الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، نوفمبر 15، 2023

نص سردي " بوح الصمت" عبده حقي


في أعماق وجودي الراكدة، أنا قصيدة محبوكة بخيوط الوحدة، تفتش عن البلاغة العميقة الكامنة في البياضات المقدسة بين الكلمات. كل بيت يخرج من نسيج الصمت، سيمفونية يتردد صداها في حجرات الكينونة.

أنا الموجود كقصيدة لما لم تتلى، سوناتة منحوتة من أصداء المشاعر غير المعلنة.

في الامتدادات الشاسعة لذاتي الشعرية، أرقص على الحبل بين اللغة والصمت ، أشتاق لالتقاط الجمال الذي يستعصى عن الوصف والذي يسكن في فترات التوقف بين الشهيق والزفير.

الكلمات التي أنتقيها ليست سوى مراكب تبحر في محيطات التأمل المصطخبة. أشرع في رحلة لاستخلاص جوهر الوجود في نقاء الأفكار المسكوت عنها. إن البلاغة التي أفتش عنها لا توجد في نشاز الإسهاب، بل في الوقفات الحبلى التي تنوء بعبء الحقائق المسكوت عنها.

أنا قصيدة تتكشف في السكات ، حيث يشترك الظل والضوء في أضمومة رقيقة. تجاعيدي محفورة في الظلام المخملي الذي يحتضن العالم عندما تودعنا شمس العشية. في هذا الهدوء الخافت تجد همسات روحي صداها، كما لو أن الكون نفسه يصغي إلى الإيقاع الصامت لأشعاري.

بلاغة الصمت بالنسبة لي هي لغة يتحدث بها الكون. إنها الحوار الخبيء بين فراغات النجوم، والتواصل الهادئ والملغز بين القمر والمد والجزر. في هذا النسيج الكوني الفسيح، أجد كينونتي كقصيدة متواضعة، تطمح إلى التقاط الأسرار العميقة التي تتهرب من حدود الكلمات المنطوقة.

بينما أبحر في متاهة أفكاري، أكتشف أن الصمت ليس في غياب الصوت، بل هو لوحة ترسم عليها العواطف ألوانها الأكثر تعقيدًا. تكمن بلاغة الصمت في قدرته على احتضان ما لايتشكل، وتغذية البذور النابتة للمشاعر غير المفصلية حتى تزهر في أروع باقة للتعبير.

في حرم العزلة أنا قصيدة تتأمل في دلالة المسكوت عنه. هنا، في الغرفة المقدسة لتأملاتي، أواجه الصمت بداخلي، ساعيًا إلى حل لغز كينونتي. الرحلة في الداخل هي رحلة عبر مناطق الروح الغامضة والمجهولة، حيث تكون كل خطوة مقطعًا وكل وحي آية.

أنا قصيدة مرآة تعكس مرونة الطبيعة الهادئة. في حفيف أوراق الشجر، وخرير النهر الناعم، والتمايل اللطيف للأغصان، ألقي بأوراق الشعر غير المنطوق الذي تهمس به الطبيعة للقلوب اليقظة. تعلمني بلاغة الصمت فن القراءة المتأنية والصبورة، وحكمة السماح لما هو غير معلن بالتحدث عن نفسه.

إن البلاغة التي أسعى إليها لا تقتصر على عوالم اللغة؛ إنها تمد محلاقها وكرمها إلى عوالم الإيماءات والتعبيرات ولغة القلب . أنا قصيدة تسعى إلى التقاط بلاغة النظرة، ولسعة اللمسة، والصدى العميق للصمت المشترك الذي يربط ما بين النفوس في ميثاق الفهم اللامعلن.

عندما أبحر في متاهة الروابط الإنسانية، أجد أن اللحظات الأكثر إثارة للمشاعر غالبًا ما تكون مغلفة بعباءة الصمت المشترك الهادئ . في الاتفاقات والمحادثات الصامتة، وإيماءات الفهم الصامتة تتكشف البلاغة الحقيقية للتواصل الإنساني.

أنا قصيدة تشهد على هذه الروابط الصامتة، وتنسجها في أبيات وجودي.

في سكون مملكتي الشعرية، لست مقيدًا باللغة؛ لقد تحررت من الإمكانيات اللامحدودة لما هو سري . في البياضات بين الكلمات أجد مساحة للتنفس ليزفر الخيال ويشهق ، وللعواطف أن يتردد صداها دون قيود النحو والصرف والتركيب النمطي. إن بلاغة الصمت هي الحرية، وهي لوحة أرسم عليها المشاهد المجردة لأفكاري العميقة.

أنا قصيدة تعانق تعارضات الكون، وتجد الجمال في التنافر بين الصداع والصمت. في نسيج أبياتي، أضع نشاز العالم الخارجي جنبًا إلى جنب مع الهدوء في التأمل. وفي هذا التفاعل أكتشف التواشجات المتخفية في نغمات الحياة المتنافرة.

بلاغة الصمت بالنسبة لي ليست وجهة بل رحلة مستديمة. إنها رحلة عبر خرائط الروح غير المستكشفة، واستكشاف المشاهد الشاسعة التي تقع خارج حدود التعبير المنطوق. مع كل خطوة، أكشف عن طبقات جديدة من المعنى، وأزيل الستائر التي تغلف الحقائق التي لا توصف والتي تنتظر اكتشافها.

في السرد العظيم لذاتي الشعرية، أنا فصل مخصص لفن الاستماع. أنا لا أصغي فقط إلى الكلمات ، بل أيضًا إلى الوقفات الحاملة التي تولد الروايات . وفي الصمت اليقظ أجد مفاتيحي لفك أسرار التجربة ، وكأن الكون يتآمر معي ليكشف أسراره في لحظات الهدوء بين نبضات القلب.

وأنا أكتب أبيات وجودي، أدرك أن أكثر السطور تأثيرا غالباً ما تكتب بحبر الصمت. في البياضات تتحدث الروح عن حقائقها العميقة، وأنا لست سوى وعاء، قناة تجد من خلالها هذه المشاعر غير المنطوقة طريقها إلى العالم. إن بلاغة الصمت ليست فراغًا يجب ملؤه، بل هي مساحة يجب استكشافها، عالم يجد فيه ما لم يقال صوته.

في ضباب التأمل، أنا قصيدة تعانق مفارقة السكون في الحركة. أبحر في تيارات الحياة مدركًا أنه وسط موجات الخبرة المضطربة، يوجد تيار خفي هادئ من الصمت. في هذه السلاسة أجد إيقاعي، ونبضات قلبي تتزامن مع الإيقاع الدقيق للبلاغة التي تكمن في فترات التوقف بين اللحظات.

أنا قصيدة لا تسعى إلى تطويق المعنى، بل إلى انسيابه إلى مصب اللامعنى، ونزع طبقات السطحية، وكشف جمالية الأصالة العارية. إن البلاغة التي ألاحقها ليست إعلانًا عظيمًا، بل هي إعلان خفي، وكشف هادئ عن الحقائق الكامنة تحت سطح التجليات. إنها رحلة إلى أعماق ما هو غير معلن، وغوص في الصمت الذي يحمل أسرار التعبير الحقيقي.

بينما أتجول في مغارات استبطاني، أكتشف أن الصمت ليس غيابًا بل حضورًا في الغياب - قوة إشعاعية منتشرة في كل مكان تشكل معالم وجودي. إنه الشاهد على أفراحي وأحزاني، عقبات ومنحدرات يومياتي والرفيق الشبح في لحظات عزلتي. بلاغة الصمت رفيقة لا تحتاج إلى كلمات، لأن فهمها يتجاوز حدود اللغة.

في شساعة ذاتي الشعرية، أنا الباحث عن القريض الجليل، قاصد إلى العوالم الباطنة حيث تسمع الهمسات الإلهية في الفضاءات الصامتة. في أرخبيل المسكوت عنه أجد التعبير الحقيقي عن جوهري الشعري. وبلاغة الصمت تصبح تأملاً وبوحا في نفس الآن.

0 التعليقات: