الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أكتوبر 05، 2024

زيارة ماكرون للمغرب منعطف استراتيجي لطي صفحة الماضي: عبده حقي


من المقرر أن يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المغرب في نهاية أكتوبر 2024، مما يمثل لحظة محورية في العلاقات الثنائية بين فرنسا والمملكة المغربية. تهدف هذه الزيارة، التي طال انتظارها بعد فترة طويلة من البرود الدبلوماسي، إلى تعزيز العلاقات بين باريس والرباط، وخاصة في ضوء الديناميكيات الإقليمية المتطورة. ومع ذلك، فإن الدفء المتجدد بين فرنسا والمغرب يأتي مع تيار جيوسياسي كبير، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الحساسة للصحراء المغربية وتأثيرها على الجزائر. إن زيارة ماكرون ليست مجرد لفتة دبلوماسية؛ بل إنها خطوة محسوبة تعكس المشهد المتغير للسياسة الخارجية الفرنسية في شمال إفريقيا، مما يشير إلى تآكل النفوذ التقليدي للجزائر في باريس.

تربط فرنسا والمغرب علاقات تاريخية واقتصادية وثقافية عميقة، ترسخت خلال فترة الاستعمار الفرنسي في أوائل القرن العشرين. ومع ذلك، شهدت العلاقات بين البلدين تقلبات على مر السنين، غالبًا ما تأثرت بالتفاعل المعقد بين السياسة الإقليمية والمصالح الاقتصادية وقضايا السيادة الوطنية. في السنوات الأخيرة، بردت العلاقات الدبلوماسية، حيث سعى كلا البلدين إلى إعادة توجيه سياساتهما الخارجية وسط عدم الاستقرار الإقليمي المتزايد والتحديات الاقتصادية العالمية.

وتدل زيارة ماكرون المقبلة على الجهود المبذولة لتجاوز الجمود الدبلوماسي، حيث يقال إن الرئيس الفرنسي يهدف إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية والحوار السياسي. ويتمثل جوهر هذه المشاركة المتجددة في موقف فرنسا من الصحراء المغربية.

لقد حافظت فرنسا تاريخيا على موقف محايد، وشجعت الحوار والقرارات الدولية من خلال الأمم المتحدة. ومع ذلك، اتخذت إدارة ماكرون في السنوات الأخيرة خطوات تشير إلى تحول نحو دعم مطالب المغرب المشروعة بشأن المنطقة، والتماشي بشكل أوثق مع مواقف الرباط.

وقد حفز المشهد الجيوسياسي الأوسع هذا التوافق. ففي ديسمبر2020، اعترفت الولايات المتحدة رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء، في مقابل تطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل. وقد أدت هذه الخطوة المهمة إلى تغيير التوازن الإقليمي وضغطت على فرنسا ودول أوروبية أخرى لإعادة النظر في مواقفها. وقد اعتُبر تأييد فرنسا الضمني لسيادة المغرب على الصحراء انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا للرباط، لكنه أثار أيضًا ردود فعل حادة من الجزائر، التي تعارض بشدة مطالبات المغرب بالمنطقة.

إن التعاون الاقتصادي هو القوة الدافعة الأخرى وراء تعزيز العلاقات بين فرنسا والمغرب. فقد برز المغرب كشريك اقتصادي حاسم لفرنسا، مع تدفق الاستثمارات الكبرى بين البلدين. ويركز جزء كبير من هذه الاستثمارات على تنمية الصحراء المغربية، حيث ضخ المغرب موارده في البنية الأساسية ومشاريع الطاقة المتجددة ومراكز الخدمات اللوجستية. وقد وضعت هذه الاستثمارات الصحراء كمنطقة رئيسية للنمو الاقتصادي المستقبلي، ليس فقط للمغرب ولكن أيضًا للشركات الفرنسية، التي اغتنمت الفرص في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتعدين والبناء.

ومن خلال دعم مبادرات التنمية التي ينفذها المغرب في الصحراء، لا تضمن فرنسا حصتها في المستقبل الاقتصادي للمنطقة فحسب، بل وتعزز أيضاً نفوذها في شمال أفريقيا، حيث تشتد المنافسة على الموارد والنفوذ السياسي. والصحراء المغربية، التي يُنظَر إليها الآن باعتبارها مركزاً اقتصادياً محتملاً، توفر لفرنسا فرصة الاستفادة من أسواق جديدة وتعزيز مكانتها كشريك في تنمية المنطقة.

ورغم أن زيارة ماكرون للمغرب تمثل تجديداً للعلاقات مع الرباط، فإنها تؤكد أيضاً على التآكل التدريجي لنفوذ الجزائر في السياسة الخارجية الفرنسية. فالجزائر، المستعمرة الفرنسية السابقة التي تربطها علاقات تاريخية وسياسية عميقة بباريس، كانت منذ فترة طويلة لاعباً رئيسياً في استراتيجية فرنسا في شمال أفريقيا. ومع ذلك، تدهورت العلاقات بين فرنسا والجزائر في السنوات الأخيرة بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك المظالم التاريخية بشأن الماضي الاستعماري، والخلافات حول سياسات الهجرة، والآراء المتباينة بشأن الأمن الإقليمي والصحراء المغربية.

لقد أدى دعم الجزائر لجبهة البوليساريو في صراع الصحراء المغربية إلى وضعها في خلاف مع كل من المغرب وفرنسا. ومع ميل فرنسا بشكل متزايد نحو موقف المغرب بشأن الصحراء، وجدت الجزائر نفسها معزولة بشكل متزايد في موقفها. لقد أدى إعادة التنظيم الجيوسياسي في المغرب، حيث يبرز المغرب كقاطرة للتنمية الإقليمية وشريك استراتيجي للدول الغربية، إلى تقليص دور الجزائر في تشكيل السياسة الفرنسية.

وعلاوة على ذلك، أدى عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الجزائر، والذي تفاقم بسبب ركود اقتصادها المعتمد على النفط، إلى إضعاف مكانتها على الساحة الدولية. ففرنسا، التي اعتمدت ذات يوم على الجزائر كشريك رئيسي في المنطقة، تتجه الآن إلى المغرب كحليف أكثر استقرارا وديناميكية اقتصاديا. ويرمز هذا التحول إلى الاتجاهات الأوسع في السياسة الخارجية الفرنسية، حيث تحظى المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي بالأولوية على التحالفات التاريخية.

ولم تصمت الجزائر في مواجهة تحول ماكرون نحو المغرب. فقد أعرب المسؤولون الجزائريون عن إحباطهم إزاء الموقف الفرنسي المتطور بشأن الصحراء المغربية، واتهموا باريس بتقويض الاستقرار الإقليمي بالانحياز إلى الرباط. كما أعربت الحكومة الجزائرية عن مخاوفها بشأن التوغل الاقتصادي المتزايد لفرنسا في الصحراء، معتبرة ذلك تهديدًا لنفوذ الجزائر في المنطقة.

وردًا على ذلك، سعت الجزائر إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع قوى عالمية أخرى، مثل روسيا والصين، في ظل المشهد الجيوسياسي المتغير. ومع ذلك، لم تفعل هذه الجهود الكثير لموازنة الشراكة الفرنسية المغربية المتنامية. لقد تركت العزلة الدبلوماسية للجزائر بشأن قضية الصحراء، إلى جانب تحدياتها الداخلية، موقفًا ضعيفًا على المستويين الإقليمي والدولي.

تشكل زيارة ماكرون المقبلة للمغرب فصلاً جديداً في العلاقات الفرنسية المغربية، وهو الفصل الذي من المرجح أن يكون له تداعيات كبيرة على المنطقة. فمن خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع المغرب، تشير فرنسا إلى نيتها تعزيز موطئ قدمها في شمال أفريقيا، مع ظهور المغرب كشريك رئيسي. وبالنسبة للجزائر، يمثل هذا التحول خسارة للنفوذ وتحدياً لطموحاتها الإقليمية، وخاصة في سياق نزاع الصحراء الغربية.

وبينما يسعى ماكرون إلى تعميق العلاقات مع المغرب، فمن المؤكد أن الجزائر والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا سوف يتابعان الزيارة عن كثب. وسوف تستمر الديناميكيات المتطورة بين فرنسا والمغرب والجزائر في تشكيل مستقبل المغرب العربي، في حين تكافح المنطقة مع فرص التنمية الاقتصادية وتحديات التنافس الجيوسياسي.


0 التعليقات: