إلى روح الكاتب والمثقف الموسوعي محمد أديب السلاوي
ليس الرحيل هو الحقيقة المرة بل الحقيقة هي
الوجه الآخر للصورة التي سيتمثلها عنا الآخر في الذهن والذاكرة والفضاءات العامة
والخاصة التي بصمناها بحضورنا الرمزي والوجودي الجميل وبمرورنا اليومي تلك البصمة
الصورة التي ستستمر من رحيلنا إلى ما لانهاية .. ذاك في رأيي هو الوجود الحقيقي
وليس هذا الوجود الزائف .. العابر .. المخادع .
قبل أن يرحل عنا المفكر محمد أديب السلاوي
مساء ذلك الأربعاء ضرب معي موعدا افتراضيا صباح ذلك اليوم حاملا في يده كلمته
الأخيرة على الساعة العاشرة واثنان وثلاثون دقيقة .. لعلها كانت مقالته الأخيرة
التي حملها رسالته الكونية موسومة ب (هل تصل أمريكا إلى
لقاح يحكم العالم ؟ )
لم تكن علاقتي بالفقيد محمد أديب السلاوي علاقة عن قرب يومي في مقاهي
الرباط أو حدائقها أو شوارعها الفسيحة ولا في طنجة العالية حيث يقضي الأصياف هناك بل
كانت علاقة ثقافية عن بعد وثيق أكثر من قرب أحدنا للآخر..
كان اسمه يتردد في الفضاءات الثقافية والفكرية منذ اختار الطريق الصعب أواخر
الخمسينات من القرن الماضي من فاس إلى الدار البيضاء وهو مفتون بممارسة المسرح قبل
أن يعرج على شارع الصحافة بمساعدة الصحفي والشاعر الفذ محمد بنيحيى الملقب بمحمد
الطنجاوي .
هكذا انحاز لمهنة المتاعب بإنجاز أول تحقيق صحفي عن معضلة الشغل في مدينة
الدار البيضاء بتكليف من محمد الطنجاوي وهو التحقيق الذي شكل أول مادة صحفية
تنشرها الجريدة موقعة باسمه.
ستة عقود مرت كلمح البصر غير أنها شكلت ستون سنة من العطاء تكللت بإصداره لما
يناهز خمسين كتابا في ضروب الأدب والنقد والصحافة والمسرح والتشكيل ..إلخ
أذكر جيدا ذلك اليوم الناتئ في ذاكرتي والذي فاجأني فيه صوت الفقيد عبر
الهاتف الجوال .. كانت أول مكالمة بيننا حيث تحدثنا أساسا حول رغبته في تحويل بعض
كتبه الورقية إلى كتب إلكترونية .. كانت تلك المكالمة إيذانا برغبة الأديب في ولوج
عالم النشر الإلكتروني ودخول المنصات الرقمية التي شرعت تفتح آفاق رحبة للتواصل
بين الكتاب والمتلقين .
هذه المكالمة أثمرت ستة كتب إلكترونية هي : 1 مذكرات محمد أديب السلاوي 2 الحكومة
والأزمة من يقود من ؟ 3 السلطة المخزنية تراكمات أسئلة 4 أوراق خارج الأقواس 5 أوراق
خارج الأقواس الجزء الثاني 6 حوارات ثقافية وسياسية .
قبل سنوات قليلة التقينا في موعد مسائي جميل جدا في إحدى مقاهي مدينة فاس
حيث عاد أديب إلى مدينة الصبا .. حدثنا عن أسرار وخبايا دروب العدوتين .. وتاه بنا
الحديث تلقائيا لننبش عميقا وبأدب في السيرة الذاتية والفنية لعديد من الأدباء
والفنانين الذي انطلقوا من مدينة فاس إلى مدن البيضاء والرباط ومراكش باحثين عن
آفاق الشهرة في المسرح والغناء على الخصوص وكانت تلك هي الكوكبة الأولى من جيل
الشباب الذي سيغمر الثقافة والفن بالمغرب بعد الاستقلال بعطاءات وإنجازات جميلة
جدا ووازنة ومشرفة للثقافة المغربية أمام نظيرتها في المشرق العربي .
أخيرا تجدرالإشارة إلى أنني أنجزت حوارين مع الراحل أديب أولهما حوار مفتوح
خاص بمجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة وثانيهما خاص بمناسبة تأسيس مؤسسة محمد
أديب السلاوي للثقافة والمسرح التي نتطلع إلى أن ترى النور في القريب العاجل .
أكتفي بهذه النثارة من الكلمات تأبينا لفقيدنا محمد أديب السلاوي تغمده
الله بواسع رحمته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق