قصائدي ليست لي. تتسرب من بين أصابعي
كدخان مبخرة، كرمل
من قبضة طفل.
إنها أيتام الريح،
المواليد من همسة
ابتعدت كثيراً عن لسان
أمها.
أجدها متشابكة في أغصان
الزيتون،
ومن لحاء أشجار عاشت أكثر من أسمائها.
إنها ليست لي. إنها
شظايا مزهرية
حطمها الزمن، وما زالت
أزهارها عطشى في الأنقاض.
حاولت أن أجمعها ذات
مرة ــ هذه المقاطع المتمردة ــ
لكنها ذابت مثل الملح
في بحر أنفاسي.
قالت: نحن لسنا لك.
نحن وجع ألف غريب لم يتعلموا البكاء قط.
قالت: نحن ظلال السنونو
فرت من عشها حين تحولت
السماء إلى رماد.
نحن حبر نجمة أغرقت
نفسها
للهروب من ثقل نورها.
قصائدي هاربة. تنام
في جيوب المنفيين،
وتعشش في ضلوع أولئك
الذين تركوا أقدامهم على الحدود.
لا تطلب الإذن لدخول
أحلامك.
لا تطرق الباب.
هي الضيوف غير المدعوين
الذين يصلون في منتصف
الليل، ويتركون وراءهم رائحة الياسمين
والبارود.
يجلسون على مائدتك،
يلتهمون خبزك،
ثم يختفون، ولا يتركون
سوى بقعا على القماش -
خريطة لبلد لم يكن
موجودًا أبدًا.
لا تطلب مني أن أشرح
لهجتها. إنها تتحدث
بقواعد الحجارة، وبنحو
الندوب.
إنها جوقة الصيادين
الموتى الذين يغنون للأمواج،
ترنيمة الجذور التي
تخترق الخرسانة.
إنها الصمت بعد الانفجار،
الصدى الذي يعيش بعد
صوت ميلاده.
لقد وجدت واحدة ذات
مرة، ملتفة مثل جنين في يدي.
همست بترنيمة نسيت
جدتي أن تنهيها.
قالت :أنا لست
ذاكرتك.
أنا السؤال الذي سأله
الجلاد للمرآة.
أنا الدمعة التي رفضت
السقوط
حتى نبتت حدائق على
جدران السجن.
فتحت يدي. طارت، فراشة
نحو لهب
إنارة شارع تومض تحت
المطر.
إنها تنام مع حزن العدو،
وترقص على قبور المجهولين.
إنها ترنيمة
الملحد الراكع في مسجد
شكه.
إنها تشرب من نفس الكأس
التي يشربها الجندي
الذي يكتب رسائل حب
إلى امرأة لن يلتقيها أبدًا.
إنها خيانة اللغة،
وخيانة الأمل-
علم مخيط من خيوط الكفن،
يرفعه عالياً أيدي
المدفونين.
إنها تتهمني بسرقتها.
الحقيقة هي:
أنا اللص الذي سُلب.
لقد أخذوا نومي،
وتركوا لي كيسًا من
الرسائل غير المرسلة الموجهة إلى الريح.
لا تتلوا هذه القصائد
في جنازتي. فهي لن تبكي.
إنها ضحكة الطفل الذي
يعد القنابل
ويسميها نجوماً ساقطة.
إنها العروس التي تتزوج الأفق، ثم تطلق الفجر.
إنها الإشاعة التي
تمر عبر السوق—
إنها خطوات شبح
يمشي إلى الوراء ليمحو
آثار أقدامه.
قصائدي ليست لك. إنها
ليست مفتاحاً
لغرفة قلبي المغلقة.
إنها ليست جسراً
لعبور هاوية صمتي.
إنها الصمت.
إنها الجرح الذي يرفض
الشفاء
لأنه يحب ملح البحر
بل إنها البحر.
إنها الشاطئ الذي ينسحب
من جسده.
إنها الجسد، الذي سئم
أن يكون مجازاً،
يذوب في ضوء، في غبار،
في صوت.
وعندما يتركونني ـ
كما يفعلون دائماً ـ
أصبح الكرسي الشاغر،
والهاتف الذي لم يرد عليه.
أصبح الساعة الرملية
التي تحزن على فراغها.
ولكنهم يعودون، كما
تعود الطيور إلى شجرة بلا أوراق،
ليس بدافع الحب، بل
لأن الشجرة موجودة.
يحطون على كتفي، وينقرون
عيني،
ويهمسون: "اكتب
لنا مرة أخرى. ما زلنا
لسنا لك. ما زلنا لا
أحد. ما زلنا كذلك."
أكتبها، لكنها تصلني
كغرباء. تطرق باب حلقي بإصرار طفل لا يعرف أباً أو أماً. أسمح لها بالدخول، أيتام الريح،
مقاطعهم ما زالت رطبة بعرق حلم لا أستطيع تسميته.
تتلوى على الصفحة مثل
دخان نار أشعلت قبل ولادتي بوقت طويل. أسألها: "من الذي نحتك بأنفاسه؟
تجيب بصمت ظل يهرب من جسده.
قصائدي ليست لي. إنها
كتابات جرافيتي على جدران مدينة هدمت وأعيد بناؤها سبع مرات.
إنها شجرة الزيتون
التي تعيش بعد ضربة الفأس، جذورها تخترق ضلوع الجنود والرعاة على حد سواء. عندما أركع
لجمع رسائلهم المتساقطة، تتناثر مثل بذور رمان شقتها الشمس.
"ابق"، أتوسل.
لكنهم يتسلقون الأفق بالفعل، يمتطون ظهور الزرزور، وترسم أجنحتهم سماء لا يمكن لأي
حدود أن تطالب بها.
أجدهم في أنقاض صوت
جدي، في المفاتيح الصدئة لمنزل ابتلعته بساتين الصمت. إنهم يدندنون بلهجة الحجارة
- أمناء المكتبات القدامى الذين يتذكرون كل خطوة تخطت نومهم. عندما أضغط أذني على الأرض،
يتمتمون بأسماء الأنهار التي عكست جريانها لتنسى طعم الدم.
"اكتب لنا"
يقولون، ولكن لا توقع
باسمك. القصيدة قبر مشترك. تنتمي إلى اليد التي تحفر واليد التي تملأ الحفرة.
في بعض الأحيان، يأتون
إلي كلاجئين. حروف العلة لديهم مترهلة، والحروف الساكنة متقرحة من عبور صحارى من السكون.
أقدم لهم الماء، لكنهم يشربون فقط من بئر غير المحكي. يخيطون جراحهم بخيط مسحوب من
حافة علم لا يحييه أحد.
*أين ستذهب؟*
أسأل. يشيرون إلى الأفق، حيث يعلق القمر فانوسه للضائعين.
*في كل مكان*
يقولون. *لا مكان.
نحن نشيد المحرومين، نغني بنغمة لا يسمعها إلا عديمو الجنسية.*
لا تخطئوا في اعتبارهم
ترانيم. إنهم سعال سجين يحفر وجه أمه على الحائط بملعقة. إنهم الصراخ الذي ينضج في
الصدر ويتعفن هناك، دون أن يُنطق به. عندما أحاول حبسهم في استعارة، يهزون القضبان
بغضب حصان يتذكر حقله.
*أنت حر* أقول.
يضحكون - صوت مثل الزجاج
المكسور الذي يلمع في الظلام.
*الحرية هي القفص*،
يهزون.
*وأنت الحارس الذي
ينسى مفاتيحه الخاصة.*
يتهمونني.
*أنت تلبسنا حزنك،
لكننا لسنا ملابس حدادك. نحن الكفن الذي يبقى بعد الجثة.*
أدعي البراءة، لكنهم
يتهمونني بدقة قناص:
*لقد حولتم "أنا"
إلى جرح. لكننا "نحن" الذي ينزف من كل فم.*
عند الفجر، ينزلقون
إلى جلد الضباب، ولا يتركون سوى بقعة من الضوء على الصفحة. أطاردهم، لكنهم يذوبون مثل
الملح في بحر ما لا يمكن ترجمته.
لا يتركون بصمات أصابع،
فقط صدى سؤال:
*من هو مؤلف المطر؟
السحابة؟
العطش؟ لسان الأرض
الجاف؟*
أعترف: لم أسرق شيئًا.
لم أخترع شيئًا. قصائدي هي الخندق حيث يتبادل الأحياء والأموات المعاطف. إنها الخبز
الذي يُترك على حافة النافذة لشبح. إنها الطفل الذي يشد حافة التاريخ، ويسأل،
*لمن هذه الخطوات؟*
و
*لماذا يسيرون في دوائر؟*
لا تمدحني. لا تدفنني.
"اسمي هو المستأجر
المؤقت لهذه السطور. عندما تأتي الحرب - وهي قادمة دائمًا - ستمحو القصائد آثار أقدامها.
ستطوي نفسها في طيات رسالة حب انزلقت تحت باب لم يعد موجودًا. ستصبح الغبار الذي يلتصق
بصورة وجه تخلت عنه الذاكرة.
دع العلماء يتجادلون
حول عظامي. دعهم يتجادلون حول
"الأنا"
و "الأنت".
قصائدي لا تنتمي إلي.
إنها لا تنتمي إليك. إنها الهمس الذي يرتفع من الشق بين الوطن وحفرة في الأرض. إنها
نشيد الجذر، ترنيمة الصخرة، تهويدة المقيد.
لقد كانوا هنا قبلي.
سيبقون عندما يصبح صوتي رماد فعل. اسألهم من أين أتوا. سيقولون: *من مكان حيث كل كلمة
أرملة. من مكان حيث كل كلمة عروس.*
اسألهم إلى أين يذهبون.
لن يقولوا شيئًا.
سيقولون كل شيء.
سيوجهون وجوههم نحو
النور ويمشون.
*قصائدي لا تخصني ولا تخص أي شخص آخر*
قصائدي لا تخصني ولا
تخص أي شخص آخر.
تنزلق بين أصابعي كالمطر،
تتساقط في الشوارع
العطشى، في أيادي لن ألمسها أبدًا.
لا تنتظر الإذن، ولا
تطلب العودة.
ولدت من المنفى، من
الشوق، من بيت أحمله في عروقي.
أهمس بها في الليل،
لكن الليل ليس ملكًا لهم.
تحملها الريح إلى ما
وراء التلال،
حيث تقف أشجار الزيتون
كأنبياء متعبين،
حيث تحمل الأنهار ثقل
الأغاني المنسيّة.
كلماتي ليس لها حدود،
ولا سلاسل، ولا صمت.
تهرب من شفتي وتنسى
اسمي.
لقد أعطيتها للأرض،
للراعي الذي يحلم ببيت
من حجر،
للطفل الذي يحمل البحر
في عينيه،
للمرأة التي تنتظر
على الشاطئ صوتًا لن يعود.
"تنتمي قصائدي إلى غبار الطرقات،
إلى أقدام الضائعين،
إلى جوع أولئك الذين لا يتكلمون.
إنهم يسيرون بمفردهم،
غير مطالبين، غير مثقلين،
يبحثون عن مكان لا
يملك أحد فيه شيئًا.
لقد حاولت ذات يوم
أن أحتضنهم،
لأقول لهم إنهم ملكي،
لأسميهم كما يسمي الأب طفله.
لكنهم ضحكوا،
بهدوء، مثل أوراق الشجر
التي تلامس نافذة مهجورة.
"أنت فقط الباب الذي نمر من خلاله"، قالوا.
"أنت لست السماء، ولست النهر، ولست الصلاة".
وهكذا أطلق سراحهم،
كما تطلق السماء الطيور،
كما تطلق الأم ابنها
للحرب التي لا تؤمن بها.
دعهم يذهبون إلى العشاق
الذين يتحدثون همسًا تحت مدينة محظورة التجول،
دعهم يذهبون إلى الرجل
العجوز الذي يكتب رسائل إلى شبابه الضائع،
دعهم يذهبون إلى المتمرد
الذي يحلم بفجر بلا بنادق.
قصائدي لا تخصني ولا
تخص أي شخص آخر.
إنها تخص أولئك الذين
لا يملكون شيئاً،
ولأولئك الذين فقدوا،
ولأولئك الذين انتظروا طويلاً.
إنها تخص الصمت بعد
الوداع،
وللنفس قبل أن يُنطق
اسم،
وللحظة التي تدرك فيها
أمة أنها لا تملك أرضاً سوى الذاكرة.
أنا فقط النبض تحت
الحبر،
صدى صوت لم يكن لي
أبداً أن أحتفظ به.
أنا فقط جسر من التنهدات،
مأوى مؤقت،
كوب من الماء ممسوك
بشفتين مرتعشتين.
دعهم يتجولون حيث لا
أستطيع،
دعهم يطرقون الأبواب
التي لن أراها أبداً،
دعهم يعودون، إذا اضطروا،
كغرباء لم أعد أعرفهم.
لأن قصائدي لا تخصني
ولا تخص أي شخص آخر.
إنها تخص الريح، والشوق،
والوعد،
للأيدي التي ستكتب
قصائدها ذات يوم.
أدخل الغرفة، لكن الغرفة
ليست غرفة - إنها نهر نسي كيف يتدفق، معلق في الهواء، جدران مصنوعة من صفحات همس،
والسقف جفن كبير يرتجف بأحلام غير مقروءة. تمتد يداي، لكنها ليست يدان - إنها ظلال
تلقيها شيء أكبر مني، شيء يضحك خارج الإطار مباشرة.
قصائدي ليست لي. لقد
أعطتني إياها امرأة برأس ساعة وجسم سلم لا يؤدي إلى أي مكان. همست بها في أذني وهي
تدير يديها للخلف، ووجدت صوتي متشابكًا مع تروس فكها. عندما أكتب، أسمع دقاتها، تآكل
بطيء للثواني يذوب في قرون.
إنها ليست لك أيضًا.
"تظن أنك تملك الكلمات التي تقرأها، لكنها تتبخر بمجرد أن تلمس تربة فهمك. تقطف
استعارة مثل ثمرة ناضجة، فقط لتكتشف أنها تحولت إلى ملح بين أصابعك. تلتهم القصيدة
نفسها أمام عينيك. ماذا كانت؟ ثعلب مصنوع من الحبر، ينزلق بين قضبان وعيك؟ نافذة بلا
زجاج، تفتح على محيط من الريش الأسود؟
يخبرني الرجل ذو الوجه
مثل ثقب المفتاح، "كل قصيدة هي مسرح جريمة". أرى بقع الحبر على أصابعي وأتساءل
من دم هذا. هناك شخص مفقود دائمًا. تختفي الكلمة الأولى قبل أن تولد الأخيرة. إذا أغمضت
عيني، يمكنني تقريبًا أن أتذكر ما كنت أقصد قوله، لكن اللغة هربت بالفعل، ولم تترك
سوى درب من الكراسي المقلوبة والزنابق المحترقة في أعقابها.
ذات مرة، أمسكت بقصيدة
في جرة زجاجية. رفرفت على الجوانب، محمومة، فراشة مصنوعة من الحروف الساكنة.
"راقبتها حتى سكتت، حتى أصبحت مجرد غبار وذكريات أجنحة. عندما فتحت الجرة، امتلأت
الغرفة بصوت مثل المطر الذي نسي كيف يسقط.
قصائدي لا تنتمي لأحد،
لأنها ترفض أن يتم القبض عليها. إنها تتسلل إلى أفواه الغرباء، وتلتف حول معصمي السائرين
في النوم، وتترك آثار أقدام على أسقف غرف غير موجودة. عندما أحاول المطالبة بها، تختفي،
ضاحكة، في ممرات عقلي.
ومع ذلك، فهي هنا.
تشعر بها تتحرك تحت جلدك، أليس كذلك؟ همسة خارج نطاق سمعك، وميض في زاوية عينك. ستستيقظ
غدًا بكلمة على لسانك لا تنتمي إليك. ستحاول التحدث، وسيتذوق الهواء شيئًا منسيًا.
قصائدي ليست لي أو
لأي شخص آخر. إنها أصداء لشيء أكبر، شيء له عيون كثيرة، شيء يتنفس من خلال الشقوق بالمعنى.
تظن أنك تفهمها، لكنها تغيرت بالفعل، وتحولت مثل ظل سحابة فوق مدينة بلا اسم.
وفي النهاية، ما الذي
يبقى؟ الصمت بين المقاطع، والتردد قبل التنفس، والفضاء حيث كان من الممكن أن تكون الجملة
ولكنها لم تكن موجودة أبدًا. تمد يدك إلى الكلمات، لكن الكلمات قد اختفت بالفعل. تفتح
فمك، لكن كل ما يهرب هو الريح.
قصائدي يتيمة الريح،
تحملها بين يدي، بين الحبر الذي اعتقد ذات يوم أنه يملكها. أكتبها ثم تهجرني. أناديها
بأسمائها، لكنها لا تتراجع. تنتمي إلى الصمت بين الأنفاس، إلى العيون التي تستعيرها
للحظة قبل أن تختفي مثل الطيور التي فزعت من ثقل الشوق البشري.
أنا لست أباها. أنا
بالكاد ظلها. أركع أمام جوعها وأطعمها مقاطع لفظية، ومع ذلك فهي ترفض أن يتم ترويضها.
عندما أحتضنها، تتحول إلى ملح، تنزلق من بين أصابعي مثل شاطئ لن يتذكر المد الذي قبله.
ذات يوم، ظننت أنها
تنتمي إلى بلد مولدي، وأنها لن تعيش إلا في الشوارع حيث تركت خطواتي الأولى أثرها غير
المرئي. لكنها خانتني. حلقت فوق الحدود واختبأت في ألسنة الغرباء. وجدتهم في لغة لم
أكن أعرفها، يرتاحون في فم طفل لم يسمع اسمي قط. بكيت عليهم. حسدتهم.
إن قصائدي لا تخصني
ولا تخص أي شخص آخر. إنها تخص المرأة التي تقرأها في منتصف الليل، تهمس بكل سطر وكأنها
تتحدث إلى من تركها. إنها تخص الرجل العجوز الذي ينسخها على هوامش الصحيفة قبل طيها
في جيبه. إنها تخص السجين الذي يرسم إيقاعها على الجدران الحجرية لوحدته.
إنها تخص الصمت قبل
الفجر. إلى الياسمين الذي يتفتح بلا شاهد سوى الريح. إلى اللاجئ الذي يدندن بأبيات
شعره عندما يبتلع البحر منزله. إلى الأرض التي تحمل عظام أولئك الذين تحدثوا ذات يوم
بنفس الكلمات التي أتحدث بها، والذين اعتقدوا ذات يوم أن الشعر يمكن أن يحمل اسمًا
كما يحبس الجسد أنفاسه.
ولكن لا تخطئوا. إنها
ليست حرة. إنها مقيدة بالتاريخ، مقيدة بحزن أولئك الذين سبقوني. إنها أصداء ألسنة مدفونة
تحت خطوات أجنبية، أسماء تذوب في مطر المنفى. إنها الغبار الذي خلفته رسائل أحرقت قبل
أن تجد وطناً.
ومع ذلك، فأنا لا أحزن
عليها. فهي أكثر حكمة مني. إنها تعرف سر الانتماء، وأنها جرح أكثر منها وطناً. إنها
لا تطلب جوازات سفر، ولا تتوسل العودة. إنها تمشي حفاة على درب الذاكرة، غير خائفة
من أشواك النسيان.
ربما في يوم من الأيام،
عندما يتحول صوتي إلى غبار، ستعود إليّ، ليس كقصائد، بل كصمت. وفي ذلك الصمت، سأستمع،
وأعلم أنها لم تكن لي منذ البداية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق