الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أكتوبر 04، 2024

استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية ودور الصحفيين: عبده حقي


أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير طريقة تواصل الأفراد وتفاعلهم، وخاصة بين الأجيال الشابة. وفي حين توفر هذه المنصات فرصًا للتواصل والتعبير عن الذات، فإنها تشكل أيضًا مخاطر كبيرة على الصحة العقلية. فما هي العلاقة بين استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية، وما هي الطبيعة المزدوجة لهذه المنصات والدور الحاسم الذي يلعبه الصحفيون في معالجة القضايا المرتبطة بها.

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تعزز الصحة العقلية من خلال تعزيز الروابط وتوفير الشعور بالانتماء. تسمح منصات مثل فيس بوك و انستغرام و تيك توك للمستخدمين بالحفاظ على العلاقات عبر مسافات طويلة ومشاركة الخبرات والعثور على مجتمعات تتوافق مع اهتماماتهم. يمكن أن يؤدي هذا الاتصال إلى زيادة احترام الذات والدعم العاطفي خلال الأوقات الصعبة. على سبيل المثال، غالبًا ما تعمل المجتمعات عبر الإنترنت كمساحات آمنة للأفراد لمناقشة التحديات الشخصية، مما يقلل من مشاعر العزلة والوصمة المرتبطة بقضايا الصحة العقلية.

علاوة على ذلك، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تسهيل الوصول إلى موارد الصحة العقلية. تستخدم العديد من المنظمات هذه المنصات لنشر المعلومات حول الوعي بالصحة العقلية واستراتيجيات التأقلم والخدمات المتاحة. أثناء الأزمات مثل جائحة كوفيد-19، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة حيوية لمشاركة موارد الصحة العقلية وشبكات الدعم

على الرغم من فوائدها، فإن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بالعديد من مشاكل الصحة العقلية. تشير الأبحاث إلى أن الانخراط المطول في هذه المنصات يمكن أن يؤدي إلى زيادة القلق والاكتئاب والشعور بالوحدة والشعور بعدم الكفاءة. يمكن أن تؤدي المقارنة المستمرة بحياة الآخرين المنظمة - والتي يشار إليها غالبًا باسم "تأثير لقطات الفيديو" - إلى تفاقم مشاعر عدم الرضا وانخفاض احترام الذات.

تساهم سمات معينة لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في هذه النتائج السلبية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي السعي وراء الإعجابات والمتابعين إلى إنشاء حلقة من التحقق من صحة المعلومات، مما قد يؤدي إلى إعطاء المستخدمين الأولوية للموافقة عبر الإنترنت على التفاعلات في الحياة الواقعية. يمكن أن يعزز هذا السلوك الأنماط الإدمانية، حيث يشعر الأفراد بالإلزام بفحص حساباتهم بشكل متكرر للحصول على ردود الفعل.

وعلاوة على ذلك ، أظهرت الدراسات أن المراهقين معرضون للخطر بشكل خاص؛ حيث تدهورت صحتهم العقلية إلى جانب ارتفاع معدلات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

إن الظاهرة المعروفة باسم FOMO (الخوف من تفويت الفرصة) تشكل مصدر قلق بالغ الأهمية. إذ يشعر المستخدمون غالبًا بالقلق إزاء عدم المشاركة في الأنشطة التي يعرضها أقرانهم على الإنترنت. وقد يؤدي هذا القلق إلى التحقق القهري من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي والمزيد من العزلة عن التفاعلات في العالم الحقيقي.

ونظراً للعلاقة المعقدة بين استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية، يلعب الصحفيون دوراً حيوياً في إعلام الجمهور بهذه القضايا. وهم في وضع فريد يسمح لهم بالتحقيق في آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية والإبلاغ عنها وتحليلها. ومن خلال إنتاج مقالات مدروسة جيداً تسلط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للصحفيين المساعدة في زيادة الوعي بتأثيرها على الصحة العقلية.

وعلاوة على ذلك، يستطيع الصحافيون أن يدافعوا عن ممارسات وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولة من خلال التأكيد على أهمية الثقافة الرقمية. إن تثقيف الجماهير حول الاستهلاك الواعي ــ مثل التعرف على الأنماط الضارة أو فهم الطبيعة المنظمة للمحتوى عبر الإنترنت ــ من شأنه أن يمكّن الأفراد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكثر إيجابية.

بالإضافة إلى إعداد التقارير عن التجارب الفردية مع التحديات المتعلقة بالصحة العقلية المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للصحفيين أيضًا التدقيق في سياسات شركات التكنولوجيا. يمكن للتقارير الاستقصائية أن تحاسب هذه الشركات على دورها في إدامة المحتوى الضار أو الميزات المسببة للإدمان والتي تؤثر سلبًا على الصحة العقلية للمستخدمين.

وعلاوة على ذلك، فإن التعاون بين الصحفيين والمتخصصين في الصحة العقلية من شأنه أن يعزز الحوار العام حول هذا الموضوع. فمن خلال عرض آراء الخبراء في المقالات أو إنشاء مشاريع الوسائط المتعددة التي تعالج المخاوف المتعلقة بالصحة العقلية المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يستطيع الصحفيون أن يقدموا للجمهور رؤى شاملة حول هذه القضية الملحة.

خاتمة

إن التقاطع بين استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية قضية متعددة الأوجه تتطلب دراسة متأنية من جانب جميع الأطراف المعنية - المستخدمين وصناع السياسات وشركات التكنولوجيا والصحفيين على حد سواء. وفي حين تقدم وسائل التواصل الاجتماعي فوائد كبيرة من حيث الاتصال والدعم، لا يمكن تجاهل مخاطرها المحتملة. ويلعب الصحفيون دوراً حاسماً في تسليط الضوء على هذه التعقيدات من خلال التقارير المستنيرة والدعوة إلى ممارسات أكثر صحة على الإنترنت.

ومع استمرار المجتمع في التعامل مع هذا المشهد الرقمي، فإن تعزيز ثقافة الوعي حول آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية أمر ضروري. ومن خلال تعزيز السرديات المتوازنة التي تعترف بالجوانب الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي مع معالجة عيوبها، يمكن للصحفيين أن يساهموا بشكل كبير في فهم الجمهور وفي نهاية المطاف المساعدة في تخفيف آثارها السلبية على الصحة العقلية.

0 التعليقات: