الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، نوفمبر 13، 2023

قصة قصيرة "في قاعة الانتظار" (4) عبده حقي

في غرفة الانتظار، انكشف بداخلي استفسار صامت، سؤال يردد صدى جوهر الوجود. لماذا يجب أن أكون مثل البشر، أو مثل نفسي، أو أي شخص على الإطلاق؟ ما هي الخيوط المشتركة التي تربطنا ببعضنا البعض – الأحذية، والأيدي، والجرس العائلي الذي يقبع في حلقي، وحتى مجلة ناشيونال جيوغرافيك بصورها المؤرقة – التي تربطنا كمجموعة واحدة أو تفرقنا في نسيج الإنسانية الواسع؟

وجدت نفسي أفكر في التعقيدات التي تربطنا أو تفرقنا. الأحذية، كل واحدة منها فريدة من نوعها في جرجرها وتجاعيدها، تحمل قصصًا لا توصف، وتجتاز بصمت مساراتها الخاصة عبر رحلات الحياة المتعرجة. الأيدي، المتفاوتة في الحجم، في الخطوط المحفورة عبر الزمن، في القصص التي يمكن أن ترويها أو تخفيها، تشهد على روايات فردية، متشابكة ولكنها متميزة. وذلك الصدى المألوف، صدى صوت عائلتي الساكن في كياني، ساهم في سد الفجوة بين الألفة ولغز الذات.

صفحات مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وهي بوابة لعجائب وأهوال العالم، أسرت انتباهي. لقد انجذبت إلى الصور المؤرقة، مثل تلك الصدور المروعة والمترهلة، والتي تمثل تناقضًا صارخًا مع المناظر الطبيعية المهيبة وجاذبية المجهول. همست هذه الصور عن واقع يتجاوز المألوف، وحثتني على مواجهة جوانب الوجود التي لا يمكن تفسيرها، تلك الجوانب التي جعلت نسيج الواقع أكثر تعقيدًا وإرباكًا.

ما الذي وحدنا؟ ما الذي حدّد إنسانيتنا المشتركة، ووجودنا المتبادل في هذه اللحظة العابرة؟ لقد تصارعت مع هذه الأسئلة، وتعمقت في لغز الوحدة والفردية. كانت الغرفة عبارة عن فسيفساء من الأفراد الذين يرتبطون بمجرد حقيقة وجودهم، وتضم عددًا كبيرًا من القصص والصور في نسيج الحياة، كل منها يساهم بصبغة على القماش الجماعي.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الترابط، ظل هناك شعور عميق بالآخر. كيف كنت هنا، بينهم، أشارك في التجربة الإنسانية المشتركة، ومع ذلك أشعر بالفجوة التي تفصلني عن الآخرين في الغرفة؟ لم أكن أمتلك الكلمات التي تعبر عن عمق هذا الإحساس، مفهوم "غير محتمل" الذي تردد صداه في أعماق أفكاري.

وفي وسط تأملاتي، صرخة اخترقت الهواء، صرخة تحمل احتمال التصعيد، أن يعم الظلام الغرفة، لكنه لم يحدث. كانت الصرخة بمثابة نغمة متنافرة في سيمفونية غرفة الانتظار، مما أدى إلى تعطيل التوازن، ولكنه أيضًا تذكير صارخ بعدم القدرة على التنبؤ بالوجود.

لقد كنت مربوطًا بهذا العالم بخيط غير مرئي، مراقب عالق بين المألوف وغير المألوف. كانت الصرخة، وهي اضطراب غير متوقع، بمثابة حافز، حيث أثارت مشهدًا من المشاعر والأفكار بداخلي. لقد كانت لمحة عن هشاشة الحياة، وتذكيرًا بأن إنسانيتنا المشتركة كانت عبارة عن توازن دقيق بين النظام والفوضى، بين ما هو عادي وما هو غير متوقع.

وبينما كنت أتعامل مع هذه التأملات، أدركت أن غرفة الانتظار كانت أكثر من مجرد مساحة مادية. لقد كان ملتقى للقصص، وعالمًا مصغرًا تتقاطع فيه وتتباعد خيوط الوجود الإنساني، مما يخلق نسيجًا منسوجًا بتعقيدات تجربتنا المشتركة.

وفي النهاية، أصبحت الغرفة لوحة من المفارقات، وسيمفونية من الإنسانية المشتركة التي تتناقض مع الألغاز الفردية التي تميزنا. وقفت على عتبة الفهم، محصورًا بين الرغبة في حل لغز وحدتنا وقبول الجوانب غير المحتملة والمجهولة التي جعلت وجودنا معقدًا بشكل جميل للغاية ولا يمكن تفسيره بشكل عجيب.

في غرفة الانتظار، كان هناك سطوع شامل يملأ المكان، ويبعث دفءًا مريحًا ممزوجًا بإحساس غريب بالاختناق. كان الهواء معلقًا ثقيلًا بالترقب، جوًا ثقيلًا يلفني مثل موجة سوداء كثيفة، تتحطم وتنحسر، لتعود بقوة لا هوادة فيها. لقد كانت رقصة من التناقضات - الإنارة، والدفء القمعي، وموجة الظلام المزعجة التي تسعى إلى الدخول، بالتناوب في إيقاع ساحر ومربك.

وجدت نفسي منغمسًا في مد وجزر غريبين، أتأرجح بين هذه الأحاسيس المتضاربة، كما لو أن الغرفة نفسها كانت انعكاسًا للاضطراب الذي بداخلها. موجات الظلام المستمرة، المجازية والملموسة، رسمت صورة من عدم اليقين لم أستطع التخلص منها. يبدو أن كل موجة تحمل عبئًا، ثقلًا خاصًا بها، وتصطدم بشواطئ وعيي، فقط لتتراجع وتكشف عن طبقة أخرى من المجهول.

في هذه الأجواء المتناقضة، انجرف عقلي إلى عالم آخر - عالم ينشأ فيه نوع مختلف من الاضطرابات، عالم غارق في صراع الحرب. ترددت أصداء الصراع في أفكاري، بعيدة لكنها حاضرة دائمًا. قدمت غرفة الانتظار، بأضواء الفلورسنت الوامضة والدفء الخانق، تناقضًا صارخًا مع المناظر الطبيعية المقفرة التي تسودها الفوضى والمعركة.

في الخارج، خلف حدود غرفة الانتظار وهو مزيج من الصقيع والذوبان، همس بحكايات عن عناق هذا الموسم المخيف. كان ذلك اليوم الخامس، ولم يتسم بمرور الوقت فحسب، بل بثقل ملموس يكسو المدينة، ثقل ولد من القدرة على التحمل والمرونة وسط العناصر القاسية.

لقد رسم التقاء قلقي الداخلي والفوضى الخارجية لوحة سريالية داخل حدود هذه الغرفة. كان الدفء الذي يحيط بي بمثابة تناقض صارخ مع البرد المر في الخارج. كانت الغرفة ملاذًا، وملاذًا حيث يبدو أن الوقت يمتد، ولكن في العالم الآخر، كان الوقت يسير بلا هوادة إلى الأمام، ويكشف كل يوم عن فصل جديد في الملحمة المستمرة من النضال والبقاء.

يتبع


0 التعليقات: