أعلنت الغرفة التشريعية العليا في الجزائر، مجلس الأمة، تعليق علاقاتها مع مجلس الشيوخ الفرنسي . وجاءت هذه الخطوة الحاسمة بمثابة رد مباشر على زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه إلى منطقة الصحراء المغربية.
وندد بيان مجلس الأمة بزيارة لارشيه ووصفها بأنها "غير مسؤولة واستفزازية "، مما يعكس إحباطات عميقة الجذور إزاء تحيز فرنسا العقلاني في نزاع الصحراء.
إن هذه الواقعة ليست
مجرد تصعيد دبلوماسي معزول، بل هي مظهر من مظاهر التوتر المزمن الذي أدى إلى توتر العلاقات
الفرنسية الجزائرية بشكل دوري منذ عام 1962.
وقد أدى اعتراف فرنسا
بالسيادة المغربية على الصحراء إلى تفاقم هذه التوترات، مما دفع الجزائر إلى استدعاء
سفيرها من باريس احتجاجًا. ولم تخدم الزيارة الأخيرة التي قام بها مسؤول فرنسي رفيع
المستوى إلى المنطقة إلا في تكثيف ادعاءات الجزائر، مما دفع إلى تعليق اتفاقيات التعاون
البرلماني التي تم إنشاؤها في عام 2015.
ويزداد هذا الخلاف
الدبلوماسي تعقيدًا بسبب المخاوف الأمنية داخل فرنسا. لقد أشعل هجوم بالسكين وقع مؤخراً
في مدينة مولهاوس، نفذه مواطن جزائري نجح في الإفلات من محاولات ترحيل متعددة، نقاشاً
عنيفاً حول سياسات الهجرة والاتفاقيات الثنائية. ورداً على ذلك، هدد رئيس الوزراء الفرنسي
فرانسوا بايرو بإعادة تقييم اتفاقية الهجرة الفرنسية الجزائرية لعام 1968، والتي تمنح
المواطنين الجزائريين امتيازات. ويشير تأكيد بايرو على أن إحجام الجزائر عن إعادة مواطنيها
إلى وطنهم يشكل "هجوماً مباشراً على الاتفاقيات التي أبرمتاها فرنسا مع السلطات
الجزائرية" إلى إمكانية إجراء مراجعة شاملة لسياسات الهجرة القائمة منذ فترة طويلة،
مع توقع أن تستغرق عملية المراجعة هاته من أربعة إلى ستة أسابيع.
ويعكس المأزق الحالي
أيضاً ديناميكية جيوسياسية أوسع نطاقاً في منطقة المغرب العربي. فالجزائر ترى أن التحالفات
الاستراتيجية الفرنسية، وخاصة دعمها للمطالب الصحراوية للمغرب، مناورات عدائية تتجاهل تطلعات الشعب الصحراوي
إلى تقرير المصير.
إن تعليق العلاقات
البرلمانية بين الجزائر وفرنسا هو بمثابة نموذج مصغر للتحديات الأوسع المتأصلة في التوفيق
بين الإرث التاريخي والحقائق الجيوسياسية المعاصرة. وبينما تتنقل الدولتان عبر هذه
التضاريس السياسية المعقدة، فإن احتمالات التقارب تتوقف على الرغبة المتبادلة في معالجة
القضايا الخلافية بصراحة. وهذا لا يتطلب المشاركة الدبلوماسية فحسب، بل يتطلب أيضًا
جهدًا متضافرًا لمواجهة الجروح التاريخية وعلاجها.
إن التصعيد الأخير
في التوترات الفرنسية الجزائرية، والذي تجسد في تعليق الجزائر لعلاقاتها مع مجلس الشيوخ
الفرنسي، يؤكد الطبيعة المعقدة والمحفوفة بالمخاطر لعلاقاتهما. إن التقاء العداوات
التاريخية، وأهداف السياسة المتباينة، وديناميكيات القوة الإقليمية يفرض عقبات هائلة
أمام التعاون المستدام. ومع ذلك، من خلال التعامل بشكل نقدي مع ماضيهما المشترك واعتماد
حوار يتطلع إلى المستقبل، توجد إمكانية لتحويل هذا التنافس الدائم إلى شراكة قائمة
على الاحترام المتبادل والتفاهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق