الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، مارس 08، 2025

هل سيتدخل ترامب في ملف سبتة ومليلية بين المغرب وإسبانيا: ترجمة عبدو حقي


رفضت الحكومة الإسبانية المخاوف من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يتخذ موقفا مؤيدا للمغرب فيما يتعلق بوضع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين . وقد أثارت هذه القضية مخاوف في إسبانيا بسبب العلاقات المتوترة بين مدريد وواشنطن بشأن مختلف القضايا الجيوسياسية، بما في ذلك فلسطين وأوكرانيا، كما أبرزت مقالة نشرتها مؤخرا صحيفة "إل إسبانيول" الإسبانية.

ويخشى مسؤولون أمنيون إسبان أن تؤدي العلاقة الإيجابية لترامب مع المغرب إلى إصداره إعلانا مماثل لاعترافه عام 2020 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وقد حلل تقرير صادر عن المركز الأعلى لدراسات الدفاع الوطني في إسبانيا (التابع لوزارة الدفاع الإسبانية) التحول الاستراتيجي في العلاقات الأمريكية المغربية، مؤكدا على أولوية واشنطن للمغرب كشريك إقليمي رئيسي في البحر الأبيض المتوسط. وقد تعزز هذا التحول بتطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة بمطالب المغرب المشروعة بالصحراء الغربية.

وقد حاول وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس التقليل من أهمية هذه المخاوف، مؤكداً أن سبتة ومليلية أراضي إسبانية بالكامل وأن المغرب يظل شريكاً استراتيجياً. كما أكد أن الولايات المتحدة كانت تاريخياً حليفة للدول الأوروبية وأن أي تغيير في سياستها في شمال إفريقيا سيكون له آثار جيوسياسية واسعة النطاق.

من منظور مغربي، زعم الصحفي وخبير العلاقات الدولية عبد الهادي مزاري أن المخاوف الإسبانية تبدو مبالغ فيها، حيث وصلت العلاقات الحالية بين المغرب وإسبانيا إلى أعلى مستوياتها. وذكر أن أي مخاوف بشأن التهديدات الأمنية المحتملة في سبتة ومليلية تغذيها إلى حد كبير الدوائر السياسية والإعلامية الإسبانية وليس الإجراءات الملموسة من المغرب أوالولايات المتحدة.

وأوضح الأكاديمي الإسباني الدكتور أنيكي جوتيريز دي تيران أن المخاوف بشأن عدم القدرة على التنبؤ بترامب مبررة، حيث أن قراراته السابقة تظهر نمطًا من التحولات المفاجئة في السياسة الخارجية. ومع ذلك، أشار إلى أن أي اعتراف محتمل بالسيادة المغربية على سبتة ومليلية من قبل ترامب سيكون خاضعًا للعلاقات الأوسع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي يمكن أن تعمل كقوة موازنة.

تاريخيًا، كانت هناك مؤشرات على دعم الولايات المتحدة للمغرب فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية مع إسبانيا. على سبيل المثال، خلال أزمة عام 2002 حول جزيرة ليلى، اقترحت الولايات المتحدة أن تتنازل إسبانيا عن السيطرة على الجزيرة للمغرب. بالإضافة إلى ذلك، اعترفت واشنطن بالمغرب كشريك استراتيجي لحلف شمال الأطلسي، وخاصة ردًا على معارضة إسبانيا لحرب العراق.

كما بحثت المناقشة السياق الأوسع للعلاقات الأمريكية المغربية. تم تأطير اعتراف إدارة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية كشكل من أشكال المعاملة بالمثل التاريخية، نظرًا للدعم الدبلوماسي المبكر للمغرب للولايات المتحدة في أواخر القرن الثامن عشر. لقد نمت الأهمية الاستراتيجية للمغرب بالنسبة لواشنطن بسبب دورها القيادي في إفريقيا، وشراكاتها الاقتصادية، وتعاونها في المسائل الأمنية، وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والسيطرة على الهجرة.

لقد كانت الحجة الرئيسية المقدمة في المناقشة هي أن أجندة السياسة الخارجية الأوسع لترامب قد تهدف إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي، واستخدام قضية سبتة ومليلية كرافعة ضد إسبانيا يمكن أن يكون جزءًا من هذه الاستراتيجية. ولكن احتمالات التدخل الأميركي المباشر في وضع هذه الجيوب تظل غير مؤكدة.

وتطرق النقاش أيضا إلى الاستجابات الأوروبية المحتملة لأي تحركات أميركية لصالح المغرب. وقد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول دبلوماسية لتهدئة التوترات، لأن قضية سبتة ومليلية ليست أولوية لصناع السياسات الأوروبيين. تاريخيا، دعمت الولايات المتحدة اندماج إسبانيا في الاتحاد الأوروبي خلال ثمانينيات القرن العشرين، معتقدة بقوة أوروبا الموحدة لموازنة روسيا.

إذا اعترف ترامب بالسيادة المغربية على سبتة ومليلية، فمن المرجح أن تواجه الحكومة الإسبانية اضطرابات سياسية كبيرة. وقد تصبح القضية جدلا محليا كبيرا، وفي الوقت نفسه، ستحتاج المغرب إلى توجيه استراتيجيتها الدبلوماسية بعناية لتجنب الإضرار بعلاقاتها الاقتصادية والسياسية القوية مع إسبانيا.

وعلاوة على ذلك، قد يكافح حزب فوكس اليميني المتطرف الإسباني، الذي تربطه علاقات بإدارة ترامب، للتوفيق بين موقفه القومي واعتراف ترامب الافتراضي بالمطالبات المغربية. وقد يؤدي هذا التناقض إلى إضعاف نفوذ فوكس في السياسة الإسبانية.

وفيما يتعلق بالديناميكيات الجيوسياسية الأوسع نطاقا، أشار النقاش إلى زيارة ترامب المقبلة إلى المملكة العربية السعودية، والتي قد تدل على جهد لإعادة تشكيل التحالفات الأمريكية في الشرق الأوسط ومواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا. وتكهن المحللون بأن المغرب قد يلعب دورا حاسما في رؤية ترامب لنظام عالمي جديد. ومع ذلك، فإن التنبؤ بالمسار الدقيق لعمل ترامب يظل صعبا، نظرا لتاريخه من القرارات غير المتوقعة.

 

وفي الختام، في حين أن المخاوف من اعتراف ترامب بالسيادة المغربية على سبتة ومليلية لا تزال قائمة، إلا أن المخاوف من أن ترامب قد يتخلى عن السيادة المغربية على المدينتين المحتلتين قد تكون أكثر إثارة للقلق.

ورغم أن قضيتهما لا تزال قائمة في الدوائر السياسية الإسبانية، فإن احتمالات اتخاذ مثل هذه الخطوة تظل غير مؤكدة. فقد حافظت إسبانيا والمغرب على علاقات دبلوماسية قوية، ويتسم نهج السياسة الخارجية المغربي بالبراغماتية والحسابات الاستراتيجية بدلاً من المواجهات المفاجئة.

وفي نهاية المطاف، سوف يتأثر أي تحول في السياسة الأميركية بشأن هذه القضية باعتبارات جيوسياسية أوسع نطاقاً، بما في ذلك العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

0 التعليقات: