الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، يوليو 29، 2024

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التقارير الإخبارية التقليدية: (2) تحليل مقارن عبده حقي

الدور المتغير للصحفيين

الأدوار الصحفية التقليدية

تقليديًا، كانت الأدوار التي يؤديها الصحفيون تتضمن مجموعة متنوعة من المهام الأساسية التي تعتبر حجر الزاوية في مهنة الصحافة. كان الصحفيون يعملون كمحققين، يستقصون الحقائق والوقائع، ويجمعون المعلومات من مصادر متعددة للتحقق من صحة الأخبار قبل نشرها.

كانت هذه العملية تتطلب مهارات بحثية دقيقة وقدرة على التحقق من صحة المعلومات من خلال مصادر متعددة، مما يضمن أن الأخبار التي تصل إلى الجمهور دقيقة وموثوقة.

بالإضافة إلى دورهم كمحققين، كان الصحفيون يعملون كمحررين، حيث يقومون بصياغة الأخبار وتحريرها لتكون واضحة وقابلة للفهم، مع الالتزام بمعايير الجودة الصحفية. كان هذا يتضمن التأكد من أن المحتوى ليس فقط دقيقًا، بل أيضًا متوازنًا وغير متحيز، مع تقديم سياق شامل للأحداث لمساعدة الجمهور على فهم الأبعاد المختلفة للخبر.

كذلك، كان يُنظر إلى الصحفيين كحراس للبوابات الإعلامية، مسؤولين عن انتقاء الأخبار التي تستحق النشر وتصفيتها من الأخبار غير الموثوقة أو غير المهمة. كانوا يحددون الأجندة الإعلامية، مما يعني أنهم كانوا يتمتعون بسلطة كبيرة في تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاشات الاجتماعية والسياسية. هذه المسؤولية الكبيرة كانت تتطلب منهم الالتزام الصارم بالمبادئ الأخلاقية والتوجيهات المهنية، مثل النزاهة، والشفافية، والاستقلالية.

كانت المبادئ التوجيهية الأخلاقية جزءًا لا يتجزأ من عمل الصحفيين التقليديين. كان من المتوقع منهم الالتزام بمبادئ مثل الحقيقة والدقة، والتأكد من تقديم تقارير صادقة وموثوقة. كان عليهم تجنب التضليل والمبالغة، والحرص على تقديم معلومات يمكن التحقق منها. بالإضافة إلى ذلك، كان من المتوقع أن يحترموا خصوصية الأفراد وحقوقهم، وأن يتجنبوا تضارب المصالح.

كانت هذه الأدوار التقليدية تهدف إلى ضمان أن تكون المعلومات التي تصل إلى الجمهور عالية الجودة، موثوقة، وذات قيمة إخبارية. كانت الصحافة التقليدية تعتمد على هذه المبادئ لضمان الثقة بينها وبين الجمهور، مما يعزز من مصداقيتها كمصدر رئيسي للأخبار والمعلومات. في ظل هذه الأدوار، كان للصحفيين تأثير كبير على المجتمع وقدرة على توجيه الرأي العام والتأثير في السياسات والأحداث.

ديناميكيات جديدة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تطور دور الصحفيين بشكل كبير ليتلاءم مع متطلبات البيئة الرقمية المتسارعة. من المتوقع الآن من الصحفيين أن يكونوا أكثر تفاعلاً مع جمهورهم، حيث أصبحت العلاقة بين منتجي الأخبار والمستهلكين أكثر تشاركية. يتم ذلك من خلال التعليقات، والإعجابات، والمشاركات، والردود الفورية على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك. هذا التفاعل المباشر مع الجمهور لا يعزز فقط من الشفافية، بل يتيح أيضًا للصحفيين فهم اهتمامات القراء والاستجابة لها بشكل أكثر فاعلية.

بالإضافة إلى التفاعل مع الجمهور، يلعب الصحفيون الآن دورًا مهمًا في تنظيم المحتوى الذي ينتجه المستخدمون. مع الانتشار الواسع للهواتف الذكية والتقنيات الرقمية، أصبح الجمهور العادي مصدرًا مهمًا للأخبار والمعلومات، خاصة خلال الأحداث الجارية. يقوم الصحفيون بتحليل وتقييم المحتوى الذي يتم إنتاجه بواسطة الصحفيين المواطنين، ويتحققون من صحته قبل دمجه في تقاريرهم. هذا النوع من المحتوى يمكن أن يكون ذا قيمة كبيرة، حيث يقدم منظورًا أوليًا وفوريًا للأحداث.

تقديم التحديثات في الوقت الفعلي أصبح جزءًا لا يتجزأ من عمل الصحفيين في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن للأحداث أن تتطور بسرعة، ومن المهم للصحفيين تقديم تقارير آنية ومباشرة. هذا يتطلب قدرة على العمل بسرعة ودقة في نفس الوقت، وهو تحدٍ كبير مقارنة بالطرق التقليدية التي كانت تتطلب وقتًا أطول للتحقق من المعلومات وتحريرها قبل النشر.

كما أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الصحفيين المحترفين والصحفيين المواطنين. يمكن لأي شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا وإنترنت أن يصبح مراسلاً على الأرض، وغالبًا ما يكون الصحفيون المواطنون أول من ينشر القصص الإخبارية قبل وسائل الإعلام التقليدية. هذا التحول أتاح نوعًا أكثر تعاونًا وتشاركيًا من الصحافة، حيث يعمل المحترفون والمواطنون جنبًا إلى جنب في نشر الأخبار.

ومع ذلك، أثار هذا التحول مخاوف بشأن تآكل المعايير المهنية. فبينما يمكن للصحفيين المواطنين تقديم معلومات قيمة وسريعة، قد يفتقرون إلى التدريب الصحفي والمعرفة بالمبادئ الأخلاقية والمهنية التي يلتزم بها الصحفيون المحترفون. يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشر معلومات غير دقيقة أو مضللة، مما يؤثر على مصداقية الأخبار. لذا، يجب على الصحفيين المحترفين أن يبذلوا جهدًا إضافيًا للتحقق من المعلومات وتنظيم المحتوى بما يتوافق مع المعايير الصحفية العالية.

في النهاية، يجب أن يتكيف الصحفيون مع هذه الديناميكيات الجديدة وأن يجدوا توازنًا بين سرعة تقديم الأخبار والحفاظ على دقة المعلومات وجودتها.

تابع


0 التعليقات: