الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 06، 2024

السحر والشعوذة في المغرب من الهواية إلى الهوية: عبده حقي


خلال زيارتي للقاهرة، رافقنا مرشد سياحي مصري فاجأني منذ الأمتار الأولى على متن سيارته الخاصة بسؤال صادم: أستاذ عبدو هل حقا ظاهرة السحر والشعوذة منتشرة بكثرة في المغرب ؟"

لطالما ارتبط المغرب، بنسيجه الغني من التاريخ والثقافة، والتصوف. إن مفهوم السحر والشعوذة في المجتمع المغربي متجذر بعمق في التقاليد الإسلامية وقبل ذلك في الجاهلية. تاريخيًا، مارست القبائل الأمازيغية أشكالًا مختلفة من الطقوس الروحانية والسحر، والتي تشابكت لاحقًا مع المعتقدات الإسلامية بعد الفتح الاسلامي. وقد أدى هذا الدمج الناتج عن التقاليد إلى خلق سياق ثقافي فريد من نوعه حيث يتم الخوف من السحر والشعوذة واحترامهما.

في الثقافة المغربية، غالبًا ما يُنظر إلى السحر المعروف باسم "السحر" والسحر المعروف باسم "السحر أو الجدو" من خلال رؤية المعتقدات الدينية والثقافية. يدين القرآن الكريم السحر صراحةً، ومع ذلك لا يزال العديد من المغاربة يؤمنون بوجوده وقوته. تعكس هذه العلاقة المتناقضة المشهد الثقافي والديني الأوسع في المنطقة، حيث يتعايش الإيمان والفولكلور.

إن مقارنة تصور المغرب للسحر والشعوذة مع مناطق أخرى، وخاصة الشرق العربي، يكشف عن أوجه التشابه والاختلاف. في حين أن الإيمان بالخوارق منتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم العربي، فإن التاريخ الفريد للمغرب والتأثيرات الثقافية شكلت سردًا مميزًا حول هذه الممارسات. في بعض البلدان العربية، يُعتبر السحر جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون، بينما يُنظر إليه في بلدان أخرى على أنه فضول ثقافي.

في المغرب، لا يعتبر السحر والشعوذة مجرد مفاهيم مجردة بل هما جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. وتتجلى هذه الممارسات في أشكال مختلفة، من ممارسات الشفاء التقليدية إلى قراءة الطالع واستخدام التعويذات. وكثيراً ما يُنظر إلى هذه الممارسات على أنها وسيلة للحماية من قوى الشر أو كوسيلة لتحقيق النتائج المرجوة، مثل الحب أو الثروة أو النجاح.

إن انتشار السحر والشعوذة في المجتمع المغربي ملحوظ بشكل خاص بين النساء، وخاصة أولئك القادمات من خلفيات ضعيفة وفقيرة. وفي كثير من الحالات، تلجأ النساء اللاتي واجهن صعوبات في الحياة أو اللاتي يطمحن إلى الزواج من رجال أثرياء، وخاصة من الشرق العربي، إلى هذه الممارسات كملاذ أخير. والاعتقاد بأن السحر يمكن أن يغير مصير المرء أو يحسن ظروفه يشكل دافعاً قوياً، وخاصة في مجتمع حيث يمكن أن تكون الحراك الاقتصادي والاجتماعي محدوداً.

تلعب الجنسانية دورًا مهمًا في ممارسة السحر وإدراكه في المغرب. قد تجد النساء، المهمشات في كثير من الأحيان مع محدودية الوصول إلى التعليم الرسمي والفرص الاقتصادية، العزاء والتمكين في هذه الممارسات. يوفر السحر والشعوذة وسيلة لممارسة السيطرة على حياتهن ومصائرهن، حتى لو كان ذلك بالمعنى الرمزي فقط. علاوة على ذلك، فإن ربط النساء بالسحر هو موضوع شائع في العديد من الثقافات، مما يعكس تحيزات وقوالب نمطية عميقة الجذور بين الجنسين.

يعتبر الإيمان بالغيب، جانبًا أساسيًا من اللاهوت الإسلامي والثقافة المغربية. يشمل الغيب كل شيء يتجاوز الإدراك البشري، بما في ذلك الملائكة والجن والحياة الآخرة. غالبًا ما يرتبط السحر والشعوذة بالغيب، حيث يُعتقد أنهما ينطويان على قوى وكيانات خارج العالم العادي.

الخرافات، المنتشرة على نطاق واسع في المجتمع المغربي، تعزز الإيمان بالغيب. وتتراوح هذه الخرافات من العادات البسيطة، مثل تجنب ألوان أو أرقام معينة، إلى طقوس أكثر تفصيلاً مصممة لدرء الأرواح الشريرة. فالإيمان بـ "العين الشريرة"، على سبيل المثال، هو خرافة شائعة في المغرب، ويرتدي العديد من الناس التمائم أو التعويذات لحماية أنفسهم من آثارها.

تلعب وسائل الفولكلور كالحكايات الشعبية دورًا حاسمًا في إدامة الاعتقادات بالسحر والشعوذة. فالفولكلور المغربي غني بحكايات السحرة والجن والأشياء المسحورة. وغالبًا ما تعمل هذه القصص، التي تنتقل عبر الأجيال، كدروس أخلاقية أو حكايات تحذيرية. ومع ذلك، فإنها تعزز أيضًا فكرة أن السحر والشعوذة قوى حقيقية وقوية. كما تساهم وسائل الإعلام، التقليدية والاجتماعية، في نشر هذه المعتقدات، وغالبًا ما تبالغ في تضخيم قصص السحر وآثاره المفترضة.

إن الإيمان بالسحر والشعوذة له تداعيات اجتماعية كبيرة في المغرب. فهو يؤثر على العلاقات الشخصية وديناميكيات المجتمع وحتى الأمور القانونية. إن اتهامات السحر والشعوذة قد تؤدي إلى النبذ ​​الاجتماعي، والنزاعات القانونية، وفي الحالات القصوى، العنف. كما أن الخوف من السحر والشعوذة قد يخلق مناخاً من الشك وعدم الثقة داخل المجتمعات.

بالنسبة للنساء، وخاصة أولئك اللاتي يمارسن السحر أو يتهمن بممارسته، فإن العواقب قد تكون وخيمة. فقد يواجهن التمييز، والمضايقة، أو حتى التبعات القانونية. وفي بعض الحالات، يتم إلقاء اللوم على النساء المتهمات بالسحر والشعوذة في العديد من المصائب، من المرض إلى الصعوبات الاقتصادية، مما يعزز الصور النمطية الضارة بين الجنسين.

من الناحية الاقتصادية، يمكن أن يكون الإيمان بالسحر والشعوذة عبئاً وفرصة في نفس الوقت. بالنسبة للبعض، فإن إنفاق المال على التعويذات أو خدمات الساحر يمكن أن يرهق الموارد المحدودة بالفعل. ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يمارسون السحر أو يقدمون خدمات ذات صلة، يمكن أن يكون مصدر دخل. وهذا يخلق ديناميكية معقدة حيث يتقاطع الإيمان بالخوارق مع الضرورة الاقتصادية.

عند التفكير في الحوار مع المرشد السياحي المصري، أدركت مدى تعقيد وعمق الموضوع. إن السؤال حول ما إذا كان المغرب "بلدًا للسحر والشعوذة" يمس قضايا أوسع نطاقًا تتعلق بالإدراك الثقافي والهوية والتفاعل بين التقاليد والحداثة. كما يسلط الضوء على أهمية فهم الاختلافات الثقافية واحترامها، حتى عندما تبدو غير مألوفة أو محيرة.

وفي سياق عالمي، لا يقتصر الاعتقاد في السحر والشعوذة على المغرب. فالعديد من الثقافات في جميع أنحاء العالم لديها معتقدات وممارسات مماثلة، والتي غالبًا ما تشكلها عوامل تاريخية ودينية واجتماعية. إن استمرار هذه المعتقدات في العصر الحديث يثير تساؤلات حول طبيعة المعتقد ودور التقاليد والطرق التي تتعامل بها المجتمعات مع التوتر بين الماضي والحاضر.

وفي الختام، لقد فتح السؤال الذي طرحه المرشد السياحي المصري نافذة على جانب معقد من الثقافة المغربية حيث يلعب السحر والشعوذة، رغم أنهما غالبًا ما يُنظر إليهما باعتبارهما مجرد خرافات، دورًا مهمًا في حياة العديد من المغاربة. فهما مرتبطان بالاعتقادات في الغيب، وديناميكيات النوع الاجتماعي، والبنيات الاجتماعية. ويتطلب فهم هذه الممارسات وأهميتها الثقافية عقلًا منفتحًا واستعدادًا للتعامل مع وجهات نظر متنوعة. وفي نهاية المطاف، يوفر استكشاف عالم السحر والشعوذة في المغرب رؤى قيمة حول التجربة الإنسانية والطرق التي يسعى بها الناس إلى فهم المجهول.

0 التعليقات: