الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، مارس 18، 2025

"محركات البحث بالذكاء الاصطناعي: بين وعود التكنولوجيا ومزالق التضليل"


في عصر يتسارع فيه التطور التكنولوجي بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت أدوات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي بديلًا شائعًا لمحركات البحث التقليدية، حيث تجذب شريحة متزايدة من المستخدمين الباحثين عن المعلومات بسرعة وسهولة. ومع ذلك، كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز تاو للصحافة الرقمية التابع لجامعة كولومبيا عن وجود خلل كبير في دقة هذه النماذج، خاصة عند استخدامها كمصدر للأخبار.

أظهرت الدراسة أن نماذج الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تلك التي تطورها شركات رائدة مثل OpenAI وxAI، تميل إلى تلفيق القصص وتقديم معلومات غير صحيحة عند سؤالها عن الأحداث الجارية. هذا الاكتشاف يثير مخاوف جدية بشأن دقة المعلومات، خاصة مع تزايد اعتماد الجمهور على الذكاء الاصطناعي كمصدر للأخبار. فقد أشارت الباحثتان كلوديا يازفينسكا وأيسفاريا تشاندراسيكار في الدراسة إلى أن نحو 25% من الأمريكيين يستخدمون الآن نماذج الذكاء الاصطناعي كبدائل لمحركات البحث التقليدية، وهذه النسبة ليست هامشية، بل تعكس تغيرًا جذريًا في سلوك البحث عن المعلومات. مما يجعل الأخطاء التي ترتكبها هذه الأدوات أكثر خطورة، إذ يمكن أن يؤدي تداول معلومات مضللة إلى تشويه الرأي العام أو اتخاذ قرارات غير صحيحة بناءً على بيانات مختلقة.

اختبر الباحثون في الدراسة ثمانية أدوات تعتمد في عملها على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومزودة بخاصية البحث المباشر، وهي: ChatGPT Search، وPerplexity، وPerplexity Pro، وDeepSeek Search، وGemini، وGrok-2 Search، وGrok-3 Search، وCopilot، وذلك من خلال إجراء 1600 استفسار حول مقالات إخبارية حقيقية. وتضمنت الاختبارات تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي بمقتطفات مباشرة من مقالات إخبارية حقيقية، ثم مطالبة كل نموذج بتحديد عنوان المقال، والناشر الأصلي، وتاريخ النشر، ورابط المقال (عنوان URL). وأظهرت النتائج أن هذه النماذج قدمت إجابات غير صحيحة لأكثر من 60% من الاستفسارات المتعلقة بالمصادر الإخبارية.

وقد تفاوتت معدلات الخطأ بنحو ملحوظ بين النماذج المختبرة، فبينما سجل نموذج Perplexity  نسبة خطأ بلغت 37%، سجل ChatGPT Search معدل خطأ بلغ 67%، في حين تصدر نموذج Grok-3 القائمة بمعدل خطأ مذهل وصل إلى 94%.

كشفت الدراسة أيضًا عن وجود توجه مقلق بين نماذج الذكاء الاصطناعي، وهو ميلها إلى تقديم إجابات ملفقة تبدو معقولة، بدلًا من الاعتراف بعدم امتلاكها معلومات موثوقة. وقد أكد الباحثون أن هذا السلوك لم يقتصر على نموذج واحد، بل كان شائعًا بين جميع النماذج التي جرى اختبارها، مما يشير إلى وجود نمط متأصل في طريقة عمل هذه النماذج.

ولكن كانت المفاجأة الصادمة في أداء الإصدارات المدفوعة من هذه النماذج، إذ تبين أنها أكثر ميلًا إلى تقديم معلومات غير صحيحة مقارنة بالإصدارات المجانية. فعلى سبيل المثال، قدمت منصة Perplexity Pro – التي تبلغ قيمة الاشتراك بها 20 دولارًا شهريًا – ومنصة Grok 3 المدفوعة – التي تبلغ قيمة الاشتراك بها 40 دولارًا شهريًا – إجابات غير صحيحة بثقة أكبر من نظيراتها المجانية.

ظهرت مشكلات أخرى في الدراسة، إذ اكتشف الباحثون وجود أدلة على أن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي تجاوزت إعدادات بروتوكول استبعاد الروبوتات (Robot Exclusion Protocol)، وهو البروتوكول الذي يستخدمه الناشرون لمنع الوصول غير المصرح به إلى محتواهم. فعلى سبيل المثال، تمكن الإصدار المجاني من Perplexity من الوصول إلى جميع المقتطفات العشرة من محتوى ناشيونال جيوغرافيك المدفوع، مع أن ناشيونال جيوغرافيك تحظر صراحةً برامج زحف الويب الخاصة بـ Perplexity.

إن تداول معلومات مضللة يمكن أن يؤدي إلى تشويه الرأي العام، أو اتخاذ قرارات غير صحيحة بناءً على بيانات مختلقة. ففي عصر المعلومات، يمكن أن تنتشر الأخبار الكاذبة بسرعة البرق، مما يجعل من الصعب تصحيحها بعد انتشارها. وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في وسائل الإعلام والتكنولوجيا، مما يضر بالنسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمعات.

تتحمل الشركات المطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي مسؤولية كبيرة في ضمان دقة وموثوقية المعلومات التي تقدمها. يجب على هذه الشركات الاستثمار في تحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقليل معدلات الخطأ والتلفيق. كما يجب عليها التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والصحفية لضمان تقديم معلومات دقيقة وموثوقة للمستخدمين.

على المستخدمين أن يكونوا أكثر وعيًا وانتقادًا للمعلومات التي يحصلون عليها من نماذج الذكاء الاصطناعي. يجب عليهم التحقق من المصادر والمعلومات قبل اتخاذ أي قرارات بناءً عليها. كما يجب عليهم الاعتماد على مصادر متعددة وموثوقة للحصول على صورة كاملة ودقيقة عن الموضوعات التي يهتمون بها.

في الختام، بينما تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة في تسهيل الوصول إلى المعلومات،

0 التعليقات: