الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، فبراير 12، 2025

سلفادور دالي لم يمت: عبدو حقي


على قبة السماء المفتوحة، نبتت ساعة رخوة، 

تمددت عقاربها كأخطبوط يبتلع الشمس، 

وكانت العيون تتسلق الجدران الهلامية، 

بحثًا عن نظرة سلفادور دالي الأخيرة. 

لم يمت، 

بل أذاب نفسه في لون اللازورد، 

وصار شبحًا يتجول في غرف المستشفيات المجنونة، 

يقطر من شاربه زيتونًا أندلسيًا، 

ويمد أصابعه ليعيد ترتيب الأحلام المذبوحة 

على فراش الزمن المنصهر. 

 

في زاوية ما من متحف مجهول، 

تتكوم ذراعه في صندوق زجاجي، 

بينما تسبح أصابعه في الفراغ، 

ترسم في الهواء مفاتيح لدروب 

لا تؤدي إلا إلى متاهات أبدية. 

 

لم يمت، 

بل علق نفسه على شماعة الريح، 

واختبأ في خزانة النساء المتبرجات، 

وفي مرايا الحمقى الذين يبتسمون 

حين ينظرون إلى الفراغ الممتلئ به. 

 

أرأيت كيف تلد الجدران رؤوسًا بعيون بلا جفون؟ 

وكيف تتدلى الفراشات من سقوف الغرف الصامتة، 

كما لو كانت شهقات مراهقة هربت من كتب فرويد؟ 

 

إنها أنفاسه... 

يتنفس عبر اللوحات المسافرة في غبار الوقت، 

ويترك بصماته على كل تفاحة تتعفن ببطء 

تحت أشعة الضوء الاصطناعي. 

 

لم يمت، 

بل صار ظلًا يسير بجانبك في الأزقة المهجورة، 

يهمس في أذنك بأسماء لا وجود لها، 

ويضحك حين يراك تحاول الهرب 

من أفكارك التي لا تعرف الحدود. 

 

هل شاهدت العشاء الأخير؟ 

إنه ليس يسوع هناك، بل دالي نفسه، 

يمد يده ليكسر خبزًا من زجاج، 

وينظر إلى تلاميذه الذين لا يعرفون 

ما إذا كانوا جزءًا من الواقع 

أم مجرد فقاعات حلم انفجرت 

في فضاء العقل الحائر. 

 

لم يمت، 

بل ترك شواربه كأبراج شاهقة في الصحراء، 

ونثر جنونه في أدمغة الأطفال 

الذين يرسمون بأصابعهم 

كواكب لم تكتشف بعد. 

 

في الليل، حين تنام المدن كأفاعي مروضة، 

ينهض من سحب الحبر الأسود، 

يمشي فوق الماء دون أن يبلل روحه، 

يبتسم لقمر فقد وجهه، 

ويعلق على صدره وسام العبث المقدس. 

 

لم يمت، 

بل رسم لنفسه بابًا في جدار الوهم، 

ودخل إليه دون أن يلتفت.

0 التعليقات: