الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الجمعة، أكتوبر 03، 2025

محاورات بين فلاسفة ومفكرين معاصرين (10) كورنيل ويست وسلافوي جيجك: عبده حقي


بين عامي 2011 و2014 شهدت الساحة الأكاديمية والفكرية في الولايات المتحدة لحظات نادرة من التلاقي بين اثنين من أكثر المفكرين إثارة للجدل: كورنيل ويست، الفيلسوف الأميركي المعروف بخطابه الأخلاقي المستند إلى التراث المسيحي-الأفروأميركي، وسلافوي جيجك، الفيلسوف السلوفيني الماركسي المتمرّد، الذي يمزج الهيغلية بالتحليل النفسي اللّاكانـي وبالاستفزاز الفكري. هذه اللقاءات، سواء في قاعات برنستون أو في فضاءات جامعة نيويورك والمدارس العليا، لم تكن مجرد مناظرات كلاسيكية، بل حوارات ديناميكية تكشف تباين الرؤى ووحدة القلق تجاه الرأسمالية والأخلاق والسياسة المعاصرة.

رغم أنّ المصادر الأكاديمية لا تثبت وجود سلسلة من "المناظرات الرسمية" بينهما في تلك الفترة، إلا أن هناك عدة محطات بارزة جمعتهما:

محاضرات مشتركة في برنستون حيث قدّم جيجك أطروحاته حول الإيديولوجيا، وكان ويست يتدخل بالنقد والأسئلة.

جلسة عامة بعنوان «حول السياسة واللاهوت: جيجك وويست في حوار» بالـ New School، التي شكّلت لحظة رمزية لتقاطع الدين بالفكر الماركسي.

مقاطع مصوّرة ومداخلات معروفة مثل «The Ignorance of Chicken»، حيث يقدّم جيجك رؤيته الاستفزازية، ويستجيب ويست بخطابه الروحي النقدي.

هذه اللقاءات، وإن كانت متفرقة، رسّخت صورة الاثنين كثنائي فكري متناقض ومتكامل في آن واحد.

محاور الحوار: الدين والرأسمالية والمقاومة

يمكن قراءة هذه الحوارات عبر ثلاث دوائر مركزية:

الدين واللاهوت:

كورنيل ويست ينطلق من الروح المسيحية النبوية، معتبرًا الحب والمعاناة والعدالة قيماً جوهرية للمقاومة.

جيجك، الملحد المعلن، يستعير من اللاهوت مسلّماته الرمزية والميتافيزيقية ليعيد توظيفها في نقد الإيديولوجيا.

التوتر هنا يكمن في السؤال: هل يمكن للدين أن يكون حليفًا للثورة، أم أنه مجرد جهاز إيديولوجي آخر؟

الرأسمالية والنقد الماركسي:

ويست يهاجم النيوليبرالية بوصفها "رأسمالية عنصرية" تسحق الفقراء والملونين.

جيجك يتعمّق في قراءة ماركس وهيغل ليكشف كيف يخفي النظام الرأسمالي تناقضاته عبر خطاب الحرية الفردية.

كلاهما يلتقي في الإيمان بضرورة نقد الرأسمالية، لكن اختلافهما يظهر في اللغة: الأخلاق النبوية عند ويست مقابل التحليل الجدلي عند جيجك.

أخلاقيات المقاومة والعمل السياسي:

ويست يدعو إلى مقاومة متجذّرة في التضامن الشعبي والشهادة الأخلاقية.

جيجك يحذّر من الرومانسية الثورية السطحية، مفضّلاً تفكيك آليات الهيمنة قبل أي فعل مباشر.

بين "المحبّة" و"الصدمة الجدلية" تتولد مساحة مشتركة للنقاش.

تلاقي الاختلاف

ما يميز هذه الحوارات هو أنها لم تكن صراعًا حول من يمتلك "الحقيقة"، بل مختبرًا حيًا للفكر. ويست يُذكّر جيجك بعمق التجربة الدينية والبعد الروحي للمقاومة، بينما يُجبر جيجك ويست على مواجهة حدود اللغة الأخلاقية في عالم تحكمه قوى رأسمالية معقدة. من هنا يمكن القول إن التناقض بينهما هو بالذات ما منح هذه اللقاءات قوتها: جدلية بين اللاهوت والأيديولوجيا، بين الحبّ والجدل، بين الأخلاق والسياسة.

أهمية هذه الحوارات

رغم غياب أرشيف كامل يوثّق سلسلة متكاملة لهذه اللقاءات، إلا أن أثرها ظل حاضرًا في النقاشات الفكرية والأكاديمية. فهي قدّمت للطلاب والمثقفين والجمهور الواسع نموذجًا للحوار الجريء بين مرجعيتين تبدوان متنافرتين، لكنهما تتقاطعان عند سؤال جوهري: كيف نواجه الرأسمالية ونبني مقاومة أخلاقية جديدة؟

إنها حوارات تؤكد أن الفكر النقدي الحقيقي لا يكتفي بالخطابة المنفردة، بل ينمو في فضاء التوتر والتناقض، حيث يلتقي كورنيل ويست وسلافوي جيجك ليشكلا معًا لحظة نادرة في تاريخ النقاشات العامة حول العدالة والمقاومة.

0 التعليقات: