لا تزال جبهة البوليساريو ومعها الآلة الدعائية الجزائرية تُصرّ على تسويق سردية تجاوزها الزمن، تروّج لما تسميه "مأساة الصحراء الغربية"، وتبني على منابر دولية ومحلية مزاعم لا تستند إلى أي قاعدة قانونية أو واقعية. في المقابل، تمضي المملكة المغربية في ترسيخ مقاربة تنموية وحقوقية متكاملة في أقاليمها الجنوبية، تجعل من الصحراء نموذجًا يحتذى به في الاستقرار، الديمقراطية، والاستثمار.
تتحدث بعض البيانات
– وآخرها صادرة عن جهات محسوبة على الجزائر وفرنسا مثل "الحركة الديناميكية للجزائريين
في فرنسا" – عن "استثمارات في الأراضي المحتلة"، في إشارة إلى دعم الوكالة
الفرنسية للتنمية
AFD لمشاريع
اقتصادية واجتماعية بالصحراء المغربية. إن مثل هذا الخطاب لا يعكس إلا رغبة مستميتة
في التشويش على النجاحات التنموية المغربية. ففرنسا، ومعها شركاء اقتصاديون كُثر، يدركون
أن المغرب يوفر بيئة قانونية آمنة، وتخطيطًا استراتيجيًا يجعل من الأقاليم الجنوبية
بوابة للاستثمار في إفريقيا، لا بؤرة توتر كما تتمنى بعض الجهات.
وعلى الرغم من محاولات
رئيس الجمهورية الجزائرية، عبد المجيد تبون، إحياء ما يسميه "دعم القضية الصحراوية
العادلة"، فإن الواقع يُكذب كل هذه الادعاءات. إن الجزائر لا تدعم شعبًا، بل تحتضن
ميليشيا مسلحة على أراضيها، وتوظفها كورقة في صراعها التاريخي مع المغرب. إن هذا الدعم
لا يُترجم إلى خدمات اجتماعية أو حماية لحقوق اللاجئين، بل إلى معسكرات مغلقة، غارقة
في الفقر، وخاضعة لحكم بوليسي يُقمع فيه كل من يطالب بالشفافية أو التجديد.
ولعل أبرز مظاهر التوظيف
الدعائي للقضية المفتعلة يتجلى في زيارات رمزية، كزيارة وفد نمساوي يمثل منظمة شبابية
رياضية إلى مخيمات تندوف، أو مشاركة ممثلة البوليساريو في مدريد بمؤتمر نقابي إسباني.
هذه الأنشطة، وإن تم تضخيمها إعلاميًا، لا تُغير من المعادلة السياسية شيئًا، فالدعم
الدولي الحقيقي يُقاس بالاعتراف الرسمي لا بالتضامن الشعاراتي. والمغرب، في هذا السياق،
يحظى بدعم أكثر من 85 دولة تعترف بمخطط الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي وعملي.
في حين يستنزف خصوم
المغرب طاقتهم في إنتاج البيانات السياسية، تنهمك الدولة المغربية في إطلاق مشاريع
ضخمة بالصحراء، تشمل البنية التحتية، التعليم، الطاقة المتجددة، وتمكين الشباب والنساء.
ميناء الداخلة الأطلسي، الطريق السريع بين تزنيت والكويرة، والمدن الجامعية والطاقات
الشمسية في العيون، ليست وعودًا انتخابية، بل مشاريع قائمة على الأرض.
أما على الصعيد الحقوقي،
فقد نجحت المملكة في تمكين آليات المراقبة الوطنية والدولية من متابعة الوضع الحقوقي
في أقاليمها الجنوبية، وتعاونت بشكل شفاف مع تقارير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم
المتحدة، في وقت تُمنع فيه منظمات مستقلة من دخول مخيمات تندوف، التي تُعد من المناطق
القليلة في العالم التي لا تخضع للولاية القانونية للدولة المضيفة، أي الجزائر.
إن مقارنة بسيطة بين
ما يحدث في العيون أو الداخلة من نهضة شاملة، وما تعيشه تندوف من تهميش وفقر واختناق،
كفيلة بأن تسقط ورقة التوت عن المشروع الانفصالي. فبينما تستقبل الصحراء المغربية الوفود
الاقتصادية، والسياح، والمنتديات الدولية، تستقبل تندوف قرارات المجالس الثورية وبيانات
التقشف والتمجيد الأجوف للقيادة.
إن من يسمي نفسه
"لاجئًا" منذ أكثر من أربعة عقود، بينما يُمنع من العودة، أو التعبير عن
الرأي، أو حتى اختيار قيادته، لا يعيش نضالًا من أجل الاستقلال، بل يُستخدم كأداة دعاية
سياسية في نزاع إقليمي انتهت شرعيته منذ أن سحب معظم العالم اعترافه بالكيان المزعوم.
لقد اختار المغرب أن
يواجه هذا التحدي باستراتيجية الدولة، لا بمنطق الشعارات. لذلك، فإن ما يُبنى على الأرض
اليوم من استقرار، استثمار، وتحسين لمؤشرات التنمية البشرية، هو أبلغ رد على كل الادعاءات.
فبينما يُجدد المغرب التزامه بالحل السياسي الواقعي في إطار السيادة الوطنية، تستمر
بعض الجهات في اجترار الماضي بلغة باردة، لا تحرك قلوبًا، ولا تقنع عقولًا.
إن القضية الحقيقية
اليوم لم تعد "الصحراء"، بل مصير المحتجزين في تندوف، أولئك الذين يُحرمون
من حقهم في تقرير المصير الحقيقي: العودة إلى الوطن، أو على الأقل قول رأيهم دون خوف.
وحتى يتحقق ذلك، سيظل المغرب ماضيًا في طريقه، محصنًا بشرعية دولية ومساندة شعبية،
بينما تستمر جبهة البوليساريو في الانكماش داخل خطاب منتهي الصلاحية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق