الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، يوليو 08، 2017

حوار عبده حقي مع مجلة البوصلة إنجاز إدريس علوش ومحسن لعتيقي

سيرة ابداعية مختصرةالمحاولات الإبداعية الشعرية الأولى في أواسط السبعينات ، حيث أذيعت لي العديد من القصائد على أمواج الإذاعة المركزية بالرباط في برنامج (
ناشئة الأدب ) الذي كان يعده الفقيدان الشاعرالرائد إدريس الجاي ومن بعده الشاعرالفلسطيني المقيم بالمغرب الأستاذ وجيه فهمي صلاح . وبإذاعة وجدة الجهوية في برنامج ( حدائق الشعر ) الذي كان يعده ويقدمه الراحل الشاعر محمد بن عمارة .-وبإذاعة ميدي 1 في برنامج كان يعده في مطلع الثمانينات الصحفي والممثل عبدالعظيم الشناوي .
في أواسط الثمانينات بدأت أولى محاولاتي القصصية وأول نص قصصي نشرته بصفحة حوار بجريدة العلم بعنوان ( التبوريدة ) ومن ثمة تقاطرت نصوص أخرى إلى حدود اليوم والحصيلة هزيلة جدا : مجموعتان قصصيتان هما حروف الفقدان التي صدرت عن مطبعة أنفو برنت في أبريل سنة 2008 ومجموعة قصصية ثانية في طريق النشر ( لوثة الحكاية ) ، ورواية بعنوان ( وصلنا للواحة) يعلوها غبارالرف بعد أن رفضتها وزارة الثقافة المغربية في إطارمايسمى بدعم الكتاب ودراسة مترجمة من 160 صفحة عن مفهوم النص في الأدب الرقمي وزهاء أربعين بيوغرافيا لأشهر الكتاب والأدباء العالميين من العالم العربي والشرق العربي وآسيا والهند وأمريكا صدرعددين منها في جريدة المساء المغربية ومجموعة من المقالات النقدية في الشعر والقصة آخرها مقال بعنوان : قصة ذكورة بوح خارج العادة السردية وهومقال أنجز في إطار اليوم الدراسي الذي نظمته وحدة الأدب النسائي بكلية الآداب بمكناس وقد نشرت الكثير من الإسهامات الأدبية في مختلف المنابرالصحفية الوطنية والشرقية آخرها دراسة بعنوان : موت المؤلف بين النص المترابط والنص الإبرميدي بالملحق الثقافي لجريدة العلم ونص قصصي أخير بعنوان : مهد في مهب الثرثرة بالملحق الثقافي لجريدة الإتحاد الإشتراكي والكثير من الكتابات المختلفة بأشهر المواقع والمنتديات الإلكترونية العربية . والبقية كيف ستأتي لست أدري .
ـــ إدريس علوش العزيز المبدع عبده حقي لنستهل نص هذا الحوارعن تصورك لفعل الكتابة،او بعبارة اخرى الكتابة كيف ولماذا..؟
ـ عبده حقي
بداية أشكر منتدى البوصلة على هذه الدعوة الكريمة لحوارما أحوجنا معا إليه كي نقلص المسافة البغيضة التي تخلقها متاهات اليومي وأعتذرعن التأخرعن الرد حيث إعتقدت أخي إدريس أن الحوار سيجري في قاعة المايل وجوابا عن سؤالك الكتابة كيف ؟ ولماذا ؟ وهو سؤال شاسع أفقيا وعميق عموديا وبالطول والعرض أيضا ، فالكتابة كيف ؟ بمعنى أي كمياء تفرض نفسها في عادة الكتابة وأي بهارات أختارها لطبخة نص قصصي هل هي بهارات أسواق هندية أم من أسواق بغداد القديمة عند العطار عيسى إبن هشام أم بهارات من ساحة جامع الفنا المراكشية أم بهارات حداثية من أرقى السوبيرماركات العالمية وكما درجت عادتي في الكتابة فأنا غالبا ما أفتتن بالكتابة المفتوحة على المطلق الكوني ما أسميه بالنص البلوري المتعدد والذي يمكن طرقه من أي وجه إنه النص الذي يخلق جزيرته الخاصة بسماء وغابة وماء لايشبه الجزر الأخرى وقد يتطلب هذا زمنا غير يسيرقد يعد بالسنين لايهم فالمهم هو أن أشعر برضى جواني عما كتبت وإذا كنت تقدصد كيف الكتابة أي كيف أتيت إلى الكتابة فقد أفاجؤك إذا قلت لك أنني أتيت إليها من جنون الموسيقى وخصوصا أغاني المطولات لأم كلثوم الأطلال والقمر الأحمر ولاتتركيني ورموش والجندول ...ثم في مطلع السبعينات كنت أقطع يوميا مسافة كيلومتيرن إلى المكتبة العتيقة بالمدينة القديمة لأطالع الأعمال الكاملة للشاعر الراحل نزار قباني حتى حفظت الرقم المرجعي للمجلد كما أن السيد القيم على المكتبة كان كلما رآني قادما يدخل رأسا إلى الخزانة ويأتيني بأشعار نزارقباني من دون أن يأخذ برأيي أما لماذا الكتابة فجوابي بكل بساطة الكتابة من أجل الإختلاف ... الإختلاف الذي هو كنه وعلة وجودنا الحقيقي وكثيرا ما أومن أنني قد أتيت إلى العالم لأكون ( كاتبا ) قد يكون هذا ضرب من الوهم عند المتلقي المفترض لكنه عين الحقيقة عندي .
ـ محسن لعتيقي
المبدع عبده حقي، سعداء بهذه الدردشة هنا بالبوصلة.
من خلال تجربتك ومسؤوليتك الالكترونيتين، أين وصل النشر الرقمي الآن؟، وما هي آفاقه وحدوده، والحال أن هناك أسماء و تجارب إبداعية عديدة لا تحتك بلوحة المفاتيح، لسبب من الأسباب؟..
عبده حقي
شكرا الأديب محسن العتيقي على هذا السؤال الراهن . بداية هل يجوز لي أن أقول أن جيلنا محظوظ كثيرا أن الإلكترونية والرقمية قد غمرته بكرمها الحداثي ومسألة الحظ هاته قد تقول الأجيال السابقة أنها أيضا تمتعت بها مع إختراع النار والعجلة والمحرك البخاري وآلة التصوير والسينما والكهرباء و..و..و..و في رأيي الشخصي نحن نعيش اليوم زمن المعجزة الرقمية ، بالأمس القريب بعثت إلي الشاعرة السورية فرات إسبرت من نيوزيلاندا بقصيدة شعرية ومن دون شك أن هذه القصيدة قد قطعت كل هذه الآلاف من الكيلومترات بنقرة واحدة على زرenvoyer بمعنى أن الرقمية قد حتمت علينا أن نعيد التفكيرفي وعينا التقليدي بعاملي الزمان والمكان التقليديين ...إذن فاليوم نعيش عولمة الأدب بكل آفاقها المفتوحة ... إن هذا الحوارالذي نجريه اليوم في منتدى البوصلة المتألق قد يصل صداه .. ضوضاؤه .. همساته .. إلى أبعد نقطة في كوكبنا الأرضي .. فأنت أخي محسن تستطيع وأنت في سريرك أن تتبضع وتحجزتذكرة السفروتأشيرة الجوازوتقتني آخرالإصدارات في الكتب الكترونية وتدردش في الهزيع الأخير من الليل مع حبيبتك في نيوزيلاندا وقد تستطيع أن تختارأي لون وأي موديل من القفاطين يروقها على شاسة الحاسوب أو الموبايل ولااشك في أن العبقرية الإنسانية قادرة في المستقبل أن تجعلك تشم رائحة عطرحبيبتك وأنت في مدينة أصيلة الجميلة ... ومن خلال تجربتي ومسؤوليتي الإلكترونية في مجلة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة ومنتدى قصص المغرب العربي ومنتدى درويش الشعري وباعتباري كمشرف باتحاد كتاب الإنترنت العرب فإن النشر الرقمي قد تجاوزبسرعته وانتشاره حماقة الريح الشتوية ، فهناك الآلاف من المواقع والبوابات والمدونات والمنتديات العربية وكلها فضاءات ثقافية وعلمية إفتراضية جعلت من الإنتاج الثقافي كعكة لكل طبقات المجتمع فلم تعد للمعرفة إنتماء طبقي كما لم يعد أمام الإبداع الأدبي متاريس إدارة الجمارك ففي الأيام القليلة الماضية عثرت بالصدفة على مقالي ( النقد الأدبي في مواجهة الإبداع الرقمي ) في أحد المواقع الكورديستانية وباللغة الكورديستانية فهل كان سيحصل هذا التحليق اللامحدود لهذا المقال قبل عشر سنين لو نشر في إحدى الملاحق الثقافية الوطنية كما أنني عثرت على إسمي في هيأة تحريرإحدى المنتديات العراقية من دون الأخذ برأيي ، إذن فنحن اليوم نعيش في عالم بقيم جديدة ومعاييرإنتماء لاحدود لها ومفاجآت حربائية جميلة تتكرر كل لحظة وحين وأعتقد أن المستقبل القريب سوف يعرف إلتحاق المئات من الكتاب المغاربة بعالم النشرالإلكتروني وبالرقمية عندما يصبحان حقيقة لامفرمنها إن ما نعيشه اليوم من هدنة بين الورقي والإلكتروني هي مجرد هدنة مؤقتة لحرب قادمة بعد عشر سنين بكل يقين ، سوف يتغلب فيها الأديب الإلكتروني على الأديب الورقي حين يصبح في جيب كل كاتب حاسوبا محمولايلبي كل حاجياته الإلكترونية والرقمية في رمشة عين . إن عزوف الكثير من الأدباء والكتاب المغاربة عن إرتياد عالم النشرالإلكتروني والرقمي يعود أساسا إلى إستخفافهم بالتعاطي مع الحاسوب باعتبار أنه أداة لعب بليستيشن ويعود أيضا إلى تقليد التعاطي مع النشر الورقي والإكتفاء به باعتباره أقرب طريق للتواصل مع شريحة الأدباء في الوطن وأعتقد أن الكتاب الإلكتروني قادم وبالسرعة الرقمية الخاطفة ففي أوربا فالكثير من الروائيين المرموقين أعادو إصدارأعمالهم على شكل كتب إلكترونية .
محسن لعتيقي
العزيز عبده حقي النوسطالجيا كما هي في دروس الثانوية "الحنين إلى الماضي" وعند اليونان ينضاف إلى فعل الحنين "المعاناة"، وكما أن لا كتابة أحيانا إلا بمساءلة ما يفوت.. برأيك وأنت تعود بذاكرتك نحو تلك الأيام القديمة، ألا تحس بدفء أزقتها وتفاصيل حكاياها ولم لا أسئلتها المجروحة.. لكأن السرد لا يتحقق الا هناك قرب مقهى قديم أو سينما ذات كراسي خشبية ناطقة، أو حتى تلك الأسئلة المستعادة دائما في السياسة والفشل ودفاتر الذاكرة؟!.. لنتحدث قليلا عن الزمن والكتابة عند عبده حقي.
عبده حقي
إن الإبداع أي إبداع لاينفلت من فخاخ الذاكرة بما أثثها ويؤثثها من لحظات ألق ولحظات إنطفاء مثلما الليل والنهار يتعاقبان علينا وفي رأيي أن كل كتابة أو كل جزء من لحظة الإبداع هو لحظة من سيرة ذاتية ماكرة لاتعلن عن نفسها إلا للكاتب ذاته ، وللناقد حين يخلع قفازتي التشريح من يديه وللقارئ حين يطرق باب التأويل ، فالسرد كما قلت لايتحقق إلا هناك وفي اللحظة تلك وأعتقد أن للزمن الطفولي وشم وحفرعميق في أركيولوجيا الذاكرة ، فأنا ولدت في أقدم حارات مدينة مكناس في زمن كان مجتمعنا المغربي على عتبة عهد الحداثة الحقيقية وعلى أولى خطى التقدم والأمل والتطور... صدقني أنني دخلت إلى السينما أول مرة وعمري لايتعدى خمس سنين مع خالي وما زلت أذكرأن الفيلم كان من بطولة فريد الأطرش ثم بعد ذلك دخلت مع والدي رحمه الله ووالدتي وأخي الصغير الذي لم يكن يتجاوز عمره الأربع سنوات وأننا وقتذاك لم نجد أي حرج إجتماعي في الدخول إلى السينما والتلذذ بصورذلك الشريط السينمائي ثم كنا بعذ ذلك ندهب جميعا لنتقاها في إحدى المقاهي بأجمل شوارع المدينة الجديدة هذه صورة فلاش باك خاطفة لمغرب مطلع الستينات المغرب الذي أجهضت فيه كل أفكارالتقدمية والحداثة والتطوروحيكت المناورات بغية خلق شعب لايقرأ ونتائج هذا نعيشه اليوم كما عشناه بالأمس إنخفاض مزمن بل إزدراء واستخفاف بالكائن القارئ وبلذة بالقراءة ... الكتابة إذن عندي تمتح من هذين الزمنين زمن الحلم وزمن ضياع الفرص كما أنها كتابة تمضي بزمنها الداخلي وأنساقه المختلفة والزمن الفيزيقي المستعاد والمأسوف عليه .. تمضي الكتابة إلى نص التحقق فالزمن زمنان ، زمن القصة الداخلي وقصة الزمن الخارجي القادم من تخوم الذاكرة الفردية والجماعية .
إدريس علوش
العزيز المبدع عبده حقي تشابك الاجناس الابداعية في النص الواحد...
الى اي حد يخدم المتخيل والصورة وميكانزمات النص لديك...؟
عبده حقي
العزيزإدريس قد يعود سبب إفتناني وهوسي بالنصوص السردية المفتوحة إلى أمرين أولهما قراءتي لنص الجمهرات للأديب سليم بركات ذلك النص الأنطلوجي الذي يمكن أن تقرأه من أي موقع في بنيته السردية تحلولك كما يمكن أن تطأه من اليمين أومن اليسارفهو نص اللانص ، أما ثانيهما فهو هذه المرجعية القزحية المتعددة والتي كما قلت في مطلع هذا الحوارأنها نهلت من معين الموسيقى الأصيلة التي مرنتني بشكل من الأشكال على إمتلاك حاسة سابعة إيقاعية عميقة يتلقفها راصد داخلي في جهة ما من النفس أهلني بكل يسرإلى إرتياد التجربة الشعرية أوائل السبعينات وبالمناسبة دعني في هذا الحوارالبوصلي الحميمي أحكي لك / لكم عن النص المتهم الأول إلى أن تثبت براءته ، النص الذي ورطني في الكتابة الشعرية فذات صيف من منتصف السبعينات حدث ذات ليلة أن أرقت .. بقيت مسهدا .. ممددا على فراشي أبحلق في الظلام ولست أدري من هي هذه السيدة في حلم اليقظة التي أوعزت لي أن أنظم في عمق الظلام قصيدتي الأولى ، وهكذا بدأت أنظم أبياتا شعرية وكلما نظمت بيتا حفظته وانتقل إلى نظم البيت الموالي إلى حدود السادسة صباحا حيث قمت وحررت القصيدة على ورق دفترعادي عنوانها ( همسات اللقاء ) وبعثت بها إلى برنامج ناشئة الأدب ولم يكد يمر أسبوع حتى أذيعت في البرنامج يوم أربعاء فيما أعتقد ، ولكم / ولك أخي العزيزإدريس أن تتصورتداعيات وأثر ذلك على نفسي بنفس المقياس الذي أثر في الآخرين وفيك حين نشرت لك أول قصيدة في الصحافة ... من هنا بدأت ورطة الكتابة الحقيقية ... بالإضافة إلى إنتمائي هذا القديم للشعروبعد هذه التجربة الشعرية والتي إستمرعمرها إلى حدود أواسط الثمانينات إنتقلت وربما بنفس أحابيل المؤامرة إلى التجربة القصصية بأقانيمها وآليات إشتغالها الكلاسيكية عند إدغارألان بو وموباسان وزكريا تامروياسين رفاعية وزفزاف إدريس الخوري وووو وكان لابد حسب قانون النشوء والإرتقاء أن يفرزهذا التلاقح كمياء كتابة مفتوحة تمتح من كل هذه المرجعيات .. كتابة سوف تتمرد على كل الحدود الإجناسية التي قننها بالمسطرة السردية الرواد والنقاد في الشرق والغرب ... لقد صار النص عندي يتزيى بلبوس اللامعنى والتوق إلى التمرد على تكرارنفس المعمارونفس الشكل والبنى .. إنني أرفض مبدئيا أن يكون النص القصصي روبورتاجا تتكررفيه نفس الفضاءات (الشارع .. المقهى ..) ونفس البطل المهزوم الذي يدخن ويحلم براتب وحبيبة وبيت والذي يشبه إبليس حيث تجده في كل النصوص وأعتقد أنه إذا ما أبتلي الإبداع القصصي بهذا البرص الجلدي فما الجدوى إذا من الإبداع بشكل عام إذا لم يعتقد بالتجاوزوالإنشغال بوازع القيمة المضافة .
بخصوص تجربتي القصصية فكلما إنغمرت في نص جديد يكون قلقي الأوحد المهيمن هو ماذا سيضيف هذا النص إلى أنطلوجية النصوص الأخرى والقصة المغربية عموما ثم ماهي المستحضرات المختبرية المغايرة التي ستخلق هويتي القصصية الجديدة والتي ستغيرجلدي القصصي مثلما يغيرالثعبان جلده كل فصل .. لذا فأنت تجد في نصي القصصي صورا شعرية عائمة في محيط التجريد وتمتح من دهشة المجازات وصورا تقتنص اللحظة القصصية الإستثنائية بحدوده المعهودة ، كما تجد في معابره مقطعا شعريا بايقاع شعري واضح ومقطعا بإيقاع قصصي داخلي يقتعد على متوالية الحركة وتعاقب الأفعال ، وأخيرا قد يتبدى النص القصصي في النهاية بمعمارخلاسي متمرد على خطية السرد التقليدية ما يجعل جغرافيته متنوعة تأبى التسطيح البليد وتنتصرلبلاغة الطبيعة .. الطبيعة في عريها البدائي وأنت تراها من أعلى قمة الجبل .
إدريس علوس
العزيز القاص والمبدع عبده حقي
القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا
ماهو الجدل القائم بينهما في الشكل والتصور والرؤية..؟
وهل استطاعت القصة القصيرة جدا ان تستقل بذاتها كجنس ادبي..؟
عبده حقي
هو جدل مفتعل من أجل إعطاء القصة القصيرة جدا حجما لاتستحقه مع أنها في رأيي جنس غير شرعي للقصة القصيرة ، إنه جدل تم إفتعاله مثلما تم إفتعال نفس الجدل في الساحة الشعرية بين الشعر العمودي والشعر الحر والقصيدة العنقودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثروأخيرا قصيدة الهايكوولست أدري مع الأسف إلى أين يمضي هؤلاء المخترعون الجدد بهذه السيدة الجميلة ( القصيدة )
كما لو أن هناك مؤامرة مبيتة من أجل الإجهاز على القصيدة العربية الراهنة التي واكبت السقوط العربي في كل محطاته ، إنها نفس المؤامرة تحاك اليوم للإيقاع بالقصة القصيرة باختراع أجناس تشبه البيض الفاسد . إن الكتابة بكل أصنافها كما قال بورخيس ( أكتب بجدية الطفل الذي يلهو) فأول شروط الكتابة والإبداع عموما هوذلك الإحساس الدفين فينا والذي يتلبسه الوعي بالذات وتاريخها وزمنها المنسكب في وعاء ما نحن بصدد كتابته ... فأنا أكتب لأنني أؤرخ للحظة قد أتوهم أنها تعنيني وحدي بيد أنها تعني القارء العربي الذي يقتسم معي الفرح والألم ، وهذه هي القاعدة الأساسية التي إنطلقت منها كتابات الرواد والتي بأناملهم الكادحة نسجوا أجمل القصص ( النمورفي اليوم العاشر) لزكريا تامرويوم ليس ككل الأيام لياسين رفاعية واليد الكبيرة ليوسف إدريس وكما هي العادة لعبدالجبارالسحيمي والضياء الأرجواني لمحمد العربي الخطابي وليسقط الصمت لخناثة بنونة والغجرلمحمد زفزاف وحكاية نص مريض لإدريس الخوري دون أن أنسى جيل الشباب عبدالمجيد الهوس وسعيد منتسب وعبد المجيد شكيروشكيب عبد الحميد ووووو كل هؤلاء كانوا أصحاب ورشات قصصية ينزلون إليها ببلوزات وأدوات وليس بكلمات متقاطعة نخترع لها ما شئنا من الأسماء حتى باتت القصة القصيرة قصة قصيرة جدا وأقصوصة وقصاصة وربما غدا قصة من حرف واحد لاتختلف عن المنديل الورقي ( كلينيكس ) الذي يمسح فيه مخاط الزكام ... لقد نحت القصة القصيرة جدا بالكتاب إلى منحى اللعب والهزل وصارت ضربا من تجزية الوقت يمكن أن يكتبها ( القاص ) على ظهر تذكرة الأوتوبيس أو فاتورة المقهى وأستسمحك أخي إدريس في أن أطرح سؤالا أساسيا هل ضاق الزمن بالقاص المغربي كما ضاق بالقاص الأمريكي ما دفعه حتما إلى إبتداع شكل قصصي سما ه القصة القصيرة جدا لأن وقته قصيرجدا فأنا لاأعتقد ذلك فنحن نمضي ما يكفي من الوقت على طاولات المقاهي أكثر من طاولات المكاتب ... أيضا لاأنسى أن أشيرإلى شيء أساسي يتعلق بعقلية الإفساد التي تسكن الإنسان العربي الذي يجعل من الحداثة سيارة تمشي بقوائم جمل وأقصد من هذا أن النت مع الأسف جعل من الكثير من أشباه الكتاب قصاصين لالشي إلا لأنهم كتبوا ما يسمى قصة قصيرة جدا ودعني أخي إدريس وفي هذه اللحظة التي ندردش فيها أن أنتقل مباشرة إلى كتابة قصة قصيرة جدا الآن دون إعداد سابق وستكون هي القصة القصيرة الأولى والأخيرة في مساري القصصي
في الشارع كانا يسيران جنبا إلى جنب .. فجأة توقفا .. فتحت أزرار قميصها وفي غفلة منهما طارعصفور من بين نهديها ( سطوب )
صدقني أنني كتبتها مباشرة ومن دون تعديل
إدريس علوش
الا تعتقد انك بهذا التصور -مع احترامي لوجهة نظرك ابداعيا ونقديا-تضع حدودا لاختيار اشكال جديدة للابداع...؟
عبده حقي
إنني لاأضع حدودا بين أشكال الإبداع ولكن حدودا بين الجد واللعب ، اللعب المجاني ذي النوايا المبيتة التي تهدف بكل خبث إلى إفساد جمالية وإرث الثقافة العربية بكل مكوناتها والتي نتحمل نحن اليوم كمثقفين مسؤولية الحفاظ على ذخائرها وكنوزها ، فأنا لست ضد التجريب ولا ضد الحداثة ولاضد الإبتداع ولاضد إنصهارالأنواع . لكنني مستعد لأن أستشهد ضد إفساد الذوق العام وضد تشويه الجماليات وضد المسخ المبيت بكل وجوهه الخبيثة ، فهل في رأيك أخي إدريس أن كل ماينشر تحت يافطة القصة القصيرة جدا والقصة القصيرة الميلمترتية والقصة في حجم كف اليد وووو... إبداع أدبي قصصي بكل ما في كلمة الإبداع من عمق ومعنى ... لاأعتقد ، نحن إذن في حرب معلنة ضدا على الطفيليات التي تبحث لها عن مكان مشروع لاشرعية لها فيه ، فامتشق بندقية قلمك وتقدم معي لنحارب السخافة
ما هي القصة في رأيي
ـــ القصة وعاء يسقط فيه القاص ليصعد السارد
ـــ أن يتخيل القاص بقدر ما يستطيع
ـــ أن تخرج إلى معركة السرد ولا تفكر بالعودة
ـــ أن تكون قناصا قبل أن تكون قاصا
ـــ أن تفتش عن إبرة الحبكة في كومة اللغة
ـــ أن تعرف كيف تقبض على رأس الخيط في كبة الحكي
ـــ أن تعرف كيف تمرق على حبل الحكي من البداية إلى النهاية
ـــ أن تعرف كيف تفاوض شخصياتك لاأن تساومها
ـــ أن تتعلم كيف تمزق مسوداتك حين يخدعك وميض البداية
ـــ أن تكون آخر من يقرأ قصته حين يمدحها الآخرون
ـــ أن تفي برغبات شخوصك لابرغبات شعورك
ـــ أن تعرف كيف تتسكع في أحياء محمد زفزاف
ـــ أن تعرف كيف تكون مجنونا للورد كما محمد شكري
ـــ أن تعرف في أي منطقة من الجسد حك إدريس الخوري فراشته
ـــ أن تعرف كم مرة صعد أحمد المديني برج إيفل
ـــ أن تعرف كيف تصمت مثل عبدالجبار السحيمي بعد الممكن من المستحيل
ـــ أن تعرف كيف تصف عبوردجاجة إدغار ألان بو الشارع
ـــ أن تعرف أقل مما يعرف سارد القصة
ـــ أن تعرف كيف تنزل وكيف تصعد في معمارالسرد بلا مصعد كهربائي
ـــ أن تحلم كما لو أنك لن تحلم بعد
ـــ أن تعرف كيف تمزق أكثر مما توثق
ـــ أن تعرف كيف ترى العالم بالعين الثالثة
ـــ أن تجعل من القصة فنجان عرافة
ـــ أن تعرف كيف تستوطنك القصة لاأن تستوطنها
ـــ أن تعرف كيف تمرر زرافة أحمد بوزفورالمشتعلة في عين حرف القاف
ـــ أن تعرف متى تتريث حين يهرول بك قطار السرد
ـــ أن تعرف كيف تتعدد لاأن تتوحد
ـــ أن تعرف كيف تسلب دهشة القارئ من دهشة التلفاز

ـــ أن تبني لك ضريحا في جامع الفنا

0 التعليقات: