الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 07، 2024

"أيها الحالمون أيقظوا أحلامكم" نص مفتوح : عبده حقي


أيها المتكئون على أهداب الحلم، حين تصبح الأصوات طيورا تتحدث،  أخبروا الغيوم أن الأرض لم تُخلق بعد

النجوم تُطوى في حرير الأفق،  والقمر مسافر في عروق الذاكرة. إني رأيتهم في حلم الضوء،  وأعينهم تُحاكي المرايا الصامتة،  عيون تراقب العرش المبنيّ من رماد الليل. 

رأيتهم يتكئون على الساعات كمن يحرّك الحجارة بأجنحة الصبر.  يا مَن صنعتم من الحلم كِساء، 

كيف أزلتم قشرة النوم عن جباهكم؟  كيف دلفتم من الباب الذي لا يرى؟

هنا، السيوف تلمع كألسنة المطر،  والريح تعزف لحنها في صدور العصافير،  لكن العيون تغفو فوق موجة النور. 

من يوقظ الأعمدة، في حلم الضوء،  يعلم أن الشمس لا تشرق من جهة،  ولا تهبط إلا كخيط من الأبدية.

في المرآة وجوهنا كالغيوم المتعبة،  تُشبه القلاع التي تنتظر الريح،  كعيني المسافر الضائع بين الحدود، 

يبحث عن أفق لا يُدركه. 

والحقيقة تغدو قمرًا خفيًّا،  يطير بين الأيدي الممدودة،  كلمّا اقتربنا منه، تراجع في مداراته السرية.

أيها الحالمون في غابات البصر،  أليست الأوراق الطائرة هي التي تُخبر الرياح بقصص الليل؟ 

أليس الحُلم هو ما يجعل النهار أكثر وضوحًا؟  يا مَن رأيتم الجدران تذوب كالصقيع،  كيف تخرجون من بين جفون الأرض؟

السماء تمشي بأقدام خفية،  تترقب أن تنزل في أعينكم.  وأما الأرواح فتتحرك كأنها دوائر من الغياب،  تُجيد الانحناء للغيم.  ولا شيء في الجوار إلا ظلال الألوان،  كالنوافذ التي تفتح طريقها دون مفاتيح.

أرى النوافذ تختبئ خلف الضوء،  تبحث عن أشجار تحلم بالسماء،  كما يحلم الليل بالنهار،  وكأن الشمس خُطّت بريشة من ألق لا يُرى.

كيف لهذا الحلم أن ينقلب مرآةً للحقائق؟  وكيف لهذا النور أن يكون طريقًا للسراب؟ 

أرى الطيور تهوي في أعماق العيون،  كأنها نوافذ مفتوحة على الليل.  ومَن رأى الحلم يُشبه الضوء،  أيقن أن الألوان لا تصنع الفجر.

حين توقظ الريح في أوعية الخيال،  يتحد الهواء بأوراق الزمن،  ويرحل الزمان بين يديك، كالماء بين الأصابع. 

أيها المسافرون بين ضوء وليل،  أين تكونون عندما تنطفئ الأنوار؟ يا مَن حلمتم بالضوء في يقظة السهاد،  قد تشرق النجوم في أعماقكم،  وقد تذوب الأقدار في سماءٍ معلّقة بين الوهم واليقين. 

هناك حيث تنقلب الطرق إلى أجنحة،  وحيث تتحدث الجبال بلغة الريح.وفي أعينكم، يتكسر الصمت إلى جُزر بعيدة،  كأن الصوت لا يأتي إلا بعد سقوط المطر. 

أيها الحالمون بصوت الأفق،  كيف تتسللون من وراء الأيام،  وكيف تصنعون من الصمت جسرًا نحو الخلود؟

في غياهب الحلم،  تتحرك الرمال كالأصوات التي لا تُسمع،  وتتساقط الكلمات مثل نجوم تطل على أرض لا تراها. 

هناك، حيث يلمع الحلم كأجنحة الفجر،  تُبصرون النور وهو ينسل من ثنايا الوقت.ما بين السماء والحلم،  يولد الصباح،  كطائر من وحي لا يُدركه العابرون. 

تتفتح الألوان كفراشات تبحث عن الضوء،  وتذوب الحقائق في نهرٍ لا يصبُّ إلا في أعماقكم.

من يوقظون الأعمدة في حلم الضوء،  أخبروا البحر أن الموج ينتظر العيون التي رأت. 

وأخبروا الريح أن الزمن لا يترك أثراً إلا لمن حلموا بالبقاء. 

لكن، كيف يكون الضوء إلا ظلًّا لم يُخلق بعد؟  كيف يشرق العالم إلا في لُجّة الأحلام؟

ها هم يصعدون إلى السماء،  كمن يقطف نجومًا بلا جاذبية،  ويمدون أيديهم نحو قلب الكون،  يقطفون الضوء كما يُقطف الرحيق.

حين تسأل العيون عن سر النور،  تجيب النجوم بصمت لا يُحكى.  وفي اللحظة التي تعود فيها الأرض إلى مرقدها،  تولد المرايا في عيونكم،  وتتحدث عن زمن لم يكن في الحسبان.

هكذا نرى في الحلم ما لا يُرى،  ونُحاكي الأمواج التي لم تُخلق بعد،  ونصعد إلى مدارات السماء، 

حيث تسقط الحدود وتبقى الأسرار. 

في رحلتكم إلى الأعمدة،  ستُبصرون كيف أن الحلم هو الذي يصنع النور،  وكيف أن العين لا ترى إلا ما أراد لها النور أن يكون.

0 التعليقات: