الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، مارس 22، 2025

كيف يتحقق الصحفيون من التصريحات السياسية؟: عبده حقي


شكلت العلاقة المعقدة والمتوترة بين دول المغرب العربي محورًا رئيسيًا في الجغرافيا السياسية في شمال أفريقيا، حيث جذبت انتباه الصحفيين حول العالم. ونظرًا للنزاعات التاريخية، لا سيما بشأن الصحراء الغربية، والأخبار السياسية المتقلبة التي تتدفق من الجزائر، فإن التحقق من دقة التصريحات السياسية الجزائرية بشأن شقيقتها المغرب يمثل تحديًا هائلًا للصحفيين العرب والأفارقة والأوروبيين. إن البحث عن الحقيقة يتطلب عملية دقيقة تتضمن تقنيات تحقق متعددة، ومراجعة المصادر، ووعيًا دقيقًا بالدوافع والخلفيات السياسية التي غالبًا ما تُؤثر على الخطاب الرسمي.

من أهم الأساليب التي يستخدمها الصحفيون مراجعة التصريحات الرسمية مع مصادر مستقلة. فعندما يُدلي المسؤولون الجزائريون بادعاءات تتعلق بالسياسات المغربية، أو التوترات الحدودية، أو المناورات الدبلوماسية، يستشير الصحفيون المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومختلف هيئات حقوق الإنسان حيث توفر التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات قواعد وأسسا محايدًة لتقييم دقة التصريحات الرسمية. على سبيل المثال، عندما تتهم السلطات الجزائرية المغرب بانتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية، يجب أن يلجأ الصحفيون إلى تقارير بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) للتحقق من هذه الادعاءات.

كما تلعب الصحافة الاستقصائية دورًا حاسمًا في كشف المعلومات المضللة المحتملة حيث يعتمد الصحفيون المتمرسون على الوثائق المسربة، وشهادات المبلغين عن المخالفات، وصور الأقمار الصناعية للتحقق من المطالب الإقليمية أو التحركات العسكرية. وقد استُخدم تحليل الأقمار الصناعية، وهي أداة تُستخدم بشكل متزايد في التحقق من النزاعات، بشكل ملحوظ من قِبل وسائل الإعلام الدولية لتحليل التحركات في المنطقة العازلة في الصحراء المغربية، مما يوفر منظورًا موضوعيًا يتجاوز الخطاب الحكومي الجزائري . وبالمثل، ألقت البرقيات الدبلوماسية المسربة، مثل تلك التي كشف عنها موقع ويكيليكس، الضوء في الماضي على المناورات الدبلوماسية الجزائرية ، مما زود الصحفيين برؤى تتجاوز التصريحات الرسمية.

كما يجب أن تلجأ الصحافة إلى تحليلات الخبراء من علماء السياسة والمتخصصين الإقليميين لفك رموز الخطاب الجزائري المرتكز على الخيال العلمي. إن تحليل الخطاب السياسي، وهو أسلوب يُستخدم في الأوساط الأكاديمية، يُساعد الصحفيين على تحليل التصريحات، والتمييز بين المواقف السياسية والتحولات الجوهرية في السياسات.

لقد أصبحت مؤسسات التأكد من الحقائق ذات أهمية متزايدة في تصفية وغربلة الأخبار التي تُسيطر عليها الدولة الجزائرية حيث تُحلل منصات مثل "أفريكا تشيك" و"بي بي سي ريالتي تشيك" ومنافذ استقصائية مستقلة مثل "تي إس إيه" (كل شيء عن الجزائر) و"لو ديسك" الادعاءات المُتنازع عليها بتدقيق عميق. إن هذه المؤسسات تقوم بتحليل خطاب القادة السياسيين، وتُقارنه بالبيانات التاريخية، وتُظهر التناقضات عند الضرورة. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك تأكيدات الجزائر المتكررة بأن المغرب كان وراء عمليات التجسس الإلكتروني ضد مسؤولين جزائريين. فقد قام مدققو الحقائق بفحص التقارير الفنية الصادرة عن شركات الأمن السيبراني بشكل منهجي، وتدقيق البيانات المتاحة، ولم يجدوا أي دليل ملموس يدعم هذه الادعاءات، مما يكشف عن حالة محتملة من المناورات الدبلوماسية بدلاً من التقارير الواقعية.

علاوة على ذلك، يدرك الصحفيون أن التصريحات السياسية غالباً ما تتشكل بفعل الضغوط والأزمات الداخلية. ففي حالة الجزائر، كثيراً ما تؤثر الصراعات السوسيو- اقتصادية الداخلية والاحتجاجات والتحولات القيادية على الخطاب الخارجي، وخاصةً فيما يتعلق بنزاعه المفتعل مع المغرب. قد تلجأ الحكومة الجزائرية التي تواجه معارضة شعبية قوية إلى خطاب متصاعد معادٍ للمغرب كوسيلة لإلهاء الرأي العام، وهي استراتيجية موثقة جيداً في أدبيات العلوم السياسية. يتيح فهم هذه الديناميكيات المحلية للصحفيين التعامل مع البيانات الرسمية بشك مناسب، مما يضمن أن تعكس التغطية الحقائق الداخلية والخارجية على حد سواء.

على الرغم من هذه الجهود الحثيثة، لا تزال هناك تحديات جمة . غالباً ما تحد بيئة الإعلام الخاضعة للرقابة في الجزائر والقيود المفروضة على حرية الصحافة من الوصول إلى مصادر محلية موثوقة. ويعاني المراسلون الأجانب في الجزائر من قيود الدخول والعراقيل التي تفرضها الحكومة على التقارير، مما يجعل طريق التحقق المستقل شاقا وصعباً.

في مثل هذه الحالات، يُقدّم صحفيو الشتات في الخارج والمعارضون المنفيون وجهات نظر بديلة، مع أن رواياتهم تتطلب أيضًا تدقيقًا عميقا لتجنب التحيزات.

إن السعي وراء الحقيقة الصحفية، أحيانًا، يشبه خوض ماراتون يحاول فيه الفاعل السياسي إبعاد الحقيقة. ومع ذلك، ومن خلال الجمع بين تدقيق الحقائق، واستشارة الخبراء، وأساليب التحقيق، والتحليل السياقي، يواصل الصحفيون في جميع أنحاء العالم محاسبة القادة الجزائريين.

أخيرا في عصرٍ يُمكن فيه للتضليل الإعلامي أن يؤثر على العلاقات الدولية، يبقى دور الصحافة الدؤوبة أساسيًا في فصل الحقيقة عن الخيال.

0 التعليقات: