في احتفاء عالمي يرسّخ موقع المملكة كجسر حضاري للمعرفة، أعلنت جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، في دورتها الحادية عشرة لعام 2024، عن أسماء الفائزين في مختلف فروعها، مؤكدة التزامها المتجدد بتعزيز التبادل الثقافي والعلمي بين اللغات، خصوصاً من العربية وإليها.
من الرياض، حيث تتخذ الجائزة مقرها، صدر البيان الذي تضمن نتائج فروع الجائزة الستة، التي تتوزع بين الترجمة في العلوم الطبيعية والإنسانية، من وإلى العربية، إلى جانب تكريم الجهود الفردية، والمؤسساتية، رغم حجب جائزتين هذا العام لعدم استيفاء الأعمال المقدمة للمعايير العلمية المطلوبة.
اللافت أن هذه الجائزة، التي أُنشئت بمبادرة من مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، تأسست لتكون صدقة جارية باسم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، فغدت منارة فكرية تكرّم عطاء المترجمين الذين ينقلون روح النص بين اللغات، ويمنحون الحضارات فرصة الحوار والتقارب. المشرف العام على المكتبة، الأستاذ فيصل بن معمر، أعرب عن فخره بمكانة الجائزة، التي تحظى بدعم مباشر من الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في رسالة واضحة أن الثقافة واللغة ليستا من رفاه العواصم، بل من مقومات السيادة والرؤية الحضارية.
وضمن الفائزين هذا العام، تألقت أسماء من مختلف الجنسيات، في مشهد يؤكد عالمية المشروع. فقد نال الدكتور نايف بن سلطان الحربي والدكتور جمال محمد علي خالد الجائزة عن ترجمتهما لكتاب "علم الأحياء الدقيقة الجنائي"، فيما فاز الدكتور منصور حسن الشهري عن ترجمته لكتاب حول ميكانيكا المواد النانوية، في فرع "العلوم الطبيعية من اللغات الأخرى إلى العربية". أما فرع "العلوم الطبيعية من العربية إلى اللغات الأخرى"، فحُجب لغياب الترشيحات، ما يفتح باب التأمل حول واقع تصدير العلوم عربياً.
وفي فرع "العلوم الإنسانية من العربية إلى اللغات الأخرى"، نُوّه بجهد الدكتور زيدو جبريل محمد عن ترجمته "مقامات الحريري" إلى اللغة الهوساوية، وهو إنجاز يجمع بين الأدب الكلاسيكي والانفتاح على الثقافات الإفريقية. كما حاز الدكتور فؤاد الدواش والدكتور مصطفى الحديبي الجائزة عن ترجمتهما لكتاب "سيكولوجية الجائحات"، وكذلك الدكتور بسام بركة والدكتور علي نجيب إبراهيم عن "قاموس علم الجمال"، ضمن فرع الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية.
وفي ختام النتائج، حجبت الجائزة في فرع "الهيئات والمؤسسات"، في إشارة إلى أن التميز لا يمنح إلا لمن يحقق شرط الدقة والتأثير. بالمقابل، كُرّم في فرع "جهود الأفراد" ثلاث شخصيات متميزة: الدكتور محمد الديداوي من النمسا، البروفسور وانغ بي وين من الصين، والأستاذة بيرسا جورج كوموتسي من اليونان، تقديرًا لعطاءاتهم النوعية في مجال الترجمة.
تأتي هذه الدورة في ظل عالم مأزوم بالتباعد، لتعيد الترجمة موقعها كأداة مقاومة ثقافية في وجه الجهل والتعصب، تفتح نوافذ المعرفة، وتمنح الأمم مفاتيح الفهم. وكما قال فالتر بنيامين في "مهمة المترجم"، فإن الترجمة ليست مجرد نقل كلمات، بل إعادة بناء للمعنى في فضاء ثقافي جديد.
هكذا تستمر المملكة في تعزيز مكانتها كحاضنة للثقافة والمعرفة، وتمنح الترجمة المكانة التي تستحقها كفن وعلم وأداة دبلوماسية ناعمة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق