لي ) Tim Berners-Lee بين سنة 1989 و1990
وما أتاحته هذه الشبكة السحرية من متاهات لاتكاد تنتهي من الروابط التشعبية كل هذا
التحول قد فتح للإنسانية آفاقا لا محدودة للتواصل أولا والمعرفة ثانيا من خلال أسانيد
متعددة إستطاعت أن تدمج كل الوسائط الإعلامية التقليدية للتعلم والتثقيف والإخبار
(الكتاب ـ الراديوـ التلفزة ـ الفيديو) في إئتلاف رقمي واحد يتجاوروينصهر فيه النص
السردي يالإيبيرميديا والصورة واللون والحركة والصوت والأشرطة الإخبارية المتحركة أفقيا
أوعموديا ..إلخ مما عجل بتفجير عدة أسئلة تفرض
راهنيتها حول ضرورة البحث عن مفهوم جديد لممارسة ثقافة القراءة التي ظلت مرتبطة عضويا
منذ خمسة قرون خلت بالكتاب والسند الورقي عموما وبالدعوة إلى ضرورة البحث عن مفهوم
جديد تتضافر في تحقيق أهدافه الإقرائية حواس البصروالسمع واللمس (بالنقرعلى العقد والروابط)
في وقت واحد أي أنها قد تحولت إلى فعل مركب من قراءة سمعية بصرية ونصية ...
ولم يكن لهذا المارد الإعلامي الرقمي أن يفرض صوته
المتفرد والمتعدد سوى بفضل تطور إبتكارات تكنولوجيا المعلومات والإتصال وتجهيز البنيات
التحتية للإتصالات بزرع عشرات الآلاف من الكيلومترات من الألياف والأسلاك في البر والبحر
والإسراع ما أمكن إلى إيصالها لجميع التجمعات البشرية مما أسهم بشكل واضح في إفراز
مظاهر سوسيوثقافية واقتصادية جديدة كاستنبات السيبيرـ مقاهي ومتاجر الحواسيب الثابتة
والمحمولة ودكاكين بيع وإصلاح الهواتف والألواح الذكية وإطلاق إعلانات وإشهارات لتسهيل
إقتناء هذه الأجهزة بشروط مريحة وتعميم تغطية الواي فاي في الفضاءات العمومية كالحافلات
والإدارات والمقاهي .. إلخ فكان بذلك إعلانا بإنتقال المجتمع من عصر الثقافة النخبوية
إلى عصر الثقافة الجماهيرية التي لم تتحقق على أرض الواقع بإرادة حقيقية لسياسة الدول
وإنما تحققت نتيجة تغول وتنافسية الشركات العملاقة واستراتيجياتها للهيمنة على الأسواق
العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصال ...
وإذا كان من بين أعطاب ومعيقات تطور وتحديث المجتمع
المغربي يعود أساسا إلى غياب وتغييب لدور ثقافة القراءة وتعقيد المسالك إليها وندرة
فضاءاتها المخصوصة وارتفاع أسعار الكتب والمجلات والجرائد بالنظر إلى هزال القدرة الشرائية
وإكراهات الحاجيات اليومية للمواطن الكادح فإن الإعلام الرقمي بحوامله المختلفة وتطبيقاتها
التقنية والرقمية كالربط الشبكي والبرامج المتعددة الخدمات للتواصل والقراءة والتحميل
والنشر كل هذا التطور قد حفزالمستهلكين وخصوصا الشباب المنبهر بسحر هذه التكنولوجيا
على تشغيل آليات فعل القراءة قسرا باعتبارها قبل كل شيء ميكانيزما فيزيولوجيا ومناولات
فيزيقية تروم تفكيك رموز الأبجدية مثل (الرسائل النصية القصيرة SMS) وربط الوحدات النصية ضمن بنية إعلامية تحمل
خطابا أو رسالة قصد وضع القارئ في مجريات الأحداث الجديدة في محيطه الإجتماعي .
في ظل هذه الطفرة الرقمية إذن لم يعد السؤال المحوري
كما كان في بالأمس وكما دأبنا على إجتراره كمثقفين وفاعلين في المجتمع المدني منذ الإستقلال
(لماذا لانقرأ ؟) وإنما تحول اليوم إلى سؤال (ماذا نقرأ؟)
فما من شك في أن فعل القراءة كسلوك يومي ومظهر من
مظاهر التمدن والتثقيف هو قبل كل شيء سلوك سيكولوجي ومزاجي وتلقائي ينم عن وعي وازن
وحس ذاتي ثم مجتمعي بهدف الإنخراط في مستجدات العصر فكرا وثقافة وعلوما وفنا ..إلخ
يقينا أن الرقمية قد أسهمت في تيسير الوصول (L’accés) إلى بعض مصادر المعلومة بتلويناتها المتعددة
ولعل أن محركات البحث وعلى رأسها العملاق غوغل كأضخم مكتبة رقمية في تاريخ الإنسانية
قد أغنى الثقافة الكونية وأغرى المتصفحين بالبحث في المواضيع والإهتمامات الفردية التثقيفية
أوالعلمية والأكاديمية من خلال فعل قراءة واعية ومسؤولة ومنتجة للقيمة الفكرية المضافة
هذا فضلا عن الدور الريادي للمكتبات الرقمية العربية والفرنسية والأنجليزية التي تتوفر
على مئات الآلاف من الكتب والوثائق الرقمية والصوروالتسجيلات الصوتية النادرة وهناك
أيضا العشرات من الموسوعات والأنسكلوبيديات العالمية كموسوعة (ويكيبيديا في نسختها
العربية ) المفتوحة على جميع مستويات الثقافة
والتي تتيح للمتصفح أو أي عضو إدراج معلومات جديدة أو تحديث معلومات قديمة عن طريق
خاصية رابط (تعديل المقال)
وخلافا للنشر الورقي بمنظومته المعقدة ماديا ولوجيستيكيا
ومعنويا وتوزيعا فإن الرقمية بمرونة أسانيدها المطواعة وسرعة النشرعلى صفحاتها قد مكنت
كل مواطن ملم بالقليل من أدواتها وتطبيقاتها أن ينشئ في دقائق معدودة منتدى أو مدونة
أو مواقعا شخصيا أوموضوعاتيا أو ينشئ صفحة على موقع من مواقع التواصل الإجتماعي مجانا
ودون مجهود لوجيستي ومالي وإداري مما يغريه بالنشر الفوري وبالتالي بالإنخراط المندفع
أو المسؤول في صناعة المحتوى الإعلامي الرقمي ما يعرف اليوم ب (صحافة المواطنة ) المنفلتة
من أية مصفاة تحرير وإنذارات بالحذف أو الحجز أو المنع ، فجميع المواطنين المتعلمين
قد أصبحوا اليوم سواسية أمام النشر والكتابة والقراءة كما أن ساحة الإنترنت صارت مثل
أرض الله الواسعة وجميع آليات الرقابة لن تفيد في لجم هذه الأغلبية الصامتة مهما طورت
برامجها التجسسية السرية فالكاتب قد بات اليوم كاتبا وأيضا ناشرا كونيا قد يكون قاطنا
في الدار البيضاء لكنه ينشرمقالاته في منتدى أو موقع إلكتروني تتم إدارته في قارة أخرى
بعيدا عنه بآلاف الأميال من الكيلومترات ...
إن الكتاب الورقي اليوم يواجه أزمة حقيقية مضاعفة
أكثر من أي وقت مضى .. فبعد تعايشه القسري مع أزمة القراءة المزمنة والبنيوية وعلى
الرغم من إستماتة المجتمع المدني منذ نصف قرن من أجل ترسيخ ثقافة القراءة وبالرغم أيضا
من بعض السياسات الخجولة والمخجلة للدول العربية في مجال محو الأمية منذ أواسط الخمسينات
من القرن الماضي إلى اليوم هاهو الكتاب الورقي يعارك شراسة قدره في معركة جديدة مع
عصر الشاشة والحامل الإلكتروني وتصاعد برامج ومخططات تحويل الملايين من الكتب الورقية
إلى كتب إلكترونية وتشير تقديرات خبراء النشر الورقي إلى أن العالم يمضي حثيثا بكل
تأكيد نحو عصر أفول الورق يوما بعد يوم وذلك في حدود سنة 2030 في أوروبا أما في الولايات
المتحدة الأمريكية فإن الكتاب الإلكتروني قد عرف إرتفاعا ملفتا للنظر في عدد المبيعات
سنة 2015 مقارنة مع الكتاب الورقي ...
في المغرب فلسنا في حاجة مرة أخرى إلى تقليب مواجع
إنحسار القراءة والمقروئية وبطالة الكتب وتراجع مبيعات الدوريات والجرائد والمجلات
الورقية منذ أواسط هذه العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين بشكل مهول ومؤسف مما
حتم على إدارات الجرائد الحزبية والمقاولات الصحفية المستقلة إلى إطلاقا نسخها الإلكترونية
كصحافة بديلة لامفر منها تماشيا مع سيطرة تكنولوجيا التواصل في جل مرافقنا اليومية
وربما إستعدادا للمرحلة قادمة إلى دخول النموذج الإقتصادي النهائي في مجال الإعلام
الرقمي .أخيرا أزعم إذن أن الرهان اليوم لم يعد كما كان
بالأمس بنفس شعاراته وبياناته وحملاته التوعوية أن نحلم بمواطن قارئ على الرصيف بانتظار
الباص أو في الحديقة أو في قاعات الإنتظار ونحلم أيضا بمجتمع يقظ منزه عن حالات الشرود
الذهني التي يعيشها على كراسي المقاهي في إنتظار الذي يأتي ولايأتي وإنما الرهان بات
اليوم حول التفكير في تكييف آليات المقاومة مع تعاظم الغزو التكنولوجي والرأسمالي الغربي
وهيمنة الشركات العملاقة وخططها الرامية إلى تصييد كل مواطن مواطن لاستهلاك أكثر بواسطة
شلالات الإعلانات والإشهارات التي حتما ليس لها ولن تكون لها حدود على مختلف المنصات
السمعية البصرية والمقروأة والرقمية لقد بات الرهان أقول في التفكير في ماذا يقرأ المواطن
على هاتفه الذكي أو حاسوبه المحمول وماذا يتصفح من إدراجات ملغومة على الفيسبوك وماذا
يشاهد على قنوات اليوتوب من أخبار وإعلانات ودعايات قد يكون البعض او الكثير منها موضبا
بتقنية ماكرة تهدف إلى تدمير بعض القناعات المتعلقة بالهوية وتدفع إلى تشردم المجتمع
وتلغيم نسيج تعددنا الإجتماعي والإثني والمس بالأمن والإستقرارالعام
0 التعليقات:
إرسال تعليق