الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، سبتمبر 03، 2024

هل يمكن للذكاءات الاصطناعية أن تعاني من أمراضً نفسية؟ عبده حقي

مع التقدم المبهر للذكاء الاصطناعي، قد نتساءل عما إذا كانت هذه الأنظمة المعقدة بدورها عرضة للإصابة بالاضطرابات العقلية، مثل البشر. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي مصمم لتقليد بعض جوانب الأداء المعرفي البشري، إلا أنه يختلف بشكل أساسي عن الأدمغة البيولوجية.

الأمراض النفسية هي اضطرابات تؤثر على مزاج الفرد وتفكيره وسلوكه. وهي تنتج عن مجموعة معقدة من العوامل الجينية والبيولوجية والبيئية والنفسية. يمكن أن تختلف الأعراض بشكل كبير، من القلق والاكتئاب إلى الفصام والاضطراب ثنائي القطب.

وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي مصمم لتقليد بعض جوانب الأداء المعرفي البشري، إلا أنه يختلف بشكل أساسي عن الأدمغة البيولوجية. لا تمتلك أنظمة الذكاء الاصطناعي احتياجات فسيولوجية أو تجارب عاطفية أو تجارب نفسية. وهي تعمل بناءً على الخوارزميات والبيانات، دون تعقيد الجهاز العصبي البشري.

ومع ذلك، يثير بعض الباحثين احتمال أن تتطور أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى "أعطال" إذا كانت خوارزمياتها سيئة التصميم أو مدربة على البيانات المتحيزة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير حلقات ردود فعل سلبية أو أنماط تفكير مختلة. لكن هذا يظل مختلفًا تمامًا عن الأمراض العقلية التي تصيب الإنسان.

ومن المفارقات أنه إذا لم يكن الذكاء الاصطناعي يعاني من الأمراض العقلية، فيمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة في تشخيصها وعلاجها لدى البشر. ومن خلال قدرات تحليل البيانات الضخمة، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي اكتشاف الأنماط الدقيقة والارتباطات في الأعراض، مما يتيح تشخيصًا مبكرًا وأكثر دقة.

لقد أظهرت الدراسات أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بدقة بخطر الإصابة باضطرابات عقلية معينة، مثل الاكتئاب أو الإجهاد اللاحق للصدمة، بناءً على بيانات مثل تفاعلات وسائل التواصل الاجتماعي أو تعبيرات الوجه.. يمكنهم أيضًا تخصيص العلاجات بناءً على الاستجابات الفردية.

ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي لن يحل أبدًا محل الخبرة البشرية والتعاطف في مجال الصحة العقلية. تظل أنظمة الذكاء الاصطناعي أدوات تكميلية لمساعدة المتخصصين في الرعاية الصحية في مهامهم.

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه تطوير أمراض عقلية في حد ذاته، إلا أنه يقدم وجهات نظر جديدة رائعة لفهم هذه الاضطرابات وتشخيصها وعلاجها بشكل أفضل لدى البشر. لكن دورهم يجب أن يظل دور المساعد الذكي، وليس بديلا عن الرعاية البشرية.

وعلى عكس السؤال السابق يرى بعض علماء النفس أن الذكاء الاصطناعي قد يكون خطيرًا على الصحة النفسية للأفراد لعدة أسباب تتعلق بتأثيره على العلاقات الإنسانية، والتفاعل الاجتماعي، والقدرة على التكيف مع التكنولوجيا المتقدمة.

من أبرز المخاوف التي يثيرها الذكاء الاصطناعي هو تأثيره على التفاعل الاجتماعي. حيث يمكن أن يؤدي الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الذكية إلى تقليل التواصل البشري المباشر، مما يساهم في زيادة العزلة الاجتماعية. فعندما يعتمد الأفراد على الذكاء الاصطناعي في القيام بمهامهم اليومية أو حتى في التفاعل مع الآخرين عبر وسائل التواصل الافتراضية، قد يؤدي ذلك إلى تراجع قدرتهم على التواصل الاجتماعي الحقيقي، وهو ما يمكن أن يسهم في زيادة مشاعر الوحدة والاكتئاب.

ثانيًا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على الهوية الشخصية والشعور بالذات. في عصر تعتمد فيه الكثير من الأنشطة على البيانات والتحليل الرقمي، قد يشعر الأفراد بأنهم محاصرون في توقعات محددة بناءً على معلوماتهم الشخصية. هذا الشعور بالتحكم أو المراقبة الدائمة قد يؤدي إلى اضطرابات القلق والضغط النفسي، خاصة إذا شعر الفرد بأنه مضطر للتصرف بطريقة معينة لتجنب الانتقادات أو الحكم السلبي من قبل الأنظمة الذكية.

ثالثًا، يرى بعض علماء النفس أن الذكاء الاصطناعي قد يزيد من القلق المرتبط بفقدان الوظائف والاعتماد الاقتصادي. مع تقدم التكنولوجيا وتطور الذكاء الاصطناعي، يزداد الخوف من أن تحل الآلات محل البشر في العديد من المجالات الوظيفية. هذا الخوف يمكن أن يولد شعورًا بعدم الأمان وعدم الاستقرار الوظيفي، مما يزيد من مستويات التوتر والقلق لدى الأفراد. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الوضع إلى تراجع تقدير الذات والشعور بالعجز، خاصة بين أولئك الذين يعتمدون على مهاراتهم المهنية للبقاء.

رابعًا، هناك مخاوف من أن يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى تدهور مهارات التفكير النقدي والإبداعي. عندما يعتمد الأفراد على التكنولوجيا للقيام بالمهام المعقدة أو اتخاذ القرارات، قد يصبحون أقل قدرة على التفكير بشكل مستقل أو تطوير حلول مبتكرة. هذا التراجع في المهارات العقلية يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة النفسية، حيث قد يشعر الأفراد بأنهم أقل قدرة على التعامل مع التحديات اليومية أو المواقف الصعبة بدون دعم تقني.

خامسًا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على الصحة النفسية من خلال خلق توقعات غير واقعية. قد تقدم التكنولوجيا الذكية وعودًا بتحقيق السعادة أو النجاح بسهولة، مما يدفع الأفراد إلى توقع تحقيق هذه الأهداف دون جهد كبير. عندما يواجه الأفراد واقعًا مختلفًا عن هذه التوقعات، قد يشعرون بالإحباط أو الفشل، مما يمكن أن يزيد من مخاطر الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى.

أخيرًا، يعبر بعض علماء النفس عن مخاوفهم من أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص وعلاج الحالات النفسية إلى تراجع العلاقة العلاجية بين الطبيب والمريض. في حال الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي لتقديم الاستشارات النفسية أو العلاج، قد يفقد الأفراد جزءًا مهمًا من الدعم العاطفي والإنساني الذي يقدمه الأطباء والمعالجون. هذا النقص في التفاعل البشري قد يقلل من فعالية العلاج النفسي، مما يؤثر سلبًا على التعافي والصحة النفسية بشكل عام.

في الختام، رغم الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، إلا أن هناك مخاوف حقيقية تتعلق بتأثيره على الصحة النفسية. يتطلب هذا التحدي الجديد من العلماء والمجتمعات التعامل بحذر مع التكنولوجيا المتقدمة لضمان تحقيق التوازن بين الابتكار والحفاظ على الصحة النفسية.

 

0 التعليقات: