الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 30، 2025

“الجمهورية الصحراوية” كذبة سياسية تُسَوَّق بواجهة استعمارية قديمة: عبده حقي


من يراقب الخطاب الدعائي الأخير الذي تروّجه جبهة البوليساريو ومناصروها من منابر إعلامية موالية أو متواطئة، يلاحظ تكرار نفس السيناريو المستهلك منذ عقود: ترويج “الجمهورية الصحراوية” الوهمية كقضية تصفية استعمار، في حين أن العالم يتغير، والتحالفات تتبدل، والمغرب يمضي بثقة نحو ترسيخ سيادته التنموية والدبلوماسية على كامل ترابه، بما في ذلك أقاليمه الجنوبية.

ما ورد مؤخرًا في وسائل إعلام مثل وكالة "واص" الانفصالية وبعض الصفحات الموالية للبوليساريو حول تجاهل الولايات المتحدة لأزمة الصحراء، وزيارات وفود أمريكية لمخيمات تندوف، ومحاولات يائسة للتشكيك في قرارات سيادية مغربية وسورية، يعكس أزمة حقيقية، لكنها ليست أزمة السيادة المغربية كما يُدعى، بل أزمة مشروعية هذا الكيان الوهمي الذي يعيش على أوهام الحرب الباردة.

أولًا، الادعاء بأن الولايات المتحدة “تتجاهل أزمة السيادة” على الصحراء الغربية هو تضليل مفضوح، لأن السياسة الأمريكية الرسمية، منذ إدارة ترامب مرورًا بإدارة بايدن، لا تزال تعترف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل جاد وواقعي وذي مصداقية، وتتعامل مع المغرب كحليف استراتيجي في شمال إفريقيا. أما زيارة ما يسمى "منتدى الدفاع" لمخيمات تندوف، فهي خطوة معزولة وغير ممثلة لموقف الدولة الأمريكية، بل تعكس نشاط مجموعات ضغط ممولة وموجهة من قبل النظام الجزائري، الذي يصرف الملايين سنويا على تبييض صورة البوليساريو في واشنطن دون جدوى.

ثانيًا، الإشارة إلى ما سُمي بـ”مصادر سورية” تنفي إغلاق مكتب البوليساريو في دمشق، ليست سوى محاولة يائسة لتكذيب الواقع، بعد أن أظهرت الصور والتقارير والتصريحات الرسمية لمسؤولين سوريين ومغاربة تأكيد غلق المكتب في إطار عودة العلاقات المغربية السورية إلى مسارها الطبيعي، واعتراف سوريا الضمني بعدم جدوى الانحياز إلى كيان انفصالي لا وجود له إلا في شعارات ماضوية. وحتى إن وُجدت أصوات إعلامية في سوريا تنكر ذلك، فإنها لا تُمثّل الموقف الرسمي الذي اتخذ قراره السيادي بإغلاق مكتب لا يخدم سوى أجندة الجزائر داخل سوريا.

ثالثًا، التطبيل لانضمام شباب ما يسمى “الحركة الصحراوية من أجل السلام” إلى الاتحاد العربي للشباب الاشتراكي لا يغيّر من جوهر الأزمة، بل يكشف عن ضمور خطاب البوليساريو وافتقاده للشرعية التمثيلية حتى داخل أوساط الشباب الصحراوي أنفسهم، الذين يفرّون من قبضة المخيمات ويبحثون عن بدائل، منها هذه الحركة التي ترفض الخيار العسكري وتدعو إلى التفاوض تحت السيادة المغربية. الترويج لهذا الانضمام وكأنه نصر دبلوماسي يُظهر مدى الارتباك الذي تعيشه القيادة الانفصالية، التي أصبحت تعتمد على فتات المؤتمرات والمنظمات الهامشية.

أما ما يتردد عن “تجاهل أمريكا” لما يسمى “آخر قضية تصفية استعمار”، فهو يتجاهل عمداً قرارات مجلس الأمن التي لم تعترف قط بـ"الجمهورية الصحراوية"، بل تؤكد على ضرورة حل سياسي متفاوض عليه في إطار سيادة المغرب. كما أن الحديث عن “حق تقرير المصير” لا يمكن أن يتم خارج الواقع: فالصحراء اليوم جزء من المملكة المغربية إداريًا، سياسيًا، اقتصاديًا، وأمنيًا. والساكنة الصحراوية تشارك في الانتخابات، وتستفيد من مشاريع تنموية رائدة، بينما تعاني ساكنة تندوف القمع والحرمان من أبسط الحقوق.

في الختام، هذه الحملة الإعلامية التي تروجها جبهة البوليساريو وممولوها ليست سوى محاولة بائسة لإعادة إحياء ملف تجاوزته التحولات الدولية. فالعالم لا يتعامل مع الكيانات الوهمية، بل مع الدول ذات السيادة، والمؤسسات الفاعلة، والمبادرات الواقعية. والمغرب، بسياساته المتوازنة ومبادراته الميدانية، قد فرض أمرًا واقعًا لم يعد قابلا للتشكيك، مهما علا الصراخ في تندوف أو انكفأت تقارير موجهة في عناوين خادعة. الحقيقة بسيطة: الصحراء مغربية، وستبقى كذلك، بقوة التاريخ، وبقوة الشرعية، وبقوة الشعب.

0 التعليقات: