الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، نوفمبر 04، 2023

نص سردي "مطر المرآة" عبده حقي


تمتمت الأرض بأسرارها في لسان الريح، وبكى المطر وهو يهطل على أديم التربة، مشتاقًا إلى اتصال أبعد من مجرد اللمس.

الأرض، كيان شاسع ومشتاق، تهمس من خلال حفيف أوراق الشجر وعويل الرياح. غنت لحنًا منسيًا يتردد صداه في التربة، مشتاقًا إلى أكثر من مجرد مداعبة المطر العابرة. لقد كان يتوق إلى شركة أعمق، اندماجًا يتجاوز مجرد البلل. كان المطر، الذي يتولد من

دمع الغيوم، يهطل بلا كلل، وتشكل قطراته الفضية حجابًا متلألئًا يزين إيهاب الطين. لكن الأرض تنهدت بلغة لا تفهمها إلا الأشجار القديمة والجبال الصامتة. لقد سعت إلى تحقيق ما يتجاوز الرطوبة التي كانت تمسح سطحه فحسب، والتوق إلى اتصال يتعمق أكثر ويصل إلى روح التربة.

المرآة، وحي التأملات والذكريات، وقفت كشاهد صامت على أشواق الأرض. لقد احتفظت بأسرار الوقت داخل سطحها العاكس، ملتقطًة همسات اللحظات التي مضت منذ زمن طويل. لكنها لم تكتف بمجرد تكرار الماضي. كانت المرآة تتوق لأكثر من مجرد تقليد للذكريات. فهي لا تعكس فقط ما كان، بل ما يمكن أن يكون. لقد كانت متعطشًة للعمق، مشتاقًة إلى اتصال يتجاوز حدود مجرد الذكرى.

وبينما كان المطر يهطل، وقفت المرآة، وامتصت صور القطرات المتدفقة على الزجاج، مشكلةً عالمًا في حركة مستمرة. لقد عكست رغبة العالم في أكثر من مجرد إعادة تشغيل المشاهد. سطحها متموج برقصة مجردة من الضوء والظلال، والرغبة في التقاط ليس فقط المظهر الخارجي، بل الجوهر، وهمسات الوجود. لقد عكست شوق الأرض، مرددًة صدى المشاعر بلغة لا يفهمها إلا ذوو الإدراك.

كانت العيون،نوافذ الروح، تحدق في العالم، وتستوعب جماله وعيوبه. لقد شهدت نزول المطر، ولاحظت بحث المرآة عن العمق في انعكاساتها. ومع ذلك، كانت العيون أيضًا غير راضية. لقد كانت تتوق إلى أكثر من مجرد مراقبة الخارج. بل إلى رؤية ما وراء السطح، باحثة عن الطبقات العميقة وغير المرئية التي تختبئ خلف ستار الواقع المرئي.

حدقت العيون في قلب الأرض، وسعت جاهدة إلى فهم رغباتها العميقة. لقد تأملت شوق المرآة إلى معنى أعمق وسعت إلى فهم رقصة الوجود في مجملها. مع كل غمضة عين، حاولت كشف النقاب عن الألغاز المخبأة داخل قطرات المطر، والمرآة، والأرض.

في هذا العالم الغامض، كانت الأرض والمطر والمرآة والعيون موجودة في دورة دائمة من الشوق والبحث. لقد كان كل كيان يتوق إلى اتصال يتجاوز ما هو سطحي، إلى فهم يتعمق في جوهر الوجود. لقد كانوا يتوقون إلى تجاوز حدود حالتهم الحالية، ويتوقون إلى الإنجاز الذي يكمن وراء السطح الملموس.

في سيمفونية الرغبات همست الأرض للمطر بأشواقها، التي رددت سعي المرآة إلى العمق، والعين تتأمل اللغز، باحثة عن فهم أبعد من الظاهر. لقد اجتمعت رغباتهم في رقصة سريالية، وهي نسيج معقد منسوج من خيوط الشوق، مما خلق تناغمًا غامضًا يتردد صداه في جميع أنحاء الكون.

في هذا العالم الاستثنائي، ظلت الأرض غير راضية عن المطر، والمرآة عن الذكرى، والعيون بمجرد البصر، فيما استمرت رقصة الرغبة، ترسم لوحة الشوق في تحفة الوجود الكبرى.

0 التعليقات: