الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، نوفمبر 06، 2023

نص سردي "أسوار وأقفال" عبده حقي


حبيبتي أكتب لك في ظلمة السجن والعزلة هذا. المكان الذي يمتد فيه الوقت مثل مرض عضال، حيث تبدو كل ثانية وكأنها الأبدية. يبدو أن الجدران الباردة التي لا يمكن اختراقها لا تطفئ ضوء النهار فحسب، بل تطفئ أيضًا الأمل الذي أشرق في قلبينا ذات يوم.

في هذا السجن تصبح الذكريات رفاقي الوحيدين. أتذكر كل ومضة من ابتسامتك، وكل صدى لصوتك الذي يتردد مثل لحن ساحر في ذهني. هذه الذكريات هي مثل شظايا الحرية، نجوم بعيدة في سماء أظلمها غياب أنفاسك.

السجن هو أكثر بكثير من مجرد سياج بسيط من القضبان والأقفال الصارمة. إنه ألم يلحق بالروح، جملة تبعدني عنك، عن حياتنا، عن أحلامنا المشتركة. إنه مثل مرض عضال، تدهور بطيء للعقل والقلب، وألم مزمن ينهك كل جزء من كياني.

أشعر كل يوم بقضمة الوقت، برتابة الساعات التي تمتد إلى ما لا نهاية. تصبح أصوات السجن نشازاً خانقاً، لكن في وسط هذه الفوضى، أتشبث بطيفك. أنت ملجأي، نوري في هذه الظلمة، قوتي في هذا الوهن القهري.

حتى في هذا الجحيم، هناك لحظات من الهدوء يتجول فيها ذهني إلى أراضٍ بعيدة، حيث الحرية ليست حلمًا بعيدًا، بل حقيقة ملموسة. أضيع في أفكاري نحن الاثنين، أحرارًا كالطيور تحلق فوق الآفاق اللامتناهية، بعيدًا عن هذا السجن الذي يحتجزني.

تصبح الأحلام هي فراري، وسيلة للسفر إليك، لأشعر مرة أخرى بدفء حضنك، وحلاوة كلماتك التي تهمس في أذني. إنني أتشبث بهذه الأحلام مثلما يتمسك رجل غريق بقشة في عاصفة بحرية ، على أمل أن تتحقق هذه الأفكار في يوم من الأيام.

إن عزلتي ساحقة في بعض الأحيان. لكني أعزي نفسي بالتفكير بأن حبنا أقوى من هذه الجدران السميكة التي تحاول أن تفرقنا. إنه يضيء مثل منارة في وسط المحيط، ويظهر لي الطريق الذي يجب أن أتبعه للعثور على سعادتنا.

تمر الأيام، وكل شروق وغروب للشمس يحمل معه الأمل الهش بحريتي، ولم الشمل الذي طال انتظاره. أتخيلك هناك، على الجانب الآخر من هذه الجدران، تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي نلتقي فيه أخيرًا، عندما تحل الحرية محل الأسر، عندما تنبض قلوبنا بانسجام مرة أخرى.

في لحظات الانتظار هذه، والصبر القسري، أدركت مدى متانة حبنا. إنه يقاوم اختبار الزمن، والانفصال القهري، مثل شجرة قوية تتحدى أعتى العواصف. حبنا هو عزاء وبلسم لجراح هذا السجن الظالم.

كل كلمة أكتبها، كل فكرة أصوغها، مشبعة بجوهرك. أنت ملهمتي، وسبب بقائي متفائلاً، حتى عندما يهدد الظلام بابتلاعي.

السجن، رغم قسوته، لا يستطيع أن يدمر حبنا. فهو يتجاوز الحدود المادية، ويتغذى بالذكريات والوعود والأمل. نحن مرتبطان برباط لا ينفصم، رابط يتحدى الحواجز المادية.

مع كل نبضة من قلبي، أعلم أنك هناك، في مكان ما، تنتظر مثلي، تنتظر اليوم الذي يمكننا فيه أخيرًا أن نصبح أحرارًا، عندما ينتصر حبنا على هذه المحنة، عندما نجتمع مرة أخرى، يدا بيد يد، يد، حرة لنعيش حبنا دون عائق.

يمكن أن يكون السجن مثل مرض عضال، لكن حبنا هو العلاج، الشفاء الذي سيتغلب على كل العقبات، حتى تلك التي لا يمكن التغلب عليها.

أحبك يا حبيبتي، وفي هذا الحب أجد القوة للمقاومة، وللأمل والإيمان بغد أفضل، حيث سنجتمع أخيرًا، أحرارًا لنعيش حبنا دون أي عائق.

0 التعليقات: