تفتح النافذة من تلقاء نفسها، لكنها ليست نافذة. يشكل صف من النمل شكل حلزوني نحو ضوء غير مرئي، وكل خطوة من خطواته سر وجودي . من علمك الزحف؟ عندما تهمس عظامك بشكل السماء، لماذا لا تستمع؟ الشوارع مبطنة بالريش، رمادي اللون ينزف من الزوايا، لكنك تمشي عليه، وعيناك مقيدتان بالأرض. لقد ولدت بأجنحة - نعم، تلك الأجنحة التي تلتف حول أحلامك مثل الكروم القديمة. لكنك اخترت الغبار، والزحف، والسحب البطيء لأطراف أصابعك عبر الأرض. المرآة قاضي صامت، يعكس ما لا تجرؤ على التحدث عنه. هناك يد خلف انعكاسك، تتتبع الرموز التي تتلاشى إلى لا شيء. تضغط على الزجاج، لكن الرموز لا تتذكرك. تهبط ريشة عند قدميك، ثقيلة كحجر. لا تلتقطها. فأنت حتما لا تستطيع.
تتحرك الساعة
إلى الوراء. ترتجف الشمس، وتلقي بظلالها مثل المرايا المكسورة على وجهك. كل ظل
يهمس باسم مختلف، لكن لا يوجد أي اسم لك. تتبع الأصوات، مثل الطيور ذات الأجنحة
المكسورة. تقودك إلى باب، باب مشغول من الدخان والصمت. ينبض مثل نبضات القلب،
يرتجف بأسرار قديمة جدًا لدرجة لا يمكن تذكرها، وهشة جدًا لدرجة لا يمكن نسيانها.
لماذا تفضل الزحف عبر هذا الحلم، تسأل الصمت. يضحك الصمت، ويبدو الأمر وكأنه رفرفة
أجنحة - أجنحتك، تلك التي نسيتها. هناك خريطة مخفية تحت جلدك، خريطة للنجوم
والرغبات غير المعلنة. تحاول تتبعها، لكن يديك مصنوعة من الرمل، تنزلق عبر شقوق
الوقت. ترتجف الشمس مرة أخرى، وتشعر بها: وزن الجاذبية يسحبك إلى أسفل، إلى أسفل،
إلى الأماكن المظلمة التي تتظاهر بأنها غير موجودة. لكنك تشعر بالأجنحة، أليس كذلك؟
تشعر بها تنتظر.
البحر حديقة،
لكن الزهور مشغولة من الجمر. يغني الحوت تحت التربة، ويتلوى أغنيته عبر جذور
الأرض. أنت تمشي على الهواء، لكن قدميك لا تترك أي آثار. الأشجار تضحك عليك،
وأغصانها تنحني مثل العمود الفقري لرجل عجوز، وتهمس بقصص تتلوى في دخان قبل أن
تتمكن من فهمها. لماذا تزحف؟ السماء تذوب. تقطر على الجدران، وتتجمع عند قدميك في
برك من الأحلام المنسيّة. تنحني، وتحتضن يديك لالتقاط النجوم. تذوب على أطراف
أصابعك، ولا تترك شيئًا سوى طعما مريرا. في المسافة، يدور طائر برأس ساعة في
دوائر، وأجنحته تدق الثواني. لكنك لا تملك ثوانٍ، أليس كذلك؟ ليس لديك وقت. لقد
تركته خلفك، في مكان ما بين الواقع والحلم الذي لست مستعدًا للاستيقاظ منه. لقد
ولدت بأجنحة، لكن السماء نسيتك.
هناك شق في
الأفق. يقسم العالم إلى نصفين: في الأعلى، زرقة السماء التي لا نهاية لها، وفي
الأسفل، فوضى الأرض الزاحفة. أنت عالق في المنتصف، معلق في الفراغ، أجنحتك متشابكة
مع أسلاك الشك. لا مفر هنا، لا طريق إلى الأمام أو الخلف، فقط همهمة المحركات غير
المرئية التي تطحن نسيج الوجود. تشعر بالسحب، وثقل الجاذبية يقضم عظامك. الهواء
كثيف برائحة الصدأ والمطر، وفي مكان ما، بعيدًا في الأعلى، تراقبك النجوم. نظرتها
ثقيلة، مثل الحجارة التي تضغط على صدرك. يمكنك الطيران، كما تعلم. يمكنك انتزاع
نفسك من الأرض، لكن الأجنحة - لم تعد لك. إنها تنتمي إلى الظلال الآن، الهمسات في
الظلام التي لا يمكنك التخلص منها. يتسع الشق، ومن خلاله، تلمح شيئًا غريبًا: عالم
حيث الأجنحة ليست أجنحة، وحيث الطيران ليس حرية بل سجن للسقوط اللانهائي.
هناك مكان بين
النوم واليقظة حيث ينقلب العالم رأساً على عقب. تقف على الحافة، وأجنحتك منتشرة
على نطاق واسع، لكن الهواء ثقيل بالصمت. يضغط الصمت على بشرتك، ناعمًا ومُلحًا،
مثل ذكرى قبلة منسية. تحاول التحدث، لكن كلماتك تذوب في الهواء، يبتلعها ثقل ما لم
يُقال. ترتجف الأرض تحت قدميك، وتشعر بذلك: التفكك البطيء لكل ما كنت تعتقد أنه
حقيقي. السماء ليست السماء؛ إنها حجاب، رقيق وهش، يخفي شيئًا لا يمكنك تسميته.
النجوم عبارة عن ثقوب، محروقة عبر نسيج الليل بيد لن تراها أبدًا. تمد يدك إلى
الأجنحة، لكنها ليست هناك. لم تكن موجودة أبدًا. ومع ذلك، تشعر بها. تشعر بثقل
غيابها، مثل ظل يتأخر خلف حافة رؤيتك. لقد ولدت بأجنحة، لكن الأرض هي كل ما تعرفه.
تحمل رماد
أجنحتك بين يديك. إنها باردة، مثل ذكرى النار التي انطفأت منذ زمن طويل. الأفق
شفرة حادة ولامعة تقطع نسيج الزمن. تمشي نحوه، وقدميك مثقلتان بثقل الأحلام
المنسية. تهمس الريح في أذنك، بصوتها المليء بالأسرار التي لا ينبغي لك أن تسمعها.
لماذا تزحف، تسألك. لقد ولدت لتطير. لكنك لا تجيب. لا تستطيع. السماء فم مفتوح على
اتساعه، ينتظر أن يبتلعك بالكامل. تشعر به في عظامك: جاذبية الأرض، نداء النجوم،
الرغبة المؤلمة التي لا تنتهي في الارتفاع فوق كل ذلك. لكن الأجنحة - لقد ذهبت،
متناثرة في الرياح مثل الغبار. لم يتبق لك سوى ذكرى الطيران، وحتى هذه الذكرى
تتلاشى، وتنزلق من بين أصابعك مثل الرمال. يلوح الأفق، وتتقدم للأمام، مدركًا أنك
لن تصل إليه أبدًا. لكنك لا تزال تمشي. لا تزال تزحف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق