الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، نوفمبر 15، 2023

نص سردي "أنزف شعرا" عبده حقي


من أجل أطفال غزة أنزف شعرا. تنسكب كل قطرة من جوهري على القماش الفارغ، لتكون شهادة على القصص غير المكتوبة التي لا تزال قائمة في ظلال الصراع.

في هيبة عزلتي، أكتب بالدم أسطورتي الشائخة. قصة محفورة في التجاعيد وتردد صداها في العظام الهشة لأولئك الذين نجوا من عواصف الزمن. سطرًا تلو الآخر، في المساء والصباح، يعكس إيقاع كلماتي إيقاع مسيرة الحياة التي لا هوادة فيها إلى الأمام. في سيمفونية الوجود هذه، أجد نفسي متشابكاً مع مصير الأبرياء، إنهم أطفال غزة.

جرح، جرح مؤلم، ألحقه بالصفحات وأنا أروي قصة طفل. طفل يحمل صدره ندوب عالم لا يبالي بالبراءة. لقد رفض، في سنوات شبابه، الاستهانة بجلاده ولو للحظة واحدة. ونظرته، رغم أنها كانت مثقلة بثقل الحزن، ظلت ثابتة، متحدية في وجه الشدائد. أرى في عينيه المرونة التي ترفض الاستسلام، وتصر على التمسك بشريحة من الإنسانية.

مع كل ضربة من فرشاة قلمي، أقسم بالله، قسمًا مقدسًا يتردد صداه في مساحة اليأس الشاسعة، أنهم لن يمروا من أجل أطفال غزة. صرخاتهم تصبح الحبر الذي يغذي حكايتي، وأحلامهم، المحطمة والمتحدية، تصبح النسيج الذي أطرز عليه أشعاري. أحفر في بحرها، تنقيباً مجازياً للأصوات الدفينة التي يتردد صداها تحت تضاريس الألم.

أخضر، أحمر وأسود حراس الأرض والبحر الرمزيون، يقفون كبطاقة ذاكرة تتوج مجد الطفولة . ضحكاتهم، كأصداء حقبة ماضية، يتردد صداها عبر الشواطئ والأعماق الزرقاء. لكن هذه الذكريات لم تسلم من الواقع المرير الذي يخيم على الأفق. لقد أصبحت الألوان هم الأوصياء والشهود على رواية ملطخة بدماء الصراع.

في وجه الذين ذبحوا براءة الأرض أصرخ بصوت يتصاعد من أعماق روحي. السلام على قاهري الظلم، كلماتي نداء لتحرير شعب مغلول بقيود الصراع. في سيمفونية المعاناة، أشتاق إلى ذروة السلام، حيث تطغى تهويدة الهدوء على نشاز الحرب.

وأنا أنزف الشعر لأطفال غزة، يصبح قلمي سفينة أمل تبحر في محيطات اليأس الهائجة. ومن خلال قوة الكلمات، أسعى جاهدًا لتحويل الألم إلى منارة للمرونة، وإلقاء الضوء على الروح التي لا تقهر والتي ترفض أن تنطفئ. حبر روحي، قربان متواضع، يلطخ الرق في السعي وراء قصة ينتصر فيها السلام على أصداء الحرب.

0 التعليقات: