في لحظة فارقة من تطور النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، سجلت المملكة المغربية اختراقًا دبلوماسيًا جديدًا تمثل في التحول الملحوظ لمواقف قوى دولية مؤثرة مثل المملكة المتحدة، وأخرى صاعدة من الجنوب العالمي كدولة دومينيكا. هذا التحول يعكس دينامية جديدة في التعاطي الدولي مع هذا الملف، خاصة في ضوء تزايد القناعة بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي طرحت سنة 2007، تمثل الإطار الواقعي والعملي الوحيد القادر على إنهاء هذا النزاع المفتعل.
إن إعلان المملكة المتحدة،
وهي عضو دائم في مجلس الأمن وفاعل اقتصادي وسياسي كبير، عن دعمها الصريح لمقترح الحكم
الذاتي المغربي، يشكل منعطفًا استراتيجيًا له ما بعده. فلأكثر من أربعة عقود، التزمت
لندن موقف الحياد الحذر إزاء النزاع، متجنبة أي انحياز واضح لأي من الطرفين. غير أن
البيان البريطاني الأخير، الذي صدر بالتزامن مع ترتيبات استثمارية ضخمة في إطار ملف
تنظيم المغرب لكأس العالم 2030، يشير إلى أن لندن قررت أخيرًا الانخراط بوضوح في مسار
دعم الوحدة الترابية للمغرب، معتبرة مبادرته "الأكثر جدية ومصداقية وواقعية"
وفق ما جاء على لسان وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية ليام فوكس.
اللافت أن هذا التحول
لم يكن محصورًا في الجهاز التنفيذي البريطاني، بل امتد إلى البرلمان ودوائر القرار
السياسي، حيث أبدى عدد من النواب والسياسيين البريطانيين ترحيبهم ودعمهم لهذا التوجه
الجديد. وهنا يُقرأ الموقف البريطاني ليس فقط كصفقة ذات بعد اقتصادي ورياضي فحسب، بل
كمؤشر على بداية بناء تحالف استراتيجي أوسع مع المغرب في مجالات متعددة، تشمل الأمن
والطاقة والاستثمار والابتكار.
وبموازاة ذلك، أصدرت
حكومة دومينيكا، ممثلة في سفيرها لدى الأمم المتحدة، فيلبرت آرون، بيانًا واضحًا تدعم
فيه بشكل لا لبس فيه مبادرة الحكم الذاتي المغربية. وفي خطابه الموجه إلى المنظمة الدولية،
وصف آرون المقترح المغربي بأنه "حل عادل وواقعي ومتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة"،
مشددًا على أن المغرب أظهر التزامًا جادًا بالحل السياسي وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
دعم دومينيكا، وإن
بدا للبعض رمزيًا نظرًا لحجم الدولة، إلا أنه يحمل دلالات دبلوماسية قوية في منطق العلاقات
الدولية المعاصرة، حيث تعزز الدول الصغيرة صوت المغرب داخل الأمم المتحدة وفي فضاءات
التعاون جنوب-جنوب. ويؤكد هذا الموقف أن دعم المغرب لم يعد مقتصرًا على القوى الكبرى
فحسب، بل يشمل طيفًا واسعًا من دول العالم التي باتت تنظر إلى الحكم الذاتي كحل متوازن
يراعي الخصوصيات المحلية، دون المساس بوحدة وسيادة الدول.
من الناحية التحليلية،
يمكن القول إن تراكم هذه المواقف يعكس نتيجة طبيعية لتحركات دبلوماسية مغربية مكثفة
على مدى السنوات الأخيرة، بقيادة الملك محمد السادس، والتي حرصت على مزج الحضور السياسي
بالثقل الاقتصادي والثقافي. كما أن المغرب استفاد من هشاشة خطاب خصومه، خصوصًا بعد
تراجع عدد من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا عن اعترافها بالجمهورية الوهمية، وكذلك
انكشاف طبيعة الدعم الجزائري الصلب للبوليساريو، الذي بات عبئًا سياسياً على النظام
في الجزائر في ظل أزماته الداخلية المتفاقمة.
في هذا السياق، لا
يمكن فصل التحول البريطاني عن سياق أوسع يشهده الغرب عمومًا، حيث أخذت عدد من الدول
الأوروبية، مثل ألمانيا وإسبانيا وهولندا، منحى واضحًا في دعم مغربية الصحراء، سواء
عبر مواقف رسمية أو صيغ تعاون ثنائي متقدم. ويبدو أن المعادلة القديمة، التي كانت تُراعي
حساسيات جزائرية في سبيل الحفاظ على التوازن في شمال إفريقيا، لم تعد مقنعة أمام المصالح
الجيوسياسية والاقتصادية الجديدة، التي تفرض شراكات مع دول مستقرة وذات رؤية تنموية
مثل المغرب.
خلاصة القول، إن ما
نشهده اليوم ليس مجرد بيانات دعم موسمية، بل بداية لتبلور إجماع دولي جديد حول مقاربة
المغرب الواقعية لحل نزاع الصحراء. وإذا استمرت الرباط في توظيف هذا الزخم الدولي عبر
توطيد التحالفات، ومواصلة التنمية في الأقاليم الجنوبية، وتعزيز حضورها القاري والدولي،
فإن السنوات القليلة المقبلة قد تحمل معها التسوية النهائية لهذا النزاع، على أساس
الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وبدعم عالمي يتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية للنزاع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق