الإنترنت كسلطة خامسة: من الرأي المفروض إلى الرأي الحر: ترجمة عبده حقي

الإنترنت في عام 2049 : هل سنكون سادة أم عبيدا للرقمية ؟ 

تقدم هنا مجلة  JDN في هذا المقال خلاصة لكتاب بونوا سيلار Benoît  Sillard 

وتقترح على قرائها المشاركة بآرائهم حول هذا الكتاب تحت عنوان اللإنترنت عام 2049.

الأوضاع في إيران في 20 يونيو 2009: احتجاجات الشارع الإيراني ضد ديكتاتورية السلطة في ظل تكتم الصحافة على هذه الأحداث . خلال هذه الاحتجاجات التي قمعتها السلطة ببطش شديد استشهدت سيدة شابة تسمى (ندا آغا سلطان). وقد قام بعض المتظاهرين بالتقاط صور ومقاطع فيديو لهذا الحدث الذي تم نشره على الفور على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ويوتيوب كأول خطوة ، ثم فيما بعد في منصات المدونات ، وأخيرًا في وسائل الميديا . إنها مقاطع فيديو شوهدت على هذه المنصات ملايين المرات . أصبحت الشابة ندا رمزا لجميع ضحايا الاضطهاد السياسي في إيران . لكن من المعلوم أن الهاتف المحمول والإنترنت هما من ساهما في جعلها رمزًا ، وليس الوسائط الإعلامية التقليدية ومنذ ذلك الحين ، أكدت الثورات في الدول العربية على هذا التطور بشكل واضح.

ليس عملية التواصل هنا في يد السلطة فقط بل في يد الشبكات الاجتماعية أيضا ، كما لاحظ ذلك عالم الاجتماع مانويل كاستيلس من جامعة بيركلي : "شبكات التواصل هي الشبكات الأساسية لصناعة السلطة في المجتمع". وشدد بهذا الصدد على أهمية شبكة الويب ، التي أصبحت الوسيلة الرئيسية للاتصال الإنساني التي تلتقي فيها جميع وسائل الإعلام القديمة والجديدة : "لا يمكن بناء المعنى إلا من خلال الحفاظ على الصالح العام الذي تشكله شبكات التواصل التي صارت متاحة بفضل الإنترنت ، إنها إبداع حر خلقه محبو الحرية في العالم  ". في جميع البلدان الخاضعة شعوبها للرقابة وقمع الأنظمة الاستبدادية ، تشكل الإنترنت وجميع الشبكات الرقمية آفاقا شاسعة للتحرر.

تعرف الأنظمة الأكثر ليبرالية والحامية للمؤسسات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتجمعات ظهور موجة شباب جديدة مع تعاظم دور الإنترنت. لم يسبق للمواطنين أن عبروا عن أنفسهم من قبل مثلما هو الأمر اليوم كما يشهد على ذلك النجاح الساحق للوسائط التشاركية مثل المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي .لقد انقلبت عملية بناء الرأي العام رأسا على عقب: فنحن نشهد أزمة جلية في فضاءات الوسطاء التقليديين الذين دأبوا على فرض التمثيلات السائدة في المجتمع.

لقد منحت سلطة الإعلام الوحيد (الإذاعة ، الصحافة ، التلفزيون) مكانة الصدارة "للكلمة المهيمنة" لمثقف السلطة وخبير السلطة وصحفي السلطة ... باعتبارهم مؤهلين لا غيرهم "للتفكير الوحيد " من قبل منتقديهم ، وفي جانب آخر كانت هذه الوسائط الاعلامية التقليدية مركزة ومحدودة تحت سيطرة الدولة أو سيطرة المقاولات الإعلامية في ظل غياب تنافس للوصول إلى الحقيقة وندرة تنوع الآراء الحرة و الديموقراطية المعبرعنها . إلا أن الإنترنت التشاركي ووسائل الإنتاج الرقمية التي تمت دمقرطتها (النص ، الصوت ، الفيديو) سمحت للمواطنين بالتعبير عن أنفسهم بشكل مباشر ، وسمحت لهم أيضا التعليق على الأخبار ، وطرح مشكلاتهم الملموسة و الشروع في تصور حلول جديدة . "نحن وسائل الإعلام" ، حسب مقولة  الخبير دان غيلمور.

وكما تطرق إلى ذلك يورجن هابرماس في مؤلفاته الكلاسيكية ، فقد بنيت ديمقراطياتنا التداولية حول فضاء عام كان "برجوازيا" في البداية ثم "تواصليا " فيما بعد بسبب توجيهها من قبل وسائل الإعلام الرئيسية . غير أن الإنترنت قد شيد فضاءا عاما من نوع جديد تمامًا ، محليً وعالميً ، يقوم على أساس إمكانية مشاركة كل فرد من موقع معين في الشبكة العنكبوتية بمعلومات يمكن إعادة تداولها ملايين المرات من طرف مهتمين آخرين . وقد شدد البروفيسور يوشاي بينكلر من جامعة هارفارد على دور هذه الثورة الرقمية في مجال الحريات الفردية والعامة

"إن التأثير الأكثر أهمية على الدوام للإنترنت هو دوره في الممارسة الثقافية التواصلية بشكل عام". فشبكة الإنترنت تسمح للأفراد بالتخلي عن فكرة الفضاء العام المبني أساسا على التصريحات النمطية التي تصدرها مجموعة صغيرة من الفاعلين تسمى "وسائل الإعلام" (المؤمم أو التجاري) مختلف عن المجتمع ، من أجل التطور نحو مجموعة من الممارسات الاجتماعية حيث يمكن للجميع المشاركة في النقاش [...] ويمكن للأفراد أن يدبروا حياتهم من خلال جمع الملاحظات وتشكيل الآراء مع الوعي بأنها تشكل تطورات حقيقية في نقاش عام وأوسع ، وليس مجرد مسألة أحلام اليقظة ".

لقد تم تصنيف وسائل الإعلام كسلطة سياسية رابعة ، إضافة إلى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية. واليوم أصبحت شبكة الإنترنت بمثابة "السلطة الخامسة" بل لقد صارت أقوى سلطة من وجهة نظر الرأي العام ، قادرة على مراقبة تجاوزات السلطة السياسية ، ولكن أيضا القوى الأخرى النافذة والموجودة في أي مجتمع . فعلى سبيل المثال ، تعرف المقاولات والشركات أن قيمة صورة علامتها التجارية وما إلى ذلك كنجاحها التسويقي أو تقييمها البورصوي يمكن إلحاق الضرر بها في أي لحظة من خلال الكشف عن "فضيحة " مرتبطة بالفساد والمخالفات والممارسات أو الأنشطة المناهضة للإنسانية بما يتعارض مع مبدأ الاهتمام المعلن للتنمية المستدامة.

لاشك أنه من خلال منح الأفراد وشبكات التواصل حرية التعبير ، فإن الإنترنت أصبح يخلخل بعض ممارسة السلطة التي كرستها في الظروف الماضية . لقد أصبحت ديمقراطية الرأي التي يفرضها الوسطاء التقليدين اليوم هي ديمقراطية الرأي الحر ، حيث يتمتع جميع الأفراد وجميع المجموعات بنفس الحرية في الوصول إلى فضاء التواصل العام .

إشارة : مؤلف الكتاب هو بونوا سيلار Benoît Sillard الرئيس التنفيذي لمجموعة CCM Benchmark Group وناشر مجلة (JDN) ، وقد شغل سابقاً منصب مندوب بين الوزارات لاستخدام الإنترنت ، وهو مؤسس إذاعة وتلفزيون والرئيس التنفيذي لراديو فان

Le livre : Internet en 2049, maître ou esclave du numérique, Eyrolles, 13 mai 2011

Posted in: ترجمات, مقالات إعلامية