الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 26، 2024

جماليات الشعر الرقمي: عبده حقي

 


يمثل الشعر الرقمي تطورًا تحويليًا في المشهد الأدبي، حيث يدمج الأشكال الشعرية التقليدية مع قدرات التكنولوجيا الرقمية. لا يعيد هذا النوع تعريف كيفية إنشاء الشعر واستهلاكه فحسب، بل يتحدى أيضًا فهمنا للجماليات في الأدب.

تشمل جماليات الشعر الرقمي مجموعة من العناصر المرئية والمسموعة والتفاعلية التي تعزز تجربة القارئ، مما يجعله شكلًا فريدًا من أشكال التعبير الفني.

يمكن وصف الشعر الرقمي باعتماده على الوسائط الرقمية في الإبداع والنشر. وعلى عكس الشعر التقليدي، الذي يقتصر غالبًا على النص المطبوع، يستغل الشعر الرقمي ميزات الإنترنت والبرمجيات لإنشاء تجارب غامرة. ويشمل ذلك النص التشعبي، حيث يمكن أن تتفرع القصائد إلى مسارات متعددة اعتمادًا على تفاعل القارئ، وعناصر الوسائط المتعددة التي تتضمن الصوت والرسوم المتحركة والفنون البصرية..

إن النص التشعبي هو سمة مميزة للشعر الرقمي. فهو يسمح للشعراء ببناء سرديات غير خطية تدعو القراء إلى التنقل عبر مسارات مختلفة. ولا يعمل هذا التفاعل على إشراك القراء فحسب، بل إنه يعمل أيضًا على إضفاء الطابع الديمقراطي على تجربة الشعر، حيث يمكن أن تكون رحلة كل قارئ عبر القصيدة فريدة من نوعها. ويصبح القارئ مشاركًا نشطًا في خلق المعنى، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع الاستهلاك السلبي النموذجي للشعر التقليدي..

إن دمج عناصر الوسائط المتعددة يعمل على إثراء الشعر الرقمي بشكل أكبر. حيث يمكن للشعراء الجمع بين النص والصور والأصوات ومقاطع الفيديو لخلق تجربة فنية أكثر شمولاً. على سبيل المثال، يمكن للمناظر الصوتية استحضار المشاعر التي تكمل الكلمة المكتوبة، في حين يمكن للرسوم المتحركة توضيح الموضوعات أو المفاهيم داخل القصيدة.إن هذا الاندماج بين الوسائط المختلفة لا يوسع نطاق التعبير الشعري فحسب، بل يخدم أيضًا تجارب حسية متنوعة، مما يجعل الشعر في متناول جمهور أوسع.

إن جماليات الشعر الرقمي لا تقتصر على الجاذبية البصرية أو الابتكار التكنولوجي؛ بل إنها تنطوي على تحقيقات فلسفية أعمق في الفن والأدب. ويثير الشعر الرقمي تساؤلات حول التأليف والأصالة وطبيعة النص نفسه.

في عالم الشعر الرقمي، يصبح التأليف مفهومًا مائعًا. فالعديد من القصائد الرقمية عبارة عن أعمال تعاونية تتضمن مساهمات من فنانين وتقنيين متعددين. وتتحدى هذه الطبيعة التعاونية المفاهيم التقليدية للتأليف الفردي والأصالة في الأدب. وعلاوة على ذلك، مع مشاركة القصائد عبر الإنترنت، يمكن إعادة مزجها أو تغييرها من قبل الآخرين، مما يؤدي إلى نص متطور يعكس الإبداع الجماعي بدلاً من الرؤية الفردية..

كما يدفعنا الشعر الرقمي إلى إعادة تقييم ما يشكل نصًا. ففي الأدب التقليدي، غالبًا ما يُنظر إلى القصيدة على أنها كيان ثابت له معاني ثابتة. ومع ذلك، في التنسيقات الرقمية، يمكن أن تتغير النصوص بناءً على تفاعل المستخدم أو حتى العمليات الخوارزمية. وتؤدي هذه الديناميكية إلى تعقيد العلاقة بين النص والمعنى؛ وقد تختلف التفسيرات على نطاق واسع اعتمادًا على كيفية تفاعل القراء مع القصيدة..

يتزامن صعود الشعر الرقمي مع التحولات الثقافية الأوسع نطاقًا نحو التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. فقد عملت منصات مثل إنستغرام على ترويج أشكال جديدة من التعبير الشعري التي تعطي الأولوية للإيجاز والجاذبية البصرية. وتمكن هذه المنصات الشعراء من الوصول إلى الجماهير العالمية على الفور، وتعزيز المجتمعات حول الاهتمامات الأدبية المشتركة..

يعزز الشعر الرقمي إمكانية الوصول إليه بعدة طرق. فهو يسمح للشعراء من خلفيات متنوعة بمشاركة أعمالهم دون الحواجز التي توجد غالبًا في النشر التقليدي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لعناصر الوسائط المتعددة تلبية احتياجات الأفراد ذوي أنماط التعلم المختلفة أو الإعاقات، مما يجعل الشعر أكثر شمولاً..

تمثل جماليات الشعر الرقمي انحرافًا كبيرًا عن الأشكال الأدبية التقليدية. من خلال تبني النص التشعبي وتكامل الوسائط المتعددة، يخلق الشعراء الرقميون تجارب غامرة تجذب القراء بطرق جديدة. لا يتحدى هذا النوع المفاهيم التقليدية للتأليف والنص فحسب، بل يعكس أيضًا تحولات ثقافية أوسع نطاقًا نحو التكنولوجيا والمشاركة المجتمعية في الأدب. مع استمرار تطور الشعر الرقمي، فمن المرجح أن يلهم

الأجيال القادمة من الشعراء لاستكشاف طرق مبتكرة للتعبير عن رؤاهم الفنية في عالم رقمي متزايد.

0 التعليقات: