الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 07، 2024

"أصداء بعيدة في غرفة سرية" نص مفتوح : عبده حقي


يمور الكون بداخلي. في مكان ما تحت بشرتي، تتمدد دوامات الضوء، لا نهائية وتنطوي على نفسها، في نفس صامت. يسقط نجم واحد، أو ربما يرتفع - الجاذبية معلقة، والوقت منقسم مثل فاكهة لم يتذوقها أحد من قبل. أحاول أن أحتفظ بطعمها، لكن اللحظة تتسرب مني مثل الماء المغطى بأيدٍ ترفض أن تتذكر ما كانت عليه اللمسات ذات يوم.

باب لم يكن موجودًا قط ينفتح. أو ربما كان موجودًا دائمًا، ينتظر، مختبئًا بين الكلمات، بين الصمت. لا صرير للمفصلة. لا ريح تتحرك. ومع ذلك، ينفتح الباب، وخلفه يتحرك العالم داخل العالم ، ويمتد مثل مخلوق منسي يستيقظ من حلمه، محاصرًا بين جاذبية القمر ورنات أغنية بعيدة.

أقف على العتبة، لا في الداخل ولا في الخارج، معلقًا بين الظل والضوء. يضغط الوقت عليّ، كثيفًا، يتنفس، مثل ثقل المحيطات التي لا تلمس الأرض. تومض النجوم خلف عيني – وهناك رسل صامتون من أماكن لم أتخيلها بعد. تهمس الحقائق التي تذوب قبل أن تصل إلى أذني.

يرتفع سلم أمامي، ملتويًا، رغم أنني لا أجرؤ على لمسه، لأنه ليس من أي شيء ينتمي إلى قاموس الأسماء. إنه يتصاعد إلى أعلى، ثم إلى أسفل، أو ربما يدور إلى الداخل نحو مركز غير مرئي حيث تندمج كل الأشياء في واحد - في كل شيء، في لا شيء.

العالم الذي اعتقدت أنني أعرفه، العالم خارج هذه العتبة، ينهار في المسافات. يتحول إلى غبار وضوء، يدور بألوان لا أجد كلمات لوصفها. هنا، في هذه المساحة بين العوالم، تنحني السماء، وتتنفس الأرض ، وكل ما هو موجود، لم يعد موجودًا. ومع ذلك، فإن كل ما كان موجودًا، موجود هنا. يتلوى المستقبل مثل الدخان، متشبثًا بشكل لا يمكنه الاحتفاظ به، ينزلق، ويتراجع إلى حاضر لا وجود له إلا لأننا نقول إنه موجود.

أخطو إلى الأمام، أو ربما أخطو إلى الوراء ، إلى هذا العالم الذي لا يوجد إلا في اللحظة التي أختار فيها دخوله. يطن السلم، اهتزاز يسافر عبر شراييني، أو ما تبقى منها، وأشعر بجاذبية الأماكن التي لا اسم لها. نزول لا نهاية له، أو صعود، كل شيء هنا هو نفسه. الاتجاه خدعة، وهم منسوج من شبكة الزمن والمسافة. لكن هنا، لا الزمن ولا المكان يسيطران. يتلوى السلم مرة أخرى، وأنا أتبعه، لا أتسلق، ولا أسقط، بل أذوب في بطن الحلزون.

التناسخ - تتجول الكلمة في عروقي، ليس كصوت، بل كشعور، كذكرى. في مكان ما، كنت هنا من قبل، ومع ذلك أعلم أنني لن أعود أبدًا، لأنه لا عودة في هذا المكان. جسدي عبارة عن قفص من الدخان والمرايا ، يتحرك مع رياح الفكر. لقد تركته ورائي، أو تركني ورائي. ما تبقى هو شعور بانعدام الوزن، والحركة دون حركة.

ينادي طائر، رغم أنني لا أستطيع رؤيته . يخترق صراخه السكون، ولحظة أرى - بل أشعر - بمنظر طبيعي يتكشف تحتي. يمتد إلى الأبد، أفق من المياه المنعكسة والسموات المتصدعة . أفكر في المشي عليه، لكن قدمي لا تتحرك. بدلاً من ذلك، أطفو، محمولاً بشيء ليس هواءً ولا ضوءًا، بل شيء آخر، شيء غير معروف.

هناك مكان في البعيد، يتلألأ، ويغريني. جبل، أو ربما محيط ـ إنه يتحرك، ويعيد تشكيل نفسه باستمرار إلى شيء جديد، شيء قديم. أتجه نحوه، رغم أنني لا أتحرك. ثم، دون سابق إنذار، أجد نفسي هناك، واقفاً على حافة شيء شاسع، غير قابل للمعرفة. تنبض الأرض تحتي مثل إيقاع قلب ليس قلبي.

أتنفس بصعوبة، رغم أن رئتي لا تتسعان لجنون التنفس. الهواء هنا كثيف بالصمت، والأسرار تدور في الفراغات بين الكلمات. يناديني صوت ، خافت، بعيد، لكنه قريب للغاية حتى أنه يبدو وكأنه يأتي من الداخل. يتحدث برموز لا أستطيع فهمها، بلغة أقدم من النجوم.

يتلوى السلم مرة أخرى، فيتصاعد إلى أعلى، أو ربما إلى أسفل، وأتبعه، رغم أنني لا أتحرك. ينجرف جسدي، أو ما تبقى منه، مثل الدخان عبر عالم هو حلم وواقع في الوقت نفسه، حيث ينحني الوقت وينطوي المكان على نفسه. أجد نفسي محاصرًا بين اللحظات، وبين الأماكن، وبين الأفكار.

يظهر باب ، رغم أنني لا أراه. إنه ليس مفتوحًا ولا مغلقًا، ومع ذلك أمر من خلاله، إلى مكان مألوف وغريب في الوقت نفسه. الأرض تحتي صلبة، ومع ذلك تتحرك مع كل خطوة. السماء أعلاه لا نهاية لها، ومع ذلك أشعر أنها مقيدة، وكأنها تضغط علي، وتضغط على أنفاسي من رئتي.

أحاول أن أتذكر أين أنا، لكن الذكرى تتلاشى، مثل حلم يتلاشى في ضوء الصباح. أحاول الوصول إليه، لكن يداي لا تمسكان إلا الهواء. أنا تائه، ضائع في عالم ليس عالمي، لكنه يبدو أكثر واقعية من أي شيء عرفته على الإطلاق.

تنبض النجوم فوق رأسي، وأشعر بجاذبيتها. تهمس باسمي ، رغم أنني لا أستطيع سماعها. تتحدث عن أماكن لم أذهب إليها قط، وعن عوالم لم أكتشفها بعد. أشعر بنورها في داخلي، وللحظة، أشعر بانعدام الوزن، أتجول في الكون.

ثم، دون سابق إنذار، أسقط، أتدحرج عبر الفضاء، عبر الزمن، عبر ذكريات ليست لي. ترتفع الأرض لملاقاتي، لكنني لا أشعر بذلك. بدلاً من ذلك، أجد نفسي عالقًا، معلقًا بين العوالم، بين الأفكار، بين الأنفاس.

يتلوى السلم مرة أخرى، وأتبعه، رغم أنني لا أتحرك. يتلوى ويدور، ويقودني إلى عمق قلب هذا المكان الغريب الذي لا يمكن معرفته. يظهر باب ، رغم أنني لا أراه. إنه ليس مفتوحًا ولا مغلقًا، ومع ذلك أمر من خلاله، إلى مكان مألوف وغريب في الوقت نفسه.

الهواء هنا كثيف بالصمت، والأسرار تدور في الفراغات بين الكلمات. صوت يناديني ، خافت، بعيد، لكنه قريب جدًا لدرجة أنه يبدو وكأنه يأتي من الداخل. يتحدث برموز لا أستطيع فهمها، بلغة أقدم من النجوم.

يتلوى السلم مرة أخرى، فيتصاعد إلى أعلى، أو ربما إلى أسفل، وأتبعه، رغم أنني لا أتحرك. ينجرف جسدي، أو ما تبقى منه، مثل الدخان عبر عالم هو حلم وواقع في الوقت نفسه، حيث ينحني الوقت وينطوي المكان على نفسه. أجد نفسي محاصرًا بين اللحظات، وبين الأماكن، وبين الأفكار.

يظهر باب، رغم أنني لا أراه. إنه ليس مفتوحًا ولا مغلقًا، ومع ذلك أمر من خلاله إلى مكان مألوف وغريب في الوقت نفسه.

0 التعليقات: