الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أكتوبر 22، 2024

"جواسيس الجبس" آخر الأفلام الهوليودية الجزائرية : عبده حقي


لقد أدت الاتهامات الأخيرة التي وجهتها الجزائر إلى مغربيين، تم اعتقالهما بتهمة التجسس، إلى تأجيج التوتر في العلاقات بين البلدين الجارين المغاربيين الشقيقين. إن الاعتقالات، التي أدت إلى تخمينات واسعة النطاق وموجة جديدة من الاتهامات، تشكل رمزاً لصراع سياسي طويل الأمد بين الجزائر والمغرب. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان تحليل هذه الادعاءات في سياق أوسع من السياسة الإقليمية والتوترات التاريخية، حيث يبدو أن الحقيقة مغيبة بسبب العداء الجزائري للمملكة .

تتعلق الحادثة المذكورة باعتقال ثلاثة أفراد، من بينهم مغربيان يعملان في زخرفة الجبس في ولايتي سيدي بلعباس ووهران الجزائريتين. وسارعت وسائل الإعلام الجزائرية إلى تصوير هؤلاء العمال على أنهم جواسيس، واتهمتهم بأنهم "يعملون بطريقة عدائية ضد الجزائر". وكررت منشورات مثل الشروق والخبر هذه الاتهامات ، مدعية أن السلطات المغربية استخدمت منذ فترة طويلة استراتيجيات تجسس مقنعة تحت ستار الحرف التقليدية المغربية العريقة التي تستفيد منها الجزائر.

ولكن وسائل الإعلام المغربية والعديد من المراقبين ينظرون إلى هذه الاتهامات بعين الشك، ويرفضونها باعتبارها لا أساس لها من الصحة . وقالت مواقع إلكترونية مثل موقع "زنقة 24" أن السلطات الجزائرية، مدفوعة بانعدام الأمن السياسي لديها، تعمل على اختلاق التهم ضد المواطنين المغاربة لتبرير موقفها القاسي وإذكاء المشاعر القومية.

ويبدو أن فكرة أن اثنين من عمال الجبس قد يكونان جزءاً من شبكة تجسس معقدة تبدو غير معقولة بالنسبة لكثيرين من المراقبين . ويؤكد المغرب أن الاتهامات جزء من استراتيجية أوسع نطاقاً تنتهجها الحكومة الجزائرية لتشويه سمعة المغاربة وصرف الانتباه عن القضايا الجزائرية الداخلية. ومثل هذه الادعاءات ليست جديدة. فقد اعتقلت السلطات الجزائرية مراراً وتكراراً مواطنين مغاربة بتهم مماثلة، وفي كل مرة، يفند المسؤولون ووسائل الإعلام المغربية في شرعية هذه الاعتقالات، مشيرين إلى أنها تخدم أجندة سياسية بدلاً من أن تعكس مخاوف أمنية حقيقية.

إن الاعتقال الأخير للمغاربة في الجزائر ليس حادثاً معزولاً. ففي سبتمبر من هذا العام، زعمت السلطات الجزائرية أنها نجحت في تفكيك "شبكة تجسس" أخرى تضم مواطنين مغاربة في مدينة تلمسان، واتهمتهم مرة أخرى بمحاولة تقويض أمن الدولة. وجاء هذا في أعقاب قرار الجزائر بفرض تأشيرة دخول على المغاربة الذين يدخلون البلاد، وهو ما يشير إلى حملة أوسع نطاقاً على الوجود المغربي داخل حدودها.

ويندرج تصعيد هذه الاتهامات في إطار نمط أوسع من تدهور العلاقات بين الجزائر والمغرب. ففي صيف عام 2021، قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، مستشهدة بمظالم مختلفة، بما في ذلك موقف المغرب من الصحراء المغربية، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ودعمها المزعوم لحركة القبائل الانفصالية. وقد نفى المغرب باستمرار هذه المزاعم وأعرب عن أسفه لانهيار العلاقات بين الجارين الشقيقين .

ويرى العديد من المحللين أن الاتهامات التي وجهتها الجزائر للمغرب، بما في ذلك حادثة "جواسيس الجبس" الأخيرة، تعكس استراتيجية أوسع نطاقاً تهدف إلى تعزيز القوة السياسية الداخلية من خلال حشد المشاعر القومية ضد عدو خارجي. وفي مواجهة تحديات داخلية كبيرة، بما في ذلك الصراعات الاقتصادية والاضطرابات السياسية، اعتمد النظام الحاكم في الجزائر في كثير من الأحيان على الخطاب المناهض للمغرب لتحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية.

إن القيادة السياسية في الجزائر، التي يهيمن عليها الجيش، لديها تاريخ طويل في استخدام صراعات السياسة الخارجية لتعزيز الدعم المحلي. ومن خلال تصوير المغرب باعتباره تهديدًا دائمًا لسيادة الجزائر، يمكن للنظام تبرير حكمه الاستبدادي وقمع حركات المعارضة. إن اعتقال مواطنين مغاربة بتهم التجسس المشكوك فيها هو وسيلة ملائمة لتعزيز هذه الرواية، وتصوير المغرب كجار معادٍ منخرط في عمليات سرية لزعزعة استقرار الجزائر.

وعلاوة على ذلك، يثير توقيت هذه الاعتقالات تساؤلات عديدة . ففي حين تواجه الجزائر احتجاجات متزايدة على الظروف الاقتصادية والإصلاحات السياسية، فإن اتهام المغرب بالتجسس يعمل كأداة لصرف الانتباه عن إخفاقات حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون. ومن خلال خلق كبش فداء أجنبي، يمكن للنظام الجزائري إعادة توجيه الإحباط الشعبي نحو عدو خارجي، بدلاً من معالجة القضايا الحقيقية التي تواجه الجزائريين في الداخل.

ومن وجهة نظر المغرب، فإن هذه الاتهامات ليست بلا أساس فحسب، بل إنها جزء من حملة تضليل أكبر حجما تديرها الجزائر لتشويه سمعة الرباط على الساحة الدولية. وقد سلطت وسائل الإعلام المغربية الضوء على عبثية فكرة تورط عمال في صناعة الجبس في عمليات تجسس متطورة. وبالنسبة لهم، فإن هذا مثال آخر على كيفية استخدام الجزائر لتكتيكات إثارة الخوف لتصوير المغرب باعتباره مصدر شر إقليميً .

لقد دعت المغرب باستمرار إلى الحوار والتعاون لحل النزاعات العديدة بين البلدين، وخاصة بشأن الصحراء المغربية. وقد حظي اقتراح الرباط للحكم الذاتي في المنطقة تحت السيادة المغربية بدعم العديد من الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في حين تواصل الجزائر دعم مطالب جبهة البوليساريو. ويظل هذا الخلاف مصدرًا رئيسيًا للتوتر بين البلدين، وكثيرًا ما يستخدمه الجانبان لحشد الدعم المحلي.

ورداً على الاعتقالات الأخيرة، كرر المسؤولون المغاربة رغبتهم في التعايش السلمي ورفضوا فكرة انخراطهم في أعمال تجسس ضد الجزائر. وحثت الرباط المجتمع الدولي على النظر إلى هذه الاتهامات بتزكية الصراع المفتعل، وسلطت الضوء على سجل الجزائر في استخدام مثل هذه الحوادث لتحقيق مكاسب سياسية.

وبالنسبة للمغرب، فإن أفضل مسار للعمل هو الاستمرار في الدعوة إلى الحوار والتعاون. ومن خلال الحفاظ على موقف ضبط النفس ورفض الاستفزازات الجزائرية، يمكن للمغرب أن يضع نفسه في موقف الطرف الأكثر عقلانية في هذا النزاع. كما أن للمجتمع الدولي دور يلعبه في تشجيع الجانبين على حل خلافاتهما من خلال الوسائل الدبلوماسية وليس من خلال الاتهامات التحريضية والاعتقالات.

إن قضية "جواسيس الجبس" هي حلقة أخرى في تاريخ طويل من المناورات السياسية الجزائرية ضد. وفي حين تواصل الجزائر اتهام المغرب بالتجسس والتخريب، فإن الواقع يبدو أكثر تعقيدا. فبدلا من أن تشكل هذه الحوادث تهديدات أمنية حقيقية، فإنها على الأرجح جزء من استراتيجية أوسع نطاقا من جانب النظام الجزائري لتعزيز موقفه الداخلي من خلال تصوير المغرب كقوة معادية. ومن أجل الاستقرار الإقليمي، من الأهمية بمكان أن يتجاوز البلدان هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة ويعملا نحو حل سلمي لخلافاتهما.

0 التعليقات: