الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 16، 2025

"البيان الثقافية تضيء أسئلة الثقافة والهوية في زمن التحول الرقمي"


صدر مؤخرًا بالكويت العدد الجديد (658) لشهري مايو/حزيران 2025 من مجلة "البيان"، التي تصدر شهريًا عن رابطة الأدباء الكويتيين، تحت إدارة رئيس التحرير حميدي حمود المطيري وسكرتارية تحرير أفراح فهد الهندال. وقد جاء العدد محمّلًا بأسئلة الفكر والإبداع في مواجهة تحديات العصر، ومواكبًا لفعاليات تتويج الكويت عاصمةً للثقافة العربية.

افتُتِح العدد بمقال تحليلي بعنوان: "فعاليات الكويت عاصمة للثقافة العربية 2025.. أسئلة جديدة بين الماضي والحاضر.. للمستقبل"، حيث تناول الافتتاحية بعمق إشكاليات الهويّة الثقافية في زمن العولمة والرقمنة، مطلقًا أسئلة نقدية حول مكانة الثقافة في ظل تطور الإعلام وتزايد تأثيره على الوعي الجمعي. وشدد المقال على الحاجة إلى دور نقدي للمثقفين والباحثين من أجل صياغة مستقبل ثقافي قادر على التكيّف دون التفريط بالجذور.

وفي لفتة لافتة إلى الماضي، تناولت المجلة ندوة نظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تحت عنوان "الثقافة في الكويت قبل النفط"، مستعرضةً إرثًا فكريًا وشعبيًا غنيًا سبق الطفرة الاقتصادية، وبيّنت الندوة كيف أن التربية والتعليم يشكلان صمام الأمان الثقافي للمستقبل.

أما في باب "استطلاعات"، فقد طرحت الكاتبة جوري الشعار سؤالًا جوهريًا في استطلاعها المعنون: "السرد الجميل لا يكفي.. ما الذي يصنع الرواية الجديدة؟"، حيث عبر عدد من الكُتّاب عن آرائهم بشأن معايير الرواية الجيدة. تباينت وجهات النظر بين التركيز على جودة السرد الفني، وعمق الشخصيات، والتكامل البنيوي، مع توحّد المشاركين حول ضرورة حضور الذكاء السردي والمتعة الفكرية. وأجمعت الأصوات على أن الرواية الجيدة تخلق عوالمها الخاصة وتستند إلى تجربة إنسانية غنية تتجاوز المعايير التقليدية بفرادتها.

في باب الحوارات، أجرت المجلة مقابلة مع الكاتب المغربي عبد الجليل الوزاني، الذي قارب العلاقة بين القصة والرواية بنبرة شخصية، قائلًا إن القصة تخنقه، بينما تمنحه الرواية فضاء أرحب للتنفس والإبداع.

القسم السردي بدوره احتفى بنصين إنسانيين: "أريد أبي" لمحمد ياسين القطعاني، الذي يلامس الحنين والفقد، و"العائدة" لنبيل موميد، الذي يخوض في تقاطعات العودة والهوية.

أما الدراسات الأدبية، فقد حفلت بقراءات معمقة، من أبرزها دراسة د. فايز الداية حول البحر في شعر سعاد الصباح، حيث يُقرأ البحر بوصفه رمزًا للتقلب والعمق والأنوثة. وضمن قراءة نقدية لرواية "رجال في الشمس"، قدّم محمد الحباسي تحليلًا بعنوان: "رحلة الشمس والظل"، أضاء من خلاله مأساة الفقد في المنفى الفلسطيني من منظور جمالي سردي.

وفي النقد الروائي، رصد نذير جعفر في "الأفول الطويل" لوليد الرجيب نزوعًا نحو الحنين المفقود، بينما تتبع موسى إبراهيم أبو رياش القصص القصيرة لباسمة العنزي، كاشفًا عن بلاغة التفاصيل وعمقها الرمزي.

واستعرضت هدى محمد كريمي في قسم "رؤى" تقاطع الأدب مع الفن، في محاولة لفهم التداخل الجمالي والإبداعي بين الحقول الفنية، مؤكدة أن الحدود بينهما لم تعد صلبة في العصر الرقمي.

أما "بيت الترجمة"، فقد استضاف نصًا لكاتب الواقعية التركية يشار كمال بعنوان "وحدة"، ترجمته نسيبة بدر القصار، إضافة إلى حوار مع الروائي الفرنسي جان كريستوف ريفان نقله إلى العربية سعيد بن الهاني، متيحًا للقارئ العربي نافذة على الأدب الفرنسي المعاصر.

واختُتم العدد بقصيدة مؤثرة عن القضية الفلسطينية للشاعر عبدالله زكريا الأنصاري بعنوان: "قد سئمنا..."، حملت صوتًا شعريًا عابقًا بالأسى والمقاومة.

تجدر الإشارة إلى أن مجلة "البيان" التي أبصرت النور أول مرة في أبريل 1966، تواصل منذ أكثر من ستة عقود أداء دورها التنويري والمعرفي في الساحة الكويتية والخليجية والعربية، مستقطبة نخبة من المفكرين والكتّاب والنقاد، ومؤكدة على رسالتها في جعل الثقافة حوارًا مستمرًا بين الأزمنة والحقول الفكرية.

0 التعليقات: