الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، نوفمبر 04، 2023

نص سردي "ترياق الخوخ" عبده حقي


أسطورة تتجاوز المألوف وتتكشف في مشهد سريالي. تصور أيها القارئ الكريم عالمًا يتجسد فيه جوهر الشفاء من خلال ثمرة الخوخ اللذيذة. إنها ليست مجرد ثمرة، بل هي مبعوث سماوي للحيوية والتجديد.

يظهر الخوخ هنا كرمز سماوي، حيث يجسد لبه الرقيق جوهر الشباب. إنها ليست الفاكهة وحدها، ولكنها استعارة للشفاء في أنقى صوره. البساتين الأثيرية، المزينة بهذا الدراق المعجزة، تضفي هالة من السمو. تشع كل حبة خوخ بريقًا من عالم آخر، وتنبعث منها طاقة علاجية ونبضة متموجة من التنشيط.

من بلاد راسو، وهي أرض تكتنفها الألغاز ، أصيبت بالضيق الذي يبدو أنه يتسرب إلى نسيج وجودها. كان هناك شعور منتشر بالخراب يحوم فوق مملكتها، وهو مرض غامض استعصى على العلاجات التقليدية. ومع ذلك، تقول الأسطورة أنه في قلب البساتين السماوية، يوجد الترياق - الجوهر العلاجي للخوخ الغامض.

كان الخوخ شفاء؛ تعويذة تردد صداها في الوعي الجماعي لسكان بلاد راسو. لقد كانت تعويذة يتردد صداها عبر الوديان، وتهمس في مهب الريح، وتنطبع في أحلام المنكوبين. أصبح الإيمان بالقوة الاستثنائية للخوخ بمثابة ضوء مرشد في الظلام الذي كان يلوح في الأفق فوق أرض راسو.

انطلق سكان هذا العالم في رحلة، ليس فقط في العالم المادي، بل عبر الممرات والمتاهات لوعيهم الخاص. لم يسعوا فقط إلى الحصول على الفاكهة، بل إلى فهم أعمق للقوى الكونية التي تحكم طاقات الشفاء. لم يكن سعيهم يتعلق فقط بإيجاد العلاج؛ لقد كانت رحلة إلى مناطق مجهولة لمعتقداتهم وتصوراتهم.

قادت رحلة تسخير قوى الخوخ العلاجية الباحثين عبر عدد لا يحصى من المناظر الطبيعية. لقد اجتازوا الغابات الكثيفة، حيث تهمس الأشجار بالأسرار القديمة والألغاز الغامضة بلغة لا تفهمها إلا الروح. كانت الأنهار تتعرج عبر الوديان، حاملة معها أغاني العصور المنسية، وكل نغمة تردد صدى الوعد بالاستعادة.

واجه الباحثون كائنات غرائبية - حراس الحكمة السماوية - الذين كشفوا النقاب عن رسائل غامضة وقدموا إرشادات مبهمة. كانت هذه الكيانات الطيفية موجودة على حافة الهاوية، وكانت بمثابة أوصياء على المعرفة الكونية التي يسعى إليها الباحثون.

وفي خضم سعيهم هذا ، غاص الباحثون في أعماق ذواتهم، وواجهوا الشكوك وانعدام الأمن. لقد أدركوا أن الشفاء الذي ينشدونه لم يكن خارجيًا فحسب؛ لقد كان تكاملًا بين العقل والجسد والروح. لم يكن الخوخ مجرد فاكهة، بل كان حافزًا للتحول الداخلي، وكناية عن الإمكانات الكامنة داخل كل فرد.

عندما غامر الباحثون بالتعمق في قلب بلاد راسو، تردد صدى وعيهم الجماعي بتردد متناغم. لم تكن القوى العلاجية للخوخ مجرد علاج للأمراض الجسدية لسكان الأرض، بل كانت حافزًا للصحوة الجماعية وهي نهضة روحية احتضنت الوحدة والتعاطف والتفاهم.

وفي تصعيد آخر ، وصل الباحثون إلى قلب البساتين السماوية، حيث ينبض جوهر الخوخ بتوهج أثيري. لقد أدركوا أن علاج سكان بلاد راسو لا يكمن في مجرد استهلاك الفاكهة ولكن في فهم أن الشفاء كان عبارة عن تقارب في الاعتقاد والنية والتوافق المتناغم مع قوى الكون.

كن الخوخ وكان الشفاءً، تعويذة تجاوزت حدود اللغة والثقافة والإدراك. لم يكن مجرد بيان. لقد كانت فلسفة - تذكير بأن داخل كل كائن تكمن إمكانية الشفاء والتحول والتجديد.

عندما عاد الباحثون إلى عالم الحياة اليومية، لم يحملوا معهم فقط الخوخ السماوي، بل حملوا معهم إدراكًا عميقًا. لقد فهموا أن العلاج الحقيقي لبلاد راسو - وفي الواقع، لجميع الآلام - يكمن في الاستعداد لاحتضان المعجزات، والإيمان بما هو استثنائي، وأن يكون تجسيدًا للشفاء نفسه.

0 التعليقات: