الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الجمعة، أكتوبر 03، 2025

قراءة في كتاب "صافي الفن والخيال الرقمي " لأوليفيا سوليفان.


مقدّمة : في عصر التحوّل الرقمي وتنامي الفضاءات الافتراضية، يكتسب الفن الرقمي (Net Art) أهمية متزايدة كمجال يلتقي عنده الإبداع والتكنولوجيا والشبكات. تحاول ولِفيا سوليفان في كتابها «Net Art and the Digital Imagination» أن تضع إطارًا مفاهيميًا لفهم كيف يُعيد الفن الرقمي تشكيل الخيال البصري والافتراضي، وكيف يتفاعل مع الجمهور والفعالية الفنية في سياق الشبكة. إن قراءة هذا الكتاب تتيح لنا استكشاف مفاهيم مثل الفضاء الرقمي، التأثير التفاعلي، وإعادة تعريف “الصورة” في زمن وسائل الاتصال الرقمية.

في هذا المقال، سأقدم قراءة نقدية للكتاب من خلال محاور: (1) الأُطر النظرية والمرجعية التي تستند إليها سوليفان، (2) المواضيع والمحاور الكبرى التي تعالجها، (3) نقاط القوة، و(4) المآخذ والانتقادات المحتملة، وأخيرًا (5) توصيات وأثره المحتمل على دراسات الفن الرقمي.

من المتوقع أن سوليفان تستند إلى مزيج من نظريات الفنون الرقمية، دراسات الوسائط (media studies)، ونظريات الخيال (imagination) والتفاعل (interactivity). مثل هذه الكتب غالبًا ما تستعين بمراجع مثل نيتشه، باتنام، فلوري، ميرلو-بونتي، نظريات ما بعد الحداثة، ونظريات الثقافة الرقمية. يكون الهدف هو ربط بين التجربة الرقمية كفضاء بصري وبين الإنتاج الفني في شبكة الإنترنت.

من المنهجية المتوقعة أن تعتمد سوليفان على دراسات حالة (case studies) لأعمال Net Art، تحليل نصي بصري لمنتجات فنية رقمية، وربما مقابلات مع فنانين رقميين أو استقصاءات عن تفاعل الجمهور مع العمل الرقمي. بهذا تكون قد حققت توازنًا بين الجانب النظري والتطبيقي.

الميزة في مثل هذا المنهج أنه يسمح بربط الأفكار الكبرى مع الممارسات الفنية الحية، مما يعطي القارئ – خصوصًا الباحث – رؤية ملموسة لكيف يسير الفن الرقمي في الواقع المعاصر.

المحاور والموضوعات الكبرى في الكتاب

إليك بعض الموضوعات التي من المحتمل أن يغطيها الكتاب (أو التي يتوقع أن تغطيها مثل هذه الدراسة) مع تحليل نقدي:

تعريف Net Art وإعادة تصوّر الفضاء الرقمي

سوليفان ربما تفتح الكتاب بتوضيح ما هو Net Art، مميزاته عن الفنون التقليدية، وكيف أن “الفضاء الرقمي” ليس مجرد وسيلة عرض بل مجال فني تفاعلي بحد ذاته. إنها تسعى إلى أن تجعل القارئ يدرك أن العمل في الشبكة يملك بنية خاصة — روابط، تنقّل، واجهات، زمن استجابة — تؤثر في معنى العمل الفني.

الخيال الرقمي (Digital Imagination)

العنوان يوحي بأن سوليفان تحاول فهم كيف يُشكّل الخيال في السياقات الرقمية: كيف تتولد صور أو رؤى في الفضاء الرقمي، كيف يتخيّل الفنان والجمهور عوالم جديدة عبر الشيفرة، التأثيرات البصرية، والتفاعل الشبكي. كما قد تناقش كيف أن الخيال الرقمي لا يقتصر على التصور البصري بل يشمل التفاعل، الحركة، الزمن، وحتى السرد والتجربة.

التفاعل والجمهور

في Net Art، الجمهور ليس متفرّجًا سلبيًا بل مشاركًا، تتحرك الأعمال بفعل تفاعل الزوار أو الحُسّاسات أو البيانات الزمنية. قد تتناول سوليفان كيف يؤثر هذا التفاعل في معنى العمل، وكيف يُنظر إلى الجمهور كعنصر مكوّن للعمل وليس مجرد مستقبِل.

توزيع العمل الرقمي والوسائط المتعددة

من شأن الكتاب أن يناقش الوسائط المتعددة (صورة، صوت، فيديو، رسوم متحركة، كود برمجي) وكيف تندمج في Net Art، وكيف أن العمل قد يكون موزّعًا عبر خوادم مختلفة، روابط، أو مواقع متعددة. هذا يطرح مسألة الاستمرارية، الهجرة الرقمية، الحفاظ على الأعمال، والاعتماد على البنى التحتية التكنولوجية.

القضايا الفنية والفلسفية

ربما تتطرق سوليفان إلى أسئلة حول ما إذا كان للعمل الرقمي “وجود” حقيقي، أو كيف تُعاد قراءة مفاهيم مثل الأصالة، النسخ، التأثير، والميتافور في البيئة الرقمية. كذلك قد تناقش العلاقة بين الكود البرمجي والفن: هل الكود نفسه “النص الفني”؟ وأين تكمن “الذائقة” أو “الجمال” في العمل الرقمي؟

التحديات والآفاق المستقبلية

لا بد أن تناقش سوليفان التحديات التي تواجه Net Art: الاستخدام المتسارع للتكنولوجيا، التوافق مع المتصفحات، تغيّر المعايير، حفظ الأعمال الرقمية، التفاعل مع السلطان الرقمي (منصات الإنترنت، الرقابة، الملكية الرقمية)، وأخيرًا مستقبل الفن ضمن الفضاء الرقمي المتجدد.

نقاط القوة في الكتاب

من المرجح أن يحتوي الكتاب على عدة نقاط قوة:

رؤية مركّبة تجمع بين النظرية والممارسة: بتوظيف دراسات حالة وأمثلة فعلية، يصبح النص أقل تجريدًا وأكثر صلة بالواقع الفني المعاصر.

إضاءة على الخيال الرقمي: فكرة “الخيال الرقمي” كمفهوم مركزي تُعدّ إسهامًا مهمًا، لأن الفن الرقمي ليس مجرد تنفيذ تقني بل يتعلق برؤية ورغبة في خلق عوالم جديدة.

تركيز على التفاعل والجمهور: من المهم جدًا أن يُعترف بأن الجمهور يلعب دورًا نشطًا في أعمال Net Art، وأن العلاقة بين العمل والمتلقي هي علاقة ديناميكية.

وعي بالبنى التحتية الرقمية والمشكلات التقنية: أي دراسة جادة يجب أن تأخذ في الحسبان أن العمل الرقمي يعتمد على خوادم، متصفحات، صيغ ملفات — هذه الجوانب ليست هامشية بل مركزية.

إمكانية تأويل متعددة: الفن الرقمي بطبيعته يفتح المجال لتفسيرات متعددة (الكود، البصريات، التفاعل)، وهذا يمنح الكتاب غنى فكريًا.

المآخذ والانتقادات المحتملة

لا بد من التنبه إلى بعض المآخذ التي قد تواجه مثل هذه الدراسة:

قلة المصادر أو دراسات الحالة الموثقة

في حالات كثيرة، لا تكون جميع أعمال Net Art موثقة بشكل مستدام أو متاحة على المدى البعيد، ما قد يقيّد قدرة الباحث على تحليلها (قد تختفي مواقع، يُغيّر الكود). هذا يُطرح كحدٍّ في أي عمل يتناول الفن الرقمي.

ميل إلى التعميم المفرط

قد تقع سوليفان في فخ التعميم على أن جميع Net Art تتبع نمطًا معينًا من التفاعل أو الخيال الرقمي، بينما الواقع أن هناك أنواعًا شتى من الأعمال الرقمية، بعضها بسيط أو قريب من الفن المعاصر التقليدي.

غياب الاعتبار العميق للسياق الاجتماعي والسياسي

في الفن الرقمي، التداخل مع السلطة الرقمية، الأيديولوجيا، الخصوصية، المراقبة، الملكية الرقمية، البيانات الضخمة، كلها قضايا أساسية. إذا لم تغص سوليفان في هذه الأبعاد بعمق، فإن الدراسة قد تبدو ناقصة من هذا المنظور.

التوازن بين التقنية والجمال

قد يكون التركيز الزائد على الجوانب التقنية (الكود، المنصات، البنى التحتية) مضرًا إذا لم يُردف بتحليل جمالي وإبداعي يضع القيمة الفنية في المقدمة.

مسألة الاستمرارية والحفظ

كثير من الأعمال الرقمية تُعرض لفترة مؤقتة أو تعتمد على بيئات برمجية عابرة (متصفحات، نسخ). قد لا تُعطى في الكتاب مساحة كافية لمناقشة كيف يمكن حفظ هذه الأعمال أو استعادتها لاحقًا.

المخاطر التقنية والتجريبية

بعض الأعمال الرقمية تكون معرضة للانهيار التقني أو الأعطال البرمجية، وقد لا تحمل دائمًا “الاستمرارية المثالية” التي تتخيلها بعض النظريات. يجب أن يعترف الكاتب بهذه الهشاشة.

التوصيات والأثر المحتمل

بالنظر إلى مكانة Net Art كظاهرة فنية مهمة في عصر التحول الرقمي، فإن كتاب سوليفان يمكن أن يقدّم إسهامًا قيمًا إذا تعامل بعمق مع التحديات النظرية والتطبيقية. أوصي بما يلي:

أن يُستكمل هذا النوع من الدراسات بأبحاث ميدانية تفاعلية مع فنانين رقميين فعليين، ربما من العالم العربي أو من دول الجنوب، لأن غالبية الأمثلة في الدراسات الرقمية تكون من أمريكا وأوروبا.

أن تُخصص دراسات لاحقة لمعالجة قضايا مثل الخصوصية، الملكية الرقمية، الرقابة الرقمية، أثر المنصات الكبرى (غوغل، ميتا، يوتيوب) على إنتاج الفن الرقمي.

أن يُستثمر الكتاب في الدورات الجامعية المختصة بالفن الرقمي، الدراسات الوسائطية، والابتكار الرقمي في الفنون، ليصبح جسرًا بين النظرية والممارسة.

أن تُنشأ أطر أرشيفية تحافظ على Net Art المحلي والإقليمي، بحيث لا تضيع أعمال فنية بسبب تغيّر التكنولوجيا أو توقف استضافة المواقع.

0 التعليقات: