نشر بموقع هسبريس بتاريخ الأربعاء 11 أبريل 2012 - 13:23
زمن الربيع العربي الذي منت علينا به الصدفة التاريخية بغتة ومن دون حاجة إلى
تنظيرإيديولوجي ثوري مطبوخ على نار هادئة ، أو حاجة إلى قياديين كاريزميين من أمثال غيفارا ومانديلا وماو وغاندي وهو شي منه والخطابي ..إلخ هو زمن الثورة العربية الذي كان كامنا كالسر الأسطوري في غضبة شاب عربي قررأن يشعل الحرب على متن عربة من دون أحصنة فرعونية ... إنها عربة فواكه سقطت من سقف القهر لتهدم أصنام الاستبداد التي كانت تحرس الشعب العربي .
وهكذا سقط من سقط .. وأعدم من أعدم .. ونكل بمن حق فيهم التنكيل .. وحوكم من حوكم إما سوريا أو سريريا.. ومنهم من ينتظر دوره في قفص الأسرار...
اندلعت النار وانتهت بإسقاط أنظمة وجردت الألسنة المقهورة من أغمادها لمحاربة الفساد المستشري في جميع أطراف الدولة الأخطبوطية ...
ولأنني أزعم ويوهمني كثيرات وكثيرون من أصدقائي أنني مثقف عضوي ، قد أكون أدرى بمعدة الثقافة في بلاد العرب ، فهي ــ الثقافة ــ أيضا لم تسلم من ديدان الفساد التي أضرت بفواكه البوعزيزيين ، كما راهنت الدول العربية من جانبها على إفسادها تارة بالدسائس وتارة بالتدنيس .. تارة بالدولرة وتارة بالتصفيد بأغلال الفقر والتهميش ..إلخ
للفساد الثقافي في بلاد العرب أفواه واسعة .. منها من جبلت على التربح من المال العام ومنها أفواه وسعها صراخ الإقصاء .. ومنها أفواه وسعها تثاؤب العطالة .. ومنها أفواه وسعتها النميمة في السير الذاتية لإخوتهم الأعداء .. ومنها أفواه أخرى خلقها الله ليأكل بها ثوم الحاكمين .. وأخيرا أفواه أخرى لأحياء أموات يدخل ويخرج منها الذباب مثلما يدخل ويخرج من كوات المراحيض .
من يصنع الثقافة غير المثقفين وبالمعادلة الحسابية المنطقية : من يفسد الثقافة غير المثقفين .
الثقافة هنا في هذه المشرحة لست أعني بها إطلاقا تراكمنا التراثي العربي الأمازيغي في الأدب والعلوم والفنون والفلسفة، فهذا تراث ينزل من ذاكرتي ونفسي منزلة القداسة ، ولكن الثقافة التي أعنيها هنا والآن هذه الحركية المتواترة على طول الوطن العربي وعرضه في مختلف مجالات الاحتفاء بالفن والأدب والتشكيل والمسرح والسينما ..الخ
أحيانا نتحدث كمثقفين عرب عن الفساد الثقافي باعتباره قدرا وبلاءا إلهيا ، وأن المثقفين برآء منه براءة الذئب من قميص يوسف وبالتالي ظلت جل المقاربات التي تطالب بإسقاط الفساد الثقافي ضربا من محاربة الطواحين وصيحات في وادي عبقر، إن لم تكن أحيانا هذه المقاربات تزييفا مفخخا للحقيقة الباتولوجية المتضخمة في فيزيولوجية الجسم الثقافي.
ومن دون شك أن علل الثقافة في بلاد العرب يأتي بعضها أساسا من سوء التدبير السياسي للشأن الثقافي ، فالدول العربية في صراعاتها التاريخية مع المثقف المشاكس ..
المشاغب .. المزعج .. المتربص .. المخادع .. الماكر.. هذه الدول جندت كل الوسائل والآليات المادية والرمزية لمحاصرة الفعل الثقافي المتنور والتقدمي وعملت أيضا بكل وسائلها المادية والرمزية على تدجين بعض النخب المثقفة وقد أذعنت هذه الأخيرة للعبة فيما ظل مثقفو الدرك الأسفل والرؤوس اليانعة تعوم في بحر شأنها الثقافي إما بالسباحة ضد التيار حتى الكلل والانهيار، وإما إلى المأساة السيزيفية مع صخرة الهم الثقافي إلى يوم ينقلون في إشفاق إلى سرير الموت الرحيم ..
للفساد الثقافي وجوه وأذرع وأقنعة ومخالب وبكاء وضحك وو.. ولهذا فمهما حاولنا تحديد ملامحه الزئبقية ، فلن نستطيع ذلك ، وإذا ما تجاسرنا على النبش في صندوق الأفاعي ، فمن دون شك أننا سنلذغ مرتين .. بل مرات ومرات ، وبذلك سنفني ما تبقى من عمرنا القصير في القبض على خيط الدخان فيما ستبقى النار من تحت أقدامنا تأكل الهيكل الثقافي في صمت .
من وجوه فسادنا الثقافي وجوه تستنسخ عاداتها السرية الثقافية من بعض السلوكات الهامشية في المجتمع التي يقوم حل مشاكلها في نهاية المطب أساسا على شرع (البحث عن زوج لثقافتي ) مهما كان ثمن دم الوجه وبشتى السبل الهابطة بهدف تصبيغ حضورها بما يشبه المشروعية .
ومن وجوه رداءة الثقافة أقلام جافة لا تكف عن البحث عن دور صغير كومبارس باللحلحة والتزلف في سيناريو هيتشخوفي لا يتحقق إلا في أوهامهم كأشباه مثقفين .
ومن وجوه الثقافة أيضا مثقفون بالقوة ، جيؤوا بأنفسهم من فراغ ثقافي .. وهؤلاء أينما وليتم وجوهكم تجدونهم قد ولوا وجوههم من قبلكم واحتلوا كراسيكم القديمة وكراسي فضلاء غيبهم الخجل ..
فهل تراهم يبحثون عن شيء لا يوجد إلا في فراغهم ؟ ربما !!
0 التعليقات:
إرسال تعليق