بأسلوب يفيض بحيوية الكلمة وثراء الفكر، صدر حديثًا العدد 103 من مجلة "الشارقة الثقافية" لشهر مايو 2025، حافلًا بباقة متنوعة من المقالات والحوارات والملفات الأدبية والفنية التي تعكس نبض المشهد الثقافي العربي والعالمي. ويأتي هذا العدد استمرارًا لرؤية المجلة في الانفتاح على أصوات متعددة ورؤى متقاطعة، حيث تتقاطع عوالم الأدب، السينما، التشكيل، المسرح، والتراث الإنساني.
استهلت المجلة صفحاتها بافتتاحية بعنوان "الخط العربي وشارقة الثقافة"، سلّطت من خلالها الضوء على المكانة الاستثنائية التي توليها إمارة الشارقة للغة العربية، ودورها الرائد في صونها وتعزيز حضورها عالميًا، عبر المبادرات التعليمية والثقافية.
أما مدير التحرير نواف
يونس، فقد توقف عند العلاقة المعقدة والضرورية بين المؤلف والمحرر الأدبي، معتبرًا
أن هذه العلاقة التي تبدو في الظاهر تقنية أو إجرائية، تخفي في جوهرها تعاونًا إبداعيًا
عميقًا، غالبًا ما يُساء فهمه في السياق العربي.
في هذا العدد أيضًا،
كتب فوزي تاج الدين عن شاعر الإنسانية إيليا أبو ماضي، الذي رسم بكلماته مساحات أمل
في قلب القارئ. وفي باب الترجمة والاستشراق، توقفت مروى مسعود عند هارتموت فندريش،
المستشرق الألماني الذي بنى جسورًا بين الثقافات، فيما صحبنا محمد أحمد عنب إلى غرداية،
جوهرة الجنوب الجزائري، ذات العمق التاريخي والمعماري. واستعاد أحمد عبد العزيز بذكريات
مشعة من الأندلس زمن إشعاع الحضارة العربية، في حين كتب هشام عدرة عن مدينة معرة النعمان،
أيقونة الفسيفساء وأرض الشاعر أبي العلاء.
أما باب "أدب
وأدباء"، فكان غنيًا بالملامح والأسماء. خليل الجيزاوي رصد وقائع ملتقى الشارقة
للتكريم الثقافي في دورته الجديدة من القاهرة، بينما قدم محمد فؤاد علي بورتريهًا أدبيًا
لمحمد حسين هيكل، رائد الصحافة الثقافية والتجديد الفكري. وكتبت ذكاء ماردلي عن خير
الدين الزركلي، أحد أعمدة العلاقة بين الكلمة والتاريخ، كما كشفت سوسن محمد كامل جوانب
من رحلة عبد السلام هارون، عاشق التراث. وفي لقاءات العدد، تحدث الروائي حسونة المصباحي
عن علاقة الكاتب بجذوره وبيئته، بينما كتب محمد حمودة عن طاقات عبد الرحمن الخميسي
المتعددة بين الموسيقى والمسرح والسينما.
كما سلطت جميلة محمد
الضوء على أدب الخيال العلمي للأطفال، وأبحرت د. بهيجة إدلبي في عوالم إبراهيم صموئيل،
حارس القصة القصيرة. وعبّر الشاعر حسن المطروشي، في حوار مع عبد الرزاق الربيعي، عن
أن الشعر بالنسبة إليه ليس ترفًا بل ضرورة. وكتب زياد الريس عن عبقرية ميلان كونديرا
في روايته "كائن لا تحتمل خفته"، بينما ناقش عبد النبي عبادي عناصر السرد
والتعدد الصوتي في "الحريق" لإبراهيم المطولي.
العدد لم يغفل الأدب
العالمي، إذ رصدت شذى حريب أصداء مهرجان الأدب الأفريقي في الشارقة، الذي تحول إلى
منصة احتفالية بالذاكرة الإبداعية للقارة. كما توقفت عبير محمد عند مسيرة فخري صالح،
الناقد والمترجم الذي ترك بصمة في النقد الأدبي، وكتب أحمد حميدان عن لعبة الأقنعة
في رواية باسم خندقجي، وتناول عبد الرؤوف توتي تجربة أحمد عبد الملك الثقافية والإعلامية.
أما عبد الحميد القائد، فقد انشغل بفلسفة العلاقة الجدلية بين النص والنقد.
وخصّص العدد حيّزًا
لمقالات فكرية وأدبية معمقة، منها: "حي بن يقظان وتأثيره في الأدب العالمي"
لعادل البطوسي، و"الموريسكيون في الأميركيتين" لمصطفى عبد الله، و"توماس
أرنولد: فيلسوف الإنصاف مع الفكر الإسلامي" لوليد رمضان، إضافة إلى فوز بيتر جران
ويمنى الخولي بجائزة طه حسين الدولية.
أما المقالات النقدية
والتحليلية الأخرى، فشملت موضوعات تتعلق بالأسلوب والكتابة، والرمزية في رواية نجيب
محفوظ، والرحلات وأثرها على الإبداع، إضافة إلى استكشافات نقدية في القصة والرواية
والشعر والمسرح، وانتهاء بتأملات في التجربة الإبداعية للمسرحية الكبيرة سميحة أيوب.
وكدأبها، خصصت المجلة
صفحات لقصص قصيرة وترجمات أدبية من توقيع نخبة من الكتاب العرب، لتبقى "الشارقة
الثقافية" منبرًا مفتوحًا لعبور الثقافات وصون الذاكرة الأدبية العربية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق