الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، فبراير 26، 2025

هل يجعل الذكاء الاصطناعي البشر أكثر غباءً؟ ترجمة عبده حقي


لقد أدى صعود الذكاء الاصطناعي إلى تحويل كل جانب تقريبًا من جوانب الحياة الحديثة، من كيفية تواصلنا إلى كيفية عملنا وتعلمنا وحتى تفكيرنا. ومع تزايد تعقيد الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتي توفر الوصول الفوري إلى المعلومات، وأتمتة المهام المعقدة، وتخصيص التجارب الرقمية، يبرز سؤال مقلق: هل يجعل الذكاء الاصطناعي البشر أكثر ذكاءً من خلال تعزيز القدرات المعرفية، أم أنه يجعلهم أكثر غباءً من خلال تعزيز الاعتماد، وتقليص التفكير النقدي، وتآكل المهارات الأساسية؟ والإجابة، كما هي الحال مع معظم التحولات المجتمعية العميقة، ليست بالأبيض والأسود ولكنها تفاعل معقد بين المزايا والعواقب غير المقصودة.

إن أحد التأثيرات الأكثر مباشرة للذكاء الاصطناعي هو أتمتة العمل الفكري. فالمهام التي كانت تتطلب في السابق جهدًا ذهنيًا صارمًا - مثل تذكر المعلومات، أو حل المشكلات الرياضية، أو حتى تأليف المحتوى المكتوب - يمكن إكمالها الآن في ثوانٍ بمساعدة أدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي. إن هذه الراحة هي سلاح ذو حدين. ففي حين أنها تحرر العقول البشرية للتفكير من الدرجة الأعلى، فإنها تخاطر أيضًا بإضعاف القدرات المعرفية التي ازدهرت ذات يوم من خلال ممارسة الرياضة المنتظمة. وكما أدى الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى فقدان الكثيرين لإحساسهم بالاتجاه، فإن الإفراط في الاعتماد على أدوات حل المشكلات التي يقودها الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تآكل المهارات التحليلية، مما يجعل الأفراد أقل قدرة على التفكير المستقل.

إن القلق بشأن الضمور الفكري ليس جديدًا. قبل قرون، حذر سقراط من أن ظهور الكتابة من شأنه أن يضعف الذاكرة، حيث لن يحتاج الناس بعد الآن إلى حفظ المعرفة في أذهانهم، والاعتماد بدلاً من ذلك على السجلات الخارجية. في حواره *فيدروس*، يروي أفلاطون خوف سقراط من أن الكتابة قد تخلق "نسيانًا في أرواح المتعلمين، لأنهم لن يستخدموا ذاكرتهم". من نواح كثيرة، يمثل الذكاء الاصطناعي نسخة مكبرة من هذه المعضلة. في حين سمحت الكتابة للبشر بتخزين واسترجاع المعرفة، فإن الذكاء الاصطناعي يذهب إلى خطوة أبعد من خلال التفكير نيابة عنهم - اقتراح الكلمات أثناء الكتابة، واستكمال الجمل، وحتى توليد حجج كاملة. الواقع أن الخطر هنا هو أن الاعتماد السلبي على المحتوى الذي تولدها الذكاء الاصطناعي قد يضعف المشاركة الفكرية، مما يجعل الناس أكثر عرضة للمعلومات المضللة وأقل قدرة على التشكيك في الافتراضات.

إن هذا الاستعانة بمصادر خارجية معرفية أمر مثير للقلق بشكل خاص في مجال التعليم. تنطوي عمليات التعلم التقليدية على النضال ــ التعامل مع المفاهيم الصعبة، وارتكاب الأخطاء، وصقل الفهم من خلال التجربة والخطأ. إن منصات التعلم التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، على الرغم من كفاءتها المذهلة، غالبا ما تختصر هذه العملية من خلال توفير إجابات فورية وحلول شخصية. وفي حين أن مثل هذه الأدوات يمكن أن تعزز التعلم، فإنها قد تثبط عزيمة الطلاب أيضا عن تطوير الصبر والمثابرة اللازمين للنمو الفكري العميق. وتشير دراسة أجراها كار (2010) في كتابه "المياه الضحلة: ما يفعله الإنترنت بأدمغتنا" إلى أن الطريقة التي نستهلك بها المعلومات الرقمية تعيد توصيل المسارات العصبية، مما يؤدي إلى قصر فترات الانتباه وانخفاض القدرة على القراءة العميقة. وقد تتفاقم هذه الظاهرة بسبب الذكاء الاصطناعي، الذي يقلل بشكل أكبر من الحاجة إلى التركيز المستمر.

ومع ذلك، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري ليس ضارا تماما. هناك أدلة قوية على أن الذكاء الاصطناعي قادر أيضا على تعزيز القدرات المعرفية من خلال العمل كشريك فكري بدلا من مجرد بديل للتفكير. في مجالات مثل البحث العلمي والطب والهندسة، يعمل الذكاء الاصطناعي كأداة قوية تمكن الخبراء من معالجة كميات هائلة من البيانات، وكشف الأنماط الخفية، وتوليد حلول مبتكرة على نطاق غير مسبوق. في هذه السياقات، لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء البشري بل يوسعه، تماما مثل التلسكوب الذي يعزز الرؤية بدلا من تقليص القدرة على الرؤية.

يكمن التمييز الرئيسي في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي. إذا تم التعامل معه كممكن للإبداع وحل المشاكل والتفكير النقدي، فإن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على رفع مستوى الذكاء البشري. ولكن إذا أصبح عكازًا يشجع الكسل الفكري والاستهلاك السلبي للمعلومات، فإن خطر التدهور المعرفي يصبح حقيقيا. وبالتالي فإن التحدي ليس تقنيا فحسب بل فلسفيا: كيف ينبغي للبشر التعامل مع الذكاء الاصطناعي لضمان تعزيز قدراتهم الفكرية بدلا من تقليصها؟

يكمن أحد الحلول في إصلاح التعليم. وبدلاً من الخوف من تأثير الذكاء الاصطناعي على التعلم، يستطيع المعلمون الاستفادة من إمكاناته لتعزيز المشاركة الفكرية الأعمق. على سبيل المثال، يمكن تصميم أنظمة التدريس التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتشجيع التفكير النقدي من خلال حث الطلاب على شرح أسبابهم بدلاً من مجرد تقديم الإجابات. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعليم محو الأمية الرقمية ــ بما في ذلك القدرة على التشكيك في المحتوى الذي يولد بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتعرف على التحيزات في الخوارزميات، والتمييز بين المعرفة الحقيقية والمعلومات السطحية ــ سيكون ضرورياً في عصر الآلات الذكية.

وهناك عامل حاسم آخر يتمثل في أن الذكاء الاصطناعي قادر على تمكين الطلاب من فهم ما يحدث في العالم الحقيقي.

إن العامل الرئيسي هو العقلية البشرية. إن الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي سلطة معصومة من الخطأ وليس أداة يجب فحصها واستجوابها يمكن أن يؤدي إلى تراجع الاستقلال الفكري. يجب تنمية القدرة على تحدي الاستنتاجات التي يولدها الذكاء الاصطناعي، وطرح أسئلة أعمق، والانخراط في التفكير التأملي. لقد أظهر التاريخ أن كل ثورة تكنولوجية - من المطبعة إلى الإنترنت - أثارت مخاوف بشأن تدهور الذكاء البشري، ومع ذلك فقد تكيفت البشرية باستمرار. ثورة الذكاء الاصطناعي ليست مختلفة، بشرط أن يتخذ الأفراد دورًا نشطًا وليس سلبيًا في تعاملهم مع التكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا جوهريًا ولا نعمة لا لبس فيها للذكاء البشري. بل إنه بمثابة مرآة تعكس الطريقة التي يختار بها البشر التفاعل معه. إذا تم التعامل معه كوسيلة لتعزيز الفكر بدلاً من استبداله، يمكن للذكاء الاصطناعي دفع حدود الإمكانات البشرية. ومع ذلك، إذا سُمح له بتآكل العمليات الأساسية للتعلم والمنطق والإبداع، فقد يؤدي بالفعل إلى تراجع القدرات الفكرية. إن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يجعل البشر أكثر ذكاءً أو أكثر غباءً ليس مسألة تقنية فحسب، بل مسألة كيفية اختيار المجتمع لاستخدامها.

0 التعليقات: